"كذبة نيسان" عادة يمارسها العديد من الناس في دول العالم في الأول من نيسان من كل عام، عن طريق خداع الأصدقاء أو الجيران أو نشر أكاذيب كي يصدقها البعض، وذلك من أجل وضعهم في مواقف محرجة عبر ما يعتبره البعض "كذبة بيضاء" .و"كذبة نيسان" باتت بمثابة الثقافة الساخرة التي ينتهجها الناس في كل أنحاء العالم في الأول من نيسان، وإن اختلفت مسميات ضحاياها، فهو "أحمق نيسان" في ألمانيا، و"مغفل نيسان" في إنكلترا، و"سمكة أبريل" في فرنسا...، وهكذا تتم السخرية ممن يتعرضون لمقالب "كذبة نيسان" في كل بلاد الدنيا.
يطلق الفرنسيون على "كذبة نيسان" تسمية"سمكة نيسان" لان الشمس تنتقل من برج الحوت الى البرج الذي يليه، او لان كلمة "بواسون" تعني سمكة، وهي محرفة من كلمة باسيون، ومعناها العذاب ا لذي يرمز إلى عذاب السيد المسيح، الذي يعتقد انه حصل في أول نيسان.
ولعل السؤال الذي يطرح دائماً في كل سنة لماذا الكذب في أول نيسان؟ وما أصل هذه الكذبة المنتشرة في غالبية دول العالم على اختلاف ألوانها ومعتقداتها وثقافاتها؟.
أصل "كذبة نيسان"
"كذبة نيسان" تقليد أوروبي قديم قائم على المزاح، يقوم خلاله الناس بإطلاق الأكاذيب أو الشائعات التي سرعان ما يبددونها ويعترفون بأنها غير صحيحة، وقد أرادوا من خلالها الإيقاع بالآخر. وتذكر كتب التاريخ أن هذه العادة بدأت في فرنسا، بعد تبني التقويم المعدل الذي وضعه شارل التاسع العام 1565، وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم، وكان قراره ذاك قد أذيع بين الناس في الأول من نيسان ثم عاد عنه. وهكذا أطلق الناس في العام الذي تلاه يوم 1 نيسان مجموعة شائعات انتشرت على نطاق واسع ثم تمّ تكذيبها، وانتقل هذا التقليد السنوي إلى إنكلترا واسكتلندا وغيرها".
في المقابل يرى بعض المؤرخين أن هناك علاقة قوية بين الكذب في أول نيسان وعيد "هولي" المعروف في الهند، والذي يحتفل به الهندوس يوم 31 آذار من كل عام، وفيه يقوم بعض البسطاء بمهمات كاذبة لمجرد اللهو والدعاية، ثم يكشفون عنها مساء اليوم عينه.
وهناك باحثون يرون أن نشأة هذا التقليد تعود إلى القرون الوسطى، إذ أن شهر نيسان في هذه الحقبة كان وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول، فيطلق سراحهم في أول الشهر!
وثمة باحثون آخرون يؤكدون أن كذبة أول نيسان انتشرت في شكل واسع بين شعوب العالم في القرن التاسع عشر.
وفي روسيا يقال إن كذبة نيسان عرفت في العام 1719، عندما قام قيصر روسيا بطرس الأكبر بإشعال النار في قبة عالية طلاها بالزفت والشمع، فتوهم الناس أن مدينتهم تحترق فهربوا خائفين ،وكان الجنود يوقفونهم ويقولون إن اليوم هو أول نيسان.
وهناك رواية أخرى تقول: إن احدى ملكات بابل القديمة أمرت بأن يكتب على قبرها بعد وفاتها عبارة تقول: "يجد المحتاج في قبري هذا مالاً يسد به حاجته إذا فتحه في أول نيسان" ولم يجرؤ احد على فتح القبر حتى جاء الملك الفارسي داريوس فأمر بفتح القبر فوجد لوحاً نحاسياً كتب عليه: "أيها الداخل إلى هذا القبر أنت رجل طماع وقح عطش إلى نهب المال، ولأجل إشباع نهمك أتيت تقلق راحتي في نومي الأبدي مغتنماً فرصة الأول من نيسان، ولكن خاب ظنك وطاش سهمك فلن تنال من لحدي إلا نصيب الأحمق المعتوه".
