لم تكن موائد العيد خارج حسابات الأرقام الاقتصادية والدراسات التي أجراها بعض المحللين الاقتصاديين، لأن ثمة من يطلق مصطلح «اقتصاد العيد» على الفترة التي تسبق حلوله، كونه له مستلزماته وحاجاته التي تدخل في حساب كل أسرة من الأسر، فآخر الأرقام التي كشف عنها المحلل الاقتصادي الدكتور عمار يوسف في تعليقه على مسألة تكلفة مائدة العيد تشير إلى أن تكلفة مائدة العيد المتوازنة خلال هذه الأيام لأسرة يبلغ متوسط عدد أفرادها خمسة أشخاص حوالي 6500 ليرة أي بمعدل 1300 ليرة لكل شخص وللوجبة الواحدة فقط، حسب الدراسة التي أجراها لهذا الخصوص إذ إن موائد العيد لها صفة احتفالية، وقال: لوعدنا 15 عاماً إلى الوراء لوجدنا أن الكثير من الأصناف كانت توضع على مائدة العيد منها اللحوم والحلويات والأصناف الفاخرة من الأطعمة، إلا أن ظروف الأزمة التي تمر فيها البلاد وارتفاع الأسعار وقلة المواد الأولية ساهم إلى حد كبير بتغير العادات الاستهلاكية لدى الأسر السورية.

 

وبحسب صحيفة "تشرين" شهدت الأسواق خلال الأسبوع الذي سبق حلول عيد الأضحى انخفاضاً واضحاً في الإقبال على مستلزمات موائد العيد بسبب تكاليفها الباهظة، فارتفاع الأسعار دفع ما يقارب 75% من العائلات إلى الاعتماد على أصناف تقليدية من المأكولات والمشروبات المصنعة منزلياً بتكاليف أقل بكثير من الأصناف الجاهزة الأخرى، ولاسيما أن تكلفة المائدة لعائلة متوسط عدد أفرادها خمسة أشخاص ارتفعت بنسبة تجاوزت 70% عن تكلفتها ما قبل الأزمة.

 

فالأسواق في الأيام التي سبقت حلول عيد الأضحى كانت حافلة بأنواع مميزة من الحلويات والأطعمة والمكسرات والحلوى المغلفة، ولكنها ليست بالوفرة المعتادة، فقلة العرض وغياب التنافس من حيث جودة الأصناف المعروضة جعلا أسعارها مرتفعة، ناهيك بارتفاع أسعار المواد الأولية التي تدخل في صناعتها، فظهر نوع من التخوف لدى الباعة من كساد سلعهم على الرغم من قلتها، كما وصف أحد باعة الحلوى المغلفة بقوله: إن حال السوق لم يعد كما في السابق، فالقليل من الناس يبدي اهتمامه بموائد العيد، وهذا ظهر واضحاً في أول عيد صادف في العام الثاني من الأزمة، بسبب تذبذب الأسعار نتيجة عدم استقرار سعر الصرف من جهة، ومن جهة أخرى إغلاق العديد من الورش المصنعة لها والاقتصار على أنواع محددة، فلم تعد هناك تنافسية وبات الناس غير قادرين على شراء الكميات التي كانوا يشترونها من قبل.

 

وكانت مائدة العيد أحد المتطلبات الأساسية التي كانت تسعى الأسرة السورية إلى تحضيرها قبل حلول الأعياد، لكن اليوم ونتيجة المنعكسات الاقتصادية السلبية للأزمة التي يأتي في مقدمتها ارتفاع الأسعار، تكاد قلة من الناس تفكر بتحضيرها أو تهتم لها نظراً لتكاليفها الباهظة، فالأصناف المتنوعة من المعمول والبرازق والعصير والمبرومة وغيرها بعد أن كانت توضع في صالونات المنازل لتقديمها للضيوف تحت مسمى حلويات العيد، أصبحت اليوم تقتصر على صنف واحد أو اثنين من الأصناف البسيطة والأقل سعراً، حتى إنها مهددة بالاختفاء عن موائد ذوي الدخل المحدود فيما لو استمرت الظروف على حالها، كما أن الأثرياء لن يقوموا بتوزيعها لأنها أصبحت من الكماليات على موائدهم، وهذا الشعور كان مسيطراً على حديث أم محمود، وهي أم لأربعة أولاد قالت: إن الأعياد أصبحت كالأيام العادية، فارتفاع الأسعار جعلنا نحجم عن شراء الكثير من متطلبات العيد، وأولها الحلويات والأطعمة المعتاد تقديمها أثناء المعايدات للزوار والأهل والأقارب، وأصبحنا نرشد استهلاكها، لذلك اقتصرت مائدة العيد الخاصة بنا على صنفين من الحلويات، الاول تم صنع 3 كيلو غرامات من المعمول العادي في المنزل وكلف حوالي 1000 ليرة، والثاني تم شراؤه من أحد المحلات الرخيصة بمبلغ 1500 ليرة وهو عبارة عن كيلو ونصف من الحلوى المغلفة، كالسكاكر والشوكولا، وغيرها، أما بالنسبة للفاكهة فقد اقتصر الأمر على شراء 4 كيلو غرامات من البرتقال كونه الصنف الأرخص بمبلغ 400 ليرة، وبقية الأصناف التي اعتدنا تقديمها على مائدة العيد ما قبل الأزمة كاللحوم والفروج والأسماك، فلم تعد لدينا القدرة على تحمل تكاليفها، فهناك ما يسد النقص عبر أصناف أخرى أرخص ثمناً وجودة كالخضراوات. وعلى الرغم من أن بعض العائلات لم تساعدهم مقدرتهم المالية وتراجع قوتهم الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار على تحضير موائد العيد الفاخرة، فإن عائلات أخرى اعتادت على شراء أصناف متنوعة من الأطعمة، وعلى سبيل المثال أبو خالد، يقول: إن أيام العيد مميزة، ولابد من أن يكون كل شيء مختلفاً عن الأيام العادية، ومنها مائدة العيد، وهو تقليد متعارف عليه لدى العائلات السورية، ولكن الظروف الراهنة وارتفاع تكاليف المائدة دفع الكثير من العائلات إلى عدم الاهتمام كذي قبل.

التعليقات