تعاني بلدة كفربهم والقرى المجاورة لها في ريف حماة من واقع بيئي خطير ناتج عن المعامل الثلاثة لشركة اسمنت حماة، والتي تلقي بسمومها وغبارها في أجواء البلدة، وتحوّل ليلها ونهارها إلى كابوس يؤرق الأهالي، وهذا ما يؤكده ازدياد الحالات المرضية بالسرطان التي تخطت الـ 150 حالة!

تعطّل الفلاتر 

مصادر مطلعة كشفت أن المعامل الثلاثة، نتيجة تعطّل نظام الفلاتر القماشية، باتت تلقي أكثر من 24 طناً من الغبار يومياً في سماء بلدة كفربهم والقرى المجاورة، وحوّلت آلاف الدونمات الزراعية إلى مستنقع مليء بالغبار وهباب ثاني أكسيد الكربون، وخلال زيارة ميدانية لـ “البعث” لرصد هذا الواقع البيئي المؤلم، كان التلوث بادياً على مساحات شاسعة وسط غياب أية إجراءات للحد من أخطاره على صحة الأهالي والتربة الزراعية!.

سوء التنظيم والإدارة!

قيصر سمعان، رئيس مجلس بلدية كفربهم، أكد أن مجلس البلدة حريص كل الحرص على استمرارية العمل في “اسمنت حماة”، فهو مؤسسة اقتصادية منتجة ورابحة، ولكن لا يعني ذلك أن تلحق الضرر بالمناطق المأهولة، أو بالتربة الزراعية التي لم تعد صالحة للزراعة، وأرجع سمعان السبب إلى سوء التنظيم والإدارة لجهة التعثر في معالجة الانبعاث الكثيف للغبار الناتج من المعامل الذي يتسبب بأمراض خطيرة ومنها السرطان، ودعا شركة الاسمنت لإيجاد حلول فورية من خلال تبديل الفلاتر القماشية، وإطلاق حمالات لزراعة الأشجار حول معمل الاسمنت، مبدياً جاهزية البلدية للتعاون مع الشركة عبر تأمين اليد العاملة، والتنسيق والتعاون مع وزارة الزراعة فيما يتعلق بتأمين الغراس، ووضع الخطة المبرمجة لزراعة آلاف الغراس المتنوعة التي ستساهم عندما تكبر في تنقية البيئة، والتقليل من آثار التلوث الذي لم يعد يحتمل!.

الأمر على حاله!

وبيّن رئيس مجلس البلدة أن تأثير المعمل ليس فقط في الغبار والأبخرة، بل أيضاً هناك تأثر آخر ناتج عن الآليات الثقيلة العائدة للشركة التي تنقل البازلت من جنوب البلدة، وتمر عبر شوارعها، والتي تلقي ببعض حمولاتها الترابية داخل البلدة، وتؤثر بشكل سلبي على الطرق، وهنا من المفروض – حسب قوله – أن تجد الشركة طريقاً خاصاً بها، مع ضرورة تطبيق الشروط الفنية للشاحنات الناقلة كإلزامها بوضع الشوادر، مشيراً إلى أنه بالرغم من مطالبات المجلس المتكررة السابقة والحالية، لكن جميعها باءت بالفشل، وبقي الأمر كما هو، وتساءل سمعان: إلى متى ستبقى هذه المعاناة اليومية معلّقة دون إيجاد الحلول المناسبة لها؟!

بدوره، أشار نائب رئيس مجلس البلدة مخلص حنتوش إلى وجود تقصير وإهمال يتجليان بعدم تشغيل الفلاتر القماشية بحجة أنها معطّلة التي تسببت بأضرار صحية وبيئية خطيرة، وحمّل المسؤولية للمعنيين في الