في ظل هذه الأحداث الدامية في سوريا ما يزال السؤال جوابه مجهولاً حول مصير الدراما السورية ومدى قدرتها وقوتها على الإنتاج ومواكبة كل المواسم الدرامية بعد هذه الأزمة التي تشهدها الدراما السورية في كل الأوقات خاصة النكسة التي مرت بها في الموسم الماضي والتي شهدت انخفاضاً حاداً في انتاجها. لذلك سيكون هذا الموسم الأسوأ لها على الإطلاق وسط ضبابية المشهد السياسي.

 

لم تشهد الدراما السورية منذ انطلاقها أزمة مماثلة لتلك التي تمر بها هذه الأيام....

 

ومع انطلاق التحضيرات للموسم الرمضاني المقبل يثار سؤال عن مدى امكانية تواجد الدراما السورية فيه وبالعودة الى المعطيات الأولية لا يبدو أنها ستغيب عنه وذلك من خلال التحد الواضح للأوضاع الراهنة في البلاد. وفي رصد للإنتاج السوري لهذا العام ، نستطيع أن نجد أن في جعبة الدراما السورية لغاية اليوم 10 أعمال بوشر في تصويرها فعليا، 4 منها تدور في اطار الدراما الاجتماعية و2 في اطار كوميدي. أما بقية الأعمال فتنتمي إلى البيئة الشامية، علما بأن هذا العدد بصدد الارتفاع خلال الفترة المقبلة في ظل تصوير بعض الأعمال في لبنان .

 

 

ان معظم العاملين في صناعة الدراما يتنبؤون بموسم بطالة جديد قد بدأت تظهر علاماته بوضوح جدا. أولا بدأت بالظهور في أحد المقاهي الدمشقية حيث تم رصد عدداً كبيراً من الممثلين والفنانين صنّاع هذه الدراما الذين يقضون معظم أوقاتهم مترقبين مصير الصناعة الأكثر رواجا التي ارتهنت بمعظمها لرأس المال وسوق العرض الخليجيين فتحكمت الظروف السياسية في فرص الانتاج والتسويق. لكن ما الأسباب التي جعلت الوسط الفني السوري يدخل في حالة ترقّب طويلة رغم أن بعض شركات الإنتاج كانت تعلن سابقا مشاريعها وأعمالها المقبلة قبل نهاية شهر رمضان؟

 

هل ساهمت الظروف السياسية الراهنة ووقوف عدد كبير من نجوم الدراما السورية الى جانب النظام أو الى جانب الثوار في مقاطعة المحطات للدراما السورية؟ ولكن ما الحل لانقاذ الموقف وإعادة احياء صناع الدراما في مواقع التصوير التي طالت مغادرتهم لها؟

 

أسئلة كثيرة تم طرحها على أكثر من شركة انتاج سورية خاصة لتعود بإجابات متشابهة كثيرا: " سوريا بألف خير ". "سندخل ونباشر التصوير في أقرب وقت ممكن، لكن لا نستطيع الإفصاح عن أي تفصيل الآن. علما أننا بغاية الحذر والترقب من مقاطعة المحطات لأعمالنا كلها، لكن قام أحد أهم الفنيين الذين عملوا في الدراما السورية بنفي هذه المعلومة وأكد أنها مجرد شائعات لتشويه الفن ....

 

بعد أن طلب بالتحفظ عن ذكر اسمه يقول:" إن قصة المقاطعة لأسباب سياسية هي كذبة قام بترويجها بعض القائمين على صناعة المسلسلات السورية، وعن حقيقة ما يحصل في البلاد حالياً وسبب تأخر دوران عجلة الدراما. يضيف قائلا:" ان الدراما السورية تواجه صعوبة كبيرة جدا في التسويق منذ ثلاث سنوات وذلك نتيجة تراجع مستوى هذه المسلسلات وتكرارها للأفكار نفسها وتقليد بعضها بعضا على نحو عشوائي. بالإضافة إلى دخولِ بعض المنتجين في قائمة رخيصة لبيع أعمالهم الرديئة بسعر زهيد لمحطات متنوعة. ما قد يؤذي ويضع في خطر بقية الأعمال المشغولة بحرفية ودقة وشروط ممتازة.

