الجزء الثلاثمئة و الخامس عشـر : مكافحة الفســاد الاقتصادي من خلال ضبط ســعر الصرف

أشـــرنا في تصريحات و تحاليل اقتصادية أن ســعر صرف الليرة الســورية أمام الدولار الأمريكي ســيكون مســتقراً إجمالاً في الأحوال العادية ، لكن جميع الاهتزازات السـعرية المفاجئة على شكل ارتفاع مفاجىء إنما ســتعود إلى ضغوط نفســية و اســتثارة الهلع النفســي لدى المواطنين من أجل التدافع على حيازة الدولار الأمريكي في هذه الظروف الاقتصادية و الأمنية الصعبة . و الأمر خاطىء تماماً فبما ينشــره بعض الكاتبين غير الاقتصاديين أو غير المختصين أن الدولار ســيعاود الارتفاع إلى مسـتوياته المجنونة الســابقة التي كانت في الشـهر السـابع من الســنة الماضية ، و بعضهم ربط ذلك بمخاوف عدم تدفق البضائع من دمشق إلى الساحل و بالعكس و هو افتراض خاطىء ، كما نخالف بشــدة أحد الاقتصاديين الذي صرح أن اسـتمرار ارتفاع الليرة السـورية منطقي و هو التصريح الذي لا يخضع للمنطقية الاقتصادية في المشهد السـوري .

إن ارتفاع الليرة الســورية أمام الدولار الأمريكي في الشــهر الأخير مرتبط بشــكل مباشـر بالعامل النفســي الأمني من جراء قذائف الهاون العشــوائية ، التي تعني انخفاضاً في المسـتوى الأمني مما يدفع الناس لا شــعورياً إلى خفض الثقة بالاقتصاد الوطني و الليرة الســورية و يزيد من الرغبة الشــخصية الإدخارية في اســتحواذ الدولار الإدخاري .

حســب إحصائيات البنك المركزي الســوري فإن مســتويات الطلب على تمويل المسـتوردات خلال الثلاثة أشــهر الماضية لم تتجاوز الخمسين مليون دولار شــهرياً أي بمعدل مليونين دولار أمريكي يومياً ، و لم يرتفع الطلب على التمويل الاســتيرادي في الشــهر الأخير وبالتالي لم يكن هناك ضغوطاً كبيرة على الدولار الأمريكي ليبرر هذا الارتفاع الذي كان حوالي الخمسـة عشر ليرة ســورية خلال شــهر وهو حقيقة ارتفاعاً مدفوعاً من العامل النفســي .

من ناحية أخرى فإن الحوالات الخارجية من الدولار الأمريكي من مغتربين إلى الداخل الســوري تقارب السـبعة ملايين دولار أمريكي يومياً و هي يتم تســليمها للمواطنين الســوريين بالليرة الســورية ، و هذا الدولار الأمريكي يتم بيعه إلى البنك المركزي الســوري من قبل شــركات الصرافة و البنوك الخاصة مما يعني أن هناك مليارين و نصف الدولار الأمريكي إيراد سنوي لخزينة البنك المركزي من الدولار الأمريكي فقط من الحوالات الخارجية، بالإضافة إلى الاحتياطي الســابق الذي على شــكل ودائع بالدولار الأمريكي من الدول الصديقة . إن عمليات الانتاج المحلي يكاد يكون جميعه للاســتهلاك المحلي خلال الســنة و النصف الأخيرة ، كما أن النســبة التي انخفض فيها نســبة التصدير إلى التسـعين بالمئة ، قد انخفض فيها بالتوازي الاســتيراد بالنســبة نفســها و بالتالي فإن الضغوط على الليرة الســورية بذريعة زيادة الاســتيراد ليســت صحيحة كما يروج على عجالة بعض الكاتبين . من الغريب حقاً أن ينشــر البنك المركزي اســتعداده لتمويل الاسـتيراد بسـعر 162 ليرة في حين سـعر المركزي الرســمي هو 145 ليرة ، و حتى لو تعرض الســوق الموازي لاهتزازات و فوضى سـعرية و قفز إلى مسـتويات مرتفعة بشــكل مفاجىء فيجب ألا يتخبط المركزي و ينجرّ إلى سـعر السـوق السـوداء ، بدلاً من أن يقوم هو بســحب سـعر السـوق السوداء إلى ســعره الرســمي ، و بلا شــك هذا خطأ اســتراتيجي متكرر في تدخلات البنك المركزي السـوري . إن التخبّط في ســعر صرف الليرة السـورية يســبب فســاداً كبيراً في التسـعير و المعاملات التجارية و تعطيل الحركة التجارية ، و يفشــل الجهود التموينية و الرقابة الســعرية على الســلع الغذائية و المنتجات الاســتهلاكية ، كما و يســبب اســتغلالاً من التجار المخزنة للمواد لتحقيق أرباحاً فورية ، ناهيك عن تعطل جميع المناقصات الحكومية التي يعتذر الموردون عنها بســبب صعوبة التنبؤ بالكلفة التي ســيتحملها المتقدم للمناقصة ، مما يعني تعطل الحركة الإنتاجية المحلية و زيادة العراقيل و المعوقات في إعادة الإعمار و الإصلاح .

سيريا ديلي نيوز


التعليقات