والواقع أن كل هذه الأقوال لم تكتسب الدليل الأكيد لإثبات صحتها، وسواء كانت صحيحة أو غير صحيحة، فان الأكيد أن قاعدة الكذب كانت ولا تزال أول نيسان ويعلق البعض على هذا بالقول أن شهر نيسان يقع في فصل الربيع ومع الربيع تحلو للناس المداعبة والمرح.
وقد أصبح أول نيسان اليوم المباح فيه الكذب لدى كل شعوب العالم، ما عدا الشعبين الأسباني والألماني، والسبب أن هذا اليوم مقدس في أسبانيا دينيا أما في ألمانيا فهو يوافق يوم ميلاد بسمارك الزعيم الألماني المعروف.
والطريف في كذبة أول نيسان أنها تساوي ما بين العظماء والصعاليك، والأغنياء والفقراء، فقد حدث أن كان كارول ملك رومانيا يزور احد متاحف عاصمة بلاده في أول نيسان فسبقه رسام بارع ورسم على أرضية إحدى قاعات المتحف ورقة مالية من فئة كبيرة، فلما رآها أمر احد حراسة بالتقاط الورقة المالية ولكن عبثاً. وفي سنة أخرى رسم الفنان نفسه على أرض ذلك المتحف صورا لسجائر مشتعلة وجلس عن كثب يراقب الزائرين وهم يهرعون لالتقاط السجائر قبل أن تشعل نارها في الأرض الخشبية.
لماذا يكذب الناس؟
يقول الباحث الانكليزي جون شيمل، الذي عمل باحثاً عن أصول الكذب ودوافعه ومسبباته: "أن الكذب صفة شائعة بين البشر، وتثبت كل الأدلة أن المرأة أكثر استخداما للكذب من الرجل، ويرجع السبب إلى عاملين، أولهما نفسي عاطفي. فالمرأة أكثر عاطفية من الرجل، ولان الكذب حالة نفسية ترتبط بالجانب العاطفي أكثر من ارتباطها بالجانب العقلاني، فالنتيجة الطبيعية أن تكون المرأة أكثر كذبا من الرجل. أماالعامل الثاني فهو أن الكذب بصفة عامة هو سمة المستضعفين، والإنسان غالبا ما يلجأ إلى الكذب لإحساسه بالضعف أو الاضطهاد وللهروب من واقع أليم يعيشه، ولأن المرأة عاشت على مر العصور وفي مختلف المجتمعات البشرية تعاني الاضطهاد والقهر فكان لابد من ان تلجأ إلى الكذب"...
طرائف "كذبة نيسان"
صحيح أن التاريخ حافل بالأكاذيب، سواء في الأول من نيسان أو غيره من التواريخ، ولكن المدونات أعجز من أن تحصي أطراف الأكاذيب التي عرفها 1 نيسان في العالم، والتي يمكن عرض أبرزها على النحو التالي:
ملكة فرنسا ماريا مديتشي كذبت على زوجها الملك هنري الرابع (1553-1610) بأن أرسلت له رسالة من مزعومة تحدد له موعداً، وعندما ذهب الملك إلى الموعد وجد زوجته الملكة بانتظاره ومعها الحاشية.
نشرت جريدة ألمانية في نيسان 1774 خبرا مفاده توصل العلماء إلى طريقة مبتكرة لتلوين ريش الدجاج، وذلك عن طريق صبغ جدران الحجرة باللون المطلوب.. يبدو أن الكثيرين صدقوا هذه المزحة حيث كتب بعضهم للجريدة أنهم صبغوا الجدران ولكن لون ريش الدجاج لم يتغير!.
ومن أشهر الأكاذيب التي عرفها الشعب الإنكليزي الذي يعتبر أشهر شعوب العالم كذبا في أول نيسان هذه الكذبة التي جرت في أول نيسان العام 1860. في هذا اليوم حمل البريد إلى مئات من سكان لندن بطاقات مختومة بأختام مزورة تحمل في طياتها دعوة كل منهم إلى مشاهدة الحفلة السنوية "لغسل الأسود البيض" في برج لندن في صباح الأحد أول نيسان مع رجاء التكرم بعدم دفع شيء للحراس أو مساعديهم. وقد سارع جمهور غفير من السذج إلى برج لندن لمشاهدة الحفلة المزعومة.