 

ومن ناحية أخرى يقول مدير المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني المخرج فراس دهني :"هناك حالة انتظار وترقب لدى مجموعة كبيرة من المنتجين الذين كانوا يتسلمون زمام المبادرة خلال السنوات الماضية. وهي للأسف امتدت أكثر من السنوات السابقة بسبب الأوضاع السياسية المتردية. بالاضافة إلى ضعف في التسويق. أما السبب الثاني هو أخطر بكثير على اعتبار أن ضعف التسويق يلغي وجود هذا المنتج"

 

ومن هنا يأتي تخطيط القطاع العام الحكومي ليملأ فراغ هذا الترقب عبر أعمال عديدة نذكر منها "أنت هنا" لعلي ديوب وشادي دويعر و"المفتاح" لهشام شربتجي و خالد خليفة. أما "المصابيح الزرق" والذي يحمل طابعا وطنيا مقتبسا عن رواية حنا مينة بالعنوان ذاته يبدأ تصويره بعد تغيير بسيط في فريق العمل الذي اختير قبلا. هذا بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الأفلام التلفزيونية القصيرة. نذكر منها على سبيل المثال "نخاع" لوسيم السيد وعلي وجيه. يضيف المخرج فراس دهني:" لا أستطيع التفرغ لحالة المخرج الحر وذلك نظرا لحجم العمل الكبير لكن رهاني على انتاجات المؤسسة مهمة في هذا الموسم بالإضافة إلى شراكاتنا مع القطاع الخاص التي يفترض أن تبدأ فعليا في المستقبل القريب، وعلى أمل أن يعيد هذا التعاون إلى الدراما السورية لينتشلها من حالة الركود والانتظار التي دخلتها حاليا. كما انه من المطلوب إنشاء فضائيات سورية وذلك لتحرير الصناعة السورية من تحكم سوق الفضائيات العربية فكفى انتظارا وترقبا لأن يشتري الغير أعمالنا المطلوبة جماهيريا والمشغولة بحرفية عالية تجسد آمال وطموحات كتابها. يتوجب علينا تحديد موقفنا كصناع دراما السورية من هذه الأزمات التي تجتاح كل العالم العربي. لا يمكننا أن نقدم عملا اجتماعيا معاصرا دون أخذ موقف من الأزمة، لأن العمل سيكون سطحياً على نحو غير مبرر.

 

يبدو أن الدراما السورية تطالب اليوم بتقديم واقعها الجديد الذي تكوّن نتيجة الظروف السياسية الطارئة في البلاد، لكن يؤكد برقاوي أنّ كتّاب الدراما السورية يحاولون اليوم طرح واقع بعيد عن الأزمة. وهذا لن ينطلي على المشاهد التي تتطلب الصدقية والشفافية لأنه سيكشف على الفور أن هذه الأعمال تبغي الهروب والابتعاد من الواقع الجديد.

 

يرجّح المراقبون بأن تكون الدراما السورية الأسوأ لها في هذا الموسم من حيث عدد الأعمال المنتجة حيث قامت بعض الشركات بإنجاز أعمالها مع محطات خليجية أو بمفردها. فأعلنت شركة " كلاكيت" بأنها على استعداد لبدأ التصوير لمسلسل جديد سيعرض على قناة أبو ظبي. من جهة أخرى صرح المنتج عماد ضحية أن شركته ستنطلق بعمل اجتماعي وهي بصدد إنجاز نسبة كبيرة من المسلسلات.

 

كيف سيجازف منتج بخوض مسلسل أو عمل لا أسماء بياعة له كثيرا. وكيف سيقبل أي مخرج بتدوير عدسته لشبابٍ هواةٍ فقط ويضع نفسه على محكِ اختبار صعب جدا بالنسبة له ولهم وللعمل برمته مع مضي الوقت وعدم توفر الفرص الكافية أو المزاج الهادئ من أجل ملاحقة مواهب الشباب المعتمدة عليها بشكل كلي وفعلي والتفرج والانتظار من بلدان بعيدة على مستقبل سوريا ليعودوا بعد انتهاء الأزمة بأقل خسائر ممكنة وأقل شعور بآلام أبناء وطنهم الذين أعطوهم صفة النجومية بحبهم وتمسكهم بهم وبفنهم. وأخيرا يبقى مصير تلك النجومية بعيون أبناء البلد مجهول بعد اجتياز أزمتهم !

التعليقات