في كل شتاء يمرّ علينا تتكرر فصول أزمات كثيرة باتت أسبابها معروفة ومعلقة في معظمها على الأحداث التي تشهدها البلاد بالدرجة الأولى، إضافة إلى أسباب أخرى لا يمكن تعليق مسؤوليتها إلا على الحكومة لكونها ناجمة عن تقصير واتخاذ القرارات غير الصائبة بنظر المعنيين بها ثم التراجع عنها، وإن كانت الحكومة أفلحت في بعض الأحيان بتخفيض سعر الصرف وبالتالي انخفاض الأسعار في الأسواق إلا أن أزمات كثيرة أخرى برزت في الواجهة بقطاعات التجارة والصناعة والمحروقات والكهرباء والنقل، حتى ارتفع عدد الأزمات في 2013 إلى عشر أزمات.

 

 

البنزين والنقل

لم يكن سعر ليتر البنزين يتجاوز رسمياً 55 ليرة لليتر في نهاية الشهر الأول من العام 2013 وفي آذار ارتفع الليتر إلى 65 ليرة، ولم يمض شهران بعد ذلك حتى ارتفع الليتر في أيار إلى 80 ليرة، وحينها صدر قرار محافظة دمشق بتعرفة الركوب لسيارات التكسي (الأجرة) ليتقاضى بموجبها السائق ضعف المبلغ الذي يظهر على شاشة العداد، ولكن وبعد أقل من 4 أشهر فقط وفي بداية الشهر العاشر من العام 2013 استقر سعر ليتر البنزين على 100 ليرة سورية، ليشهد بذلك العام 2013 ثلاثة ارتفاعات على سعر البنزين، في حين لم تتعدل العدادات إثر زيادة سعر البنزين الأخيرة وليحدد بناء عليه السائقون الأجور التي يريدونها، على حين لم تتفق مديرية التجارة الداخلية مع المحافظة بعد على تسعيرة جديدة للعدادات تلزم السائقين بها.

 

والأمر لم يتوقف عند زيادة أسعار البنزين فحسب، بل تعداه لنقص في هذه المادة تزامناً مع ارتفاع أسعارها، وكانت هذه الأزمة تنحسر وتحتد تبعاً للظروف، حيث ظهرت أزمة قبل عيد الفطر بسبب وجود مشكلة لنقل البنزين من حمص لدمشق بسبب مشكلات تقنية في محطة عدرا التي تستقبل هذه الكميات، إلا أن هذه الأزمة سرعان ما تلاشت بعد تفريغ صهاريج النقل القادمة من حمص للبنزين في محطات الوقود ضمن المدينة وخارجها. وعادت الأزمة قبل نهاية العام بأسابيع حيث شهدت بعض محطات الوقود تجمعاً للسيارات مازالت مستمرة مع تفاوت في «العجقة» بين يوم آخر بسبب صعوبة النقل من حمص إلى دمشق، ما حدا بمحطات الوقود الخاصة لرفع التسعيرة من تلقاء نفسها لتصل حسب مزاج أصحابها، واشتدت الأزمة بعد ذلك في الأيام الأخيرة من العام 2013 مع الأحداث التي شهدتها مدينة عدرا وصعوبة دخول وخروج المادة منها وإليها.

 

الغاز

ارتفع سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء خلال النصف الأول من العام الجاري لتصل إلى نحو 2500 ليرة إثر التعديات الإرهابية على معملي غاز دير الزور والجبسة، وتعرض شبكة نقل وتوزيع الغاز الوطنية إلى الاستهداف المتكرر أيضاً، الأمر الذي تسبب في حصول اختناقات في تأمين الغاز داخل محطات التوليد وخروج بعضها عن العمل ريثما يتم الإصلاح. وبسبب قلة المادة وارتفاع سعرها والتي اشتدت في منتصف العام 2013 لجأ المواطنون لتخزين العديد من اسطوانات الغاز. وفي الشهر الخامس من العام 2013 صدر قرار الحكومة السورية برفع سعر أسطوانة الغاز رسمياً إلى 1000 ليرة سورية، ورغم أن أزمة الغاز انفرجت بعد ذلك إلا أن المتاجرة بها لم تختفي تماماً، حيث عمد البعض إلى بيع الأسطوانة بسعر 1500 ليرة مع وجود إشكاليات في وزنها.

 

المازوت

لم يختلف حال المازوت كثيراً عن حال البنزين، حيث ارتفع سعره الرسمي في بداية العام 2013 أيضاً من 20 ليرة ثم 35 ليرة لتستقر في منتصف العام عند سعر 60 ليرة رسمياً، أي بمعدل 3 أضعاف، ومع بداية فصل الشتاء وزيادة الاستهلاك على مادة المازوت طفت على الوجه بوادر أزمة جديدة على هذه المادة مدفوعة بعدة أسباب بدأت من مسلسل المتاجرة بالبيدونات حيث يصطف أصحاب الغالونات أمام محطات الوقود الخاصة التي تعاني من نقص المادة لتزويد وسائط النقل بالمادة بأكثر من ضعف التسعيرة. وتستغل الصهاريج الأزمة لتبيع الليتر بأسعار مضاعفة أيضاً، مع تهافت سكان الريف على محطات المدينة للحصول على هذه المادة، وانتهت بصعوبات في الطريق الواصل بين حمص ومستودعات عدرا، وفي ظل نقص المادة رفعت الكازيات سعر ليتر المازوت تلقائياً ولمستويات تعتمد على مزاج صاحب «الكازية»، ما دفع بعض السائقين على الميكروباصات لرفع الأجرة أيضاً متجاوزين التسعيرة الرسمية المحددة. أضف إلى ذلك لجوء البعض لتزويد المولدات الكهربائية بالمازوت بعد انقطاعات طويلة على التيار الكهربائي زاد من الطلب على المازوت، إلى جانب ذلك الطلب بغرض التدفئة.

 

أسعار ودولار.. وخبز

بمعدل الأربعة والخمسة أضعاف، ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية بين نهاية العام 2013 عما كانت عليه قبل الأزمة، وبالمقارنة بين بداية العام ونهايته، نجد أن الأسعار ارتفعت بمعدل الضعفين ونصف الضعف أو الثلاثة أضعاف، حيث كان سعر لحم الغنم حسب دراسة قامت بها غرفة تجارة دمشق وحصلت عليها «الوطن» يصل إلى 1200 وارتفع في نهاية العام 2013 إلى حدود 2500 ليرة، وارتفع لحم العجل في الفترة ذاتها من 750 إلى 1800 ليرة حالياً، أما الحليب فارتفع من 60 ليرة ووصل إلى 150 ليرة، والأجبان من 450 ليرة إلى 850 ليرة، والزيتون من 100 ليرة إلى 275 ليرة، والزيت النباتي (دوار الشمس) من 160 ليرة في بداية العام 400 ليرة، والسمن النباتي المستورد من 225 إلى 650 ليرة، والبندورة من 50 ليرة إلى 70 ليرة، والخيار من 50 إلى 135 ليرة، والبطاطا من 50 إلى 140 ليرة، والرز القصير من 85 إلى 150 ليرة، والسكر من 85 إلى 120 ليرة، والشاي من 450 إلى 1200 ليرة، والبن من 650 ليرة إلى 1000 ليرة والمعكرونة من 135 إلى 175 وارتفعت كذلك أسعار الأدوات المنزلية بمعدل 4 أو 5 أضعاف من برادات وغسالات، أما سعر الدولار رسمياً فارتفع من 77 ليرة في بداية العام وانتهي بنحو 142 في نهايته. علماً بأن هذه الأرقام التي استقرت عليها أسعار السلع حالياً جاءت بعد انخفاضها بمعدل الضعف عن منتصف العام 2013 إثر إجراءات حكومية متعددة لتخفيض سعر الصرف بعد أن وصل إلى 350 ليرة في نهاية الشهر السابع من العام 2013 ليسبب فوضى في الأسواق ليستقر بنهايته عن 145 ليرة، واللجوء إلى استيراد المواد وفق اتفاقية الخط الائتماني الإيراني وتفعيل دور مؤسسات التدخل الإيجابي وتفعيل سياسة التسعير الإداري رغم بعض التحفظات على هذه السياسات، ويؤكد التجار بأن السبب الحقيقي لانخفاض الأسعار هو انخفاض سعر الصرف لا أكثر بعد سلسلة إجراءات اتخذها البنك المركزي وكان أهمها صدور قانون يمنع التداول بغير الليرة السورية وشن حملة على المضاربين ومكاتب وشركات الصرافة ما أدى إلى إغلاق قسم كبير منها وردع الباقين.

 

ولا ننسى أزمة الخبز الذي دخل إلى السوق السوداء من البوابة العريضة خلال الأزمة واستغلال البعض للطلب على المادة في بعض الأوقات الحرجة وممارسة السمسرة حتى وصل سعر الربطة إلى 100 ليرة وأحياناً أكثر.

 

التجارة

تردت أمور التجارة في العام 2013 مع العقوبات المفروضة على قطاع التجارة وامتناع الكثير من الدول عن فتح اعتمادات لشراء البضائع إلى جانب تذبذب أسعار الصرف وصعوبة نقل البضائع إلى مراكز الاستهلاك، ما أدى إلى انخفاض حركة الصادرات بنسبة 80% حسب هيئة تنمية الصادرات السورية، بينما بقيت المستوردات في حدودها الدنيا بسبب تأثر الحركة التجارية بالأزمة. ولا ننسى قرار ترشيد الاستيراد في منتصف 2013 ليثير معه ضجة أخرى في الأسواق التجارية وذلك بعد أن ضاق ذرع البنك المركزي بالتجار الذين سرقوه جهاراً نهاراً، مستفيدين من الفرق الكبير بين السعر الرسمي للقطع الأجنبي وسعر السوق آنذاك. ولأن ذلك لم ينعكس على أسعار السلع توقف المركزي عن تمويل المستوردات جميعها، واقترحت وزارة الاقتصاد عدة بدائل للتمويل، ثم عاد المركزي ليعلن موافقته على تمويل المواد الأساسية مثل الأغذية والأدوية رغم أن العديد من التجار يؤكدون أنهم لم يحصلوا على التمويل، حيث وعد المركزي حسب ما علمت «الوطن» بـ2 مليون دولار لتمويل المستوردات، ولم تحصل المستوردات إلا على 400 ألف دولار لتمويلها عن طريق المركزي.

 

ثم جاء قرار آخر يمنع التاجر من الحصول على إجازة استيراد ثانية إلى حين تخليص الإجازة الأولى، وهذا الإجراء أيضاً أثار اعتراض بعض التجار الذين اشتكوا من تأخر عمليات شحن المواد وبالتالي فإن الحصول على إجازة استيراد ثانية إلى أن تأتي البضاعة يعني نفاد السوق من السلع في بعض الحالات. وبعد ذلك صدر عن وزارة التجارة الداخلية قرار التسعير الإداري الذي أعاد دور مؤسسات التدخل الإيجابي إلى الأسواق بقوة والعمل على إعادة الكثير من السلع لقائمة التسعير المحددة حكومياً، ثم كان قرار تحديد هوامش الربح لكثير من السلع والمواد الأساسية، وكما هي العادة أثار هذا القرار حفيظة بعض التجار الذين رأوا بأنه سيؤدي لتهريب البضائع ولن يفيد المستهلك، لأن تكاليف التاجر تزيد أضعافاً مضاعفة عما هو محدد في قرار وزارة التجارة الداخلية، وبالتالي فإن تعرض التاجر للعقوبة إن خالف قرار الأرباح المحددة يعني أنه سيتوقف عن الاستيراد وبالتالي شح المواد في السوق، كما أن أساس تحديد التكاليف في هذا القرار يحتاج لوثائق غير متوفرة حالياً لأن جزءاً كبيراً منها يعتبر ضمن التكاليف المستوردة التي لا يمكن للتاجر إثباتها بوثائق.

 

وأخيراً كان قرار إلزام التاجر ببيع 15% من مستورداته لمؤسسات التدخل الإيجابي، ومن هنا يرى رئيس غرفة تجارة دمشق غسان القلاع أن العمل على تفعيل التدخل الايجابي لمؤسسات الدولة وعن طريق الاستيراد المباشر من قبلها أفضل من فرض نسبة 15% لبيعها في هذه المؤسسات، وأن تحديد هوامش الربح أمر غير ضروري في الوقت الحاضر لأن هذه التجربة المكررة أثبتت عدم جدواها في السابق، داعياً إلى ترك السوق للمنافسة الحقيقية، محذراً من أن النهج التجاري المتبع سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار مترافقة مع ندرة بالمواد.

 

الصناعة

تشبه المشاكل التي يتعرض لها القطاع الصناعي الكثير من المشاكل التي تعتري نظيره التجاري، من حيث ارتفاع سعر الصرف ونقص المواد الأولية اللازمة للصناعة بسبب صعوبات الاستيراد والاعتداءات الإرهابية على الكثير من المنشآت الصناعية وتخريبها، ورغم الإعلان عن التعليمات التنفيذية لقرار نقل المنشآت الصناعية إلى المناطق الآمنة إلا أن النتائج لم تفصح إلا عن انتقال عدد قليل من المنشآت إلى المناطق الحرة بسبب المعاناة من فك الآلات وإعادة تركيبها بالدرجة الأولى. كما اعترض عدد من الصناعيين على هذا التعميم لصعوبة تحقيق الشرط المتضمن فك المنشأة في المكان المنقول إليه ثم إعادتها إلى موقعها الأول عند زوال أسباب الانتقال، ويرون أن هذا الشرط وحده ينم عن عدم معرفة بكلفة بناء معمل وزمن تثبيت الآلات، وهو يكفي لنسف فكرة النقل من أساسها ولاسيما بالنسبة للصناعات الكبرى والمهمة، في حين قد تستفيد الصناعات البسيطة من هذا التعميم. وبعد أن ثبت عدم قدرة عدد من الشركات الصناعية عن تسديد قروضها لمصلحة البنوك جاء مشروع القرار الحكومي والذي يقضي بإعادة جدولة القروض والتسهيلات الممنوحة لأصحاب الفعاليات الاقتصادية مع الإعفاء من كامل فوائد التأخير والغرامات غير المسددة، في خطوة اعتبرها الصناعيون بأنها أفضل قرار اتخذ في العام 2013.

 

الكهرباء

مع قدوم فصل الشتاء برزت أزمة الكهرباء جلية في الكثير من المناطق لعدة أسباب أهمها كان بسبب الضغط على الشبكة والاعتداءات الإرهابية على خطوط الغاز المغذية لمحطات توليد كهرباء وخروج عدة محطات توليد من الخدمة، ونقص وقود الفيول اللازم لتشغيل بعض المحطات، ما أدى لانقطاعات تصل إلى أيام متوالية وخاصة في بعض مناطق ريف دمشق، أو ربما داوم الكهرباء لمدة ساعة واحدة في النهار، مع اختلاف ساعات التقنين من منطقة لأخرى حتى باتت الانقطاعات الكهربائية هي الهاجس الأكبر للسوريين حالياً.

 

 

.. وللإنجازات ترفع القبعات

 

 

أصبحت الاستثنائية صفة ملازمة لكل ما هو اقتصادي للعام الثالث على الحرب، شهدنا فيها ما لم يكن بحسباننا يوماً من الأيام، لذا فإن الصمود بحدّ ذاته يعتبر إنجازاً عميقاً في وجه الأزمة التي اتخذت مظهر الشمول كونها فرّخت عشرات الأزمات في شتى المجالات، ولكي نكون صادقين أمام أنفسنا أولاً، ينبغي عند استعراض تلك الأزمات أن نرفع القبعات للإنجازات -ونخص هنا الاقتصادية والخدمية- وعلى رأسها موضوع دعم سعر صرف الليرة ومحاولات دعم تماسكها عند مستوياتها الحالية بين 143 و145 ليرة بعد أن لامست 350 ليرة في وقت من الأوقات وكانت التوقعات تشير إلى 500 ليرة، وأياً كان وراء هذا التخفيض فيستحق أن ترفع له القبعات.

 

ولا ننسى الكهرباء التي رغم غيابها المتكرر والطويل مؤخراً، إلا أننا في ظل ظروف الحرب واستهداف كل ما يرتبط بتأمين الكهرباء للمواطن من واجبنا أن نرفع القبعة لكل مساهم في استمرار عمل شبكتنا وإصلاحها وصيانتها، ولن نستدعي مقارنات تفصيلية لدول قريبة منا لا تزال الكهرباء مفقودة بعد انقضاء الحرب فيها منذ أكثر من 20 عاماً.

 

كذلك ترفع القبعات لإيواء اللاجئين وتعزيز صمودهم، واستمرار العمليات التعليمية في شتى المراحل وإجراء الامتحانات رغم التحديات، واستمرارية العمل الوظيفي ولا ننسى عدم تسجيل حالات تأخير في دفع الرواتب والأجور لكل العاملين في الدولة، وتأمين انسياب المواد الأساسية وخاصة الخبز والمشتقات النفطية.. ونحن هنا نتكلم عن ظروف حرب حقيقية ومقاطعات وعقوبات اقتصادية كان وما زال هدفها كسرنا، وعليها بنى العديد توقعاتهم «بانهيار الدولة اقتصادياً في ستة أشهر» منذ أكثر من عامين، وجاء الواقع اليوم ليدحض كل تلك الأمنيات بعيدة المنال، لذا نرفع القبعات لكل من ساهم في دحض تلك الأمنيات السوداء.

 

دون أن ننسى مبادرات المجتمع الأهلي الصادقة التي سعت لترسيخ مبادئ التعاون والعطاء رغم الحرب ومخاوفها.

Syriadailynews - Alwatan


التعليقات