من يذكر حمص المدينة، لابد له وأن يذكر أربعاءها فقد ارتبطت حمص بيوم الأربعاء، لدرجة وصلت فيه شهرة هذا اليوم إلى كل أقطار الأرض، وارتبط هذا اليوم بخفة ظل أهل حمص، وروحهم المرحة, حيث دُرِّجت عليهم الدعابات والنكت، ولقبوا مرّة بالمجذوبين ((من الجاذبية)) ومرة بالمجاديب ((المختلون عقلياً))، ومما لا شك فيه أن كل شعوب المنطقة تتحدث عن حس الدعابة الموجود لدى أهالي حمص، وعن حبهم للمرح والفرح والسعادة، كما تتحدث عن طيبة الشعب الحمصي، وكرمه حيث عرفت مدينة حمص منذ القديم بأنها مدينة الفقير لاعتدال أسعارها وكرم وشهامة شعبها.
لا توجد رواية تاريخية واضحة عن ارتباط أهل حمص بيوم الأربعاء الذي يعتبره الكثير من شعوب العالم يوم نحس عندهم، إلا أن الحماصنة يعتبرونه عيدهم، والروايات الشعبية تتحدث عن أكثر من حادثة تاريخية غير موثقة ومرتبطة بالأربعاء الحمصي الذي بات يعرف بعيد الحماصنة.
وقد أشارت بعض الروايات إلى أنه في العام 657 م، أتى عامل الخلبفة الأموي معاوية بن سفيان (وكان عمرو بن العاص حاكم سورية وبلاد الشام في تلك الفترة) إلى حمص بقصد تسيير الجنود إلى «صفّين»، حاثّاً أهلها على الإسراع إلى ساحة المعركة، وصادف أن كان يومَ أربعاء، فقال أحد الحماصنة باسم الجميع، بقصد تأجيل المسير يوماً أو يومين: «بإذن الله ننطلق معكم على بركة الله بعد صلاة الجمعة، فنحن نحبُّ هذه الصلاة، وليست لنا رغبة في أن تفوتنا».. فأجابهم عمرو بن العاص فوراً: «نقيمها لكم اليوم الأربعاء بدلاً من الجمعة، فأين الضرر في ذلك؟».. فوافق الحماصنة، بل واستحسنوا الأمر، وأقاموا صلاة الجمعة في الأربعاء، فقيل عندها عن الحماصنة، بأنَّ عيدهم الأسبوعي هو يوم الأربعاء.
رواية أخرى تشير إلى أنَّ الحماصنة استطاعوا، في مشهد تمثيلي حمل الكثير من الذكاء، تجاوز بطش زعيم الجيش المغولي (تيمورلنك) وقوة محاربيه، الذين فتكوا بحلب وأهلها.. وقبل أن يصلوا إلى حمص للهدف ذاته، وجد (تيمورلنك) في استقباله عدداً من أهل حمص، وقد ارتدوا أزياء غريبة، معلِّقين القباقيب على صدورهم، وكانوا يضربون بالأواني، ففوجئ جيش التتار بتهريج الحماصنة، وارتسمت على وجوه عناصره علامات البسمة والدهشة، فترك غزو حمص، لأنَّ ذلك مضيعة للوقت، ومهزلة تاريخية لاتليق بجيشه.. كما تقول رواية أخرى أن الحمامصة (الحماصنة ) لبسوا ثياباً مهترئة, وشقوا أجزاء منها وخرجوا إلى ساحات المدينة حفاة، وقد حلقوا رؤوسهم بطريقة غير منسقة, و بقعوا أوجههم باللون الأحمر على شكل بقع تدل على مرض الجذام فخاف الزعيم المغولي على جيشه من العدوى بهذا المرض المعدي ولم يدخل المدينة. وهذه الرواية أو تلك تدلُّ، بشكل أو بآخر، رغم بساطة أسلوب الدفاع، على الذكاء الموجود عند الحماصنة، وكيفية التخلُّص من قوة الجيش الغازي.
يشير الباحث التاريخي، نهاد سمعان، إلى أنَّ هناك رواية أخرى تقول إنَّ أحد الرهبان، ويدعى «سمعان»، أشاع في حمص طريقة جديدة للتعبُّد؛ وهي نكران الذات، وذلك في العام 550 م، وعرف بالقديس «سمعان المتباله»، أو «الجاهل». وكان هذا القديس محبوباً، لخفّة روحه، حيث قدَّم الكثير من المساعدات للمحتاجين. ويقال: «إنَّ الله عرّفه على يوم مماته، وهو الأربعاء، ولكن سرّه كمصطنع للبلاهة لم يكن يعرفه أحد، إلا شماس كنيسة حمص، الذي كان يخدمه سراً، وكان الصبية والشبان يجتمعون حوله يضحكون لضحكه ويصفِّقون لحركاته ويجارونه ركضاً وعدواً، ويحملونه على الرقص فيرقصون معه، وعندما كان يلمح مريضاً أو معتوهاً بينهم كان بين الضحك واللعب يلمسه فيشفيه»..
وهناك رواية تقول، إنَّ يوم الأربعاء كان عيداً لأحد آلهة الرومان، وكان يحتفل به في منطقة الفرقلس التابعة إلى حمص. وتشترك الروايات جميعها على تميُّز الشعب الحمصي بالذكاء والحنكة منذ قدم السنوات، ويضاف إليه خفة الظل والظرافة التي زادت شهرة حمص بشكل كبير محلياً وعربياً، وحتى عالمياً، فعندما تذكر اسم حمص يتبادر فوراً إلى ذهن الشخص خفة وطرافة أهالي حمص.
ومن أجمل النهفات المرافقة لحديث الأربعاء الحمصي، ما حصل مع نادي الكرامة لكرة القدم الذي قدم في بطولة أسيا للأندية عروضاً كروية مذهلة وحقق انتصارات جميلة منذ عام 2006 وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالبطولة، والتأهُّل إلى بطولة الأندية العالمية ومواجهة فريق برشلونة الإسباني. حيث شاءت الأقدار أن جدول برنامج الاتحاد الآسيوي قد أدرج مباريات فريق الكرامة الحمصي في يوم الأربعاء، وقد حقَّق الفريق انتصارات متتالية في هذا اليوم، وتمكَّن من هزيمة أعتى الفرق الآسيوية والمدجَّجة بالنجوم، وأصبح الأربعاء يشكِّل خوفاً وهاجساً واضحاً ومعلناً لكلِّ الفرق التي عليها مواجهة الكرامة على أرضه وبين جماهيره، حتى إنَّ فريقاً خليجياً قوياً اعترض في إحدى البطولات على إقامة مباراته مع الكرامة في هذا اليوم، وطلب تأجيلها إلى يوم الخميس. وبقي الكرامة سعيداً في كلِّ مبارياته، ما جعل هذا التناغم بين الأربعاء الحمصي الشعبي وفريق الكرامة الرياضي، حديثَ المحطات التلفزيونية العربية وعناوين الصحف والأخبار، منها مثلاً: هل الكرامة في انتظار أربعاء سعيد؟.. هل سيبقى الأربعاء سعيداً للكرامة؟
أخيراً اسأل: هل ستعود الفرحة والسعادة وروح المرح والنكتة إلى هذه المدينة المرحة، وهل سيعود عيدها الأربعائي إلى أحضان وطنه؟
م.ملهم محمد الخالد الدرويش .. (نادي حمص الثقافي الاجتماعي)
Syriadailynews
2013-12-07 23:29:30