وهناك كذبة أخرى اشتهر استخدامها في أول نيسان في بريطانيا وهي أن يبعث أحد الناس بمئتي رسالة إلى مديري دور الأعمال الكبيرة يطلب منهم أن يتصلوا برقم تلفون يحدده في رسائله لأمر مهم جدا ومستعجل، ويحدد موعد الاتصال ما بين الساعة الثامنة والعاشرة من صباح أول نيسان، وتكون النتيجة أن يظل صاحب رقم الهاتف المذكور في شغل شاغل بالرد على مكالمات واستفسارات المديرين طوال يوم أول نيسان وقد ضربت هذه الكذبة الرقم القياسي في استخدام الشعب الإنجليزي لها.
أعلنت جريدة "ايفننج ستار" الإنكليزية آخر يوم في آذار للسنة 1846م أن غداً - أول نيسان – يتمّ تنظيم معرض للحمير في غرفة الزراعة لمدينة "اسلنغتون"، فهرع الناس واحتشدوا لمشاهدة المعرض، وظلوا ينتظرون، فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا جوابا، فعلموا أنهم إنما جاؤوا يعرضون أنفسهم!.
في العام 1957 أعلن برنامج تبثه هيئة الإذاعة البريطانية BBC أن الشتاء المعتدل واختفاء الحشرات التي كانت تفتك بمعكرونة "السباغتي" جعلا المزارعين السويسريين يحظون بموسم استثنائي من "السباغيتي" على الأشجار... الطريف أن الخبر دفع العديد من المستمعين للاتصال والاستفسار عن كيفية زراعة "السباغيتي"!.
في 1988 أذاعت محطة "البي بي سي" أنه، وبتأثير من كوكب جوبيتر، سوف تخف جاذبية الأرض في تمام الساعة 9:45 دقيقة، بحيث أن من يقفز في تلك الدقيقة سيجد نفسه طائرا في الهواء لثوان عدة! وقد تلقت المحطة بعد ذلك اتصالات عديدة من أشخاص أكدوا حدوث ذلك بالفعل معهم.
نشرت شبكة المطاعم السريعة "برغر كينغ" في صحيفة "يو إس إيه توادي" العام 1998 إعلانا في صفحة كاملة، يعلن عن تصنيع "هامبرغر" خاص للذين يستخدمون يدهم اليسرى في تناول الطعام، وقالت الشبكة إنها تلقت آلاف الطلبات على "الهامبرغر" الجديد.
وفي رومانيا أيضاً، وشعبها شغوف جداً بأكاذيب أول نيسان، حدث أن نشرت إحدى الصحف خبرا جاء فيه أن سقف إحدى محطات السكة الحديد في العاصمة هوى على مئات من المسافرين قتل عشرات وأصاب المئات بإصابات خطرة.
وقد سبب هذا الخبر المفزع الذي لم تتحر الصحيفة قبل نشره هرجا وذعرا شديدين، وطالب المسؤولون بمحاكمة رئيس تحرير الصحيفة الذي تدارك الموقف بسرعة وبذكاء، فأصدر ملحقا كذب فيه الخبر وقال في تكذيبه كان يجب على المسؤولين قبل أن يطالبوا بمحاكمتي أن يدققوا في قراءة صدور العدد الذي نشر فيه هذا الخبر، فقد كان في الأول من نيسان، ومذذاك دأبت الجريدة على نشر خبر مماثل في أول نيسان من كل عام.
ورغم الممانعة الشديدة لانتشار هذه الكذبة الموسمية في العالم العربي باعتبارها بدعة غريبة عن القيم والمبادىء الإجتماعية، إلا أنها تشهد ظهوراً كبيراً في البلاد العربية، حيث تكثر الشائعات والأكاذيب التي تمس مختلف جوانب الحياة، وإن كانت هذه الكذبة السنوية تعكس في بعض مضامينها وتفاصيلها حال من التململ واليأس والإحباط التي تكاد تسيطر على المواطن العربي، الذي وجد في هذا اليوم المميز فرصة رائعة للتعبير عن معاناته ومشكلاته التي لا تنتهي.
قد يكون الأول من نيسان من كل عام مجرد فرصة رائعة للسخرية والمقالب والدعابة للهروب من الضغوط النفسية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية، لكن السؤال الذي يطرح في هذه المناسبة متى يتحرر البشر من تقليد الكذب طوال 364 يومياً، ويكتفون بالكذب يوماً واحداً في السنة؟
2014-03-31 23:41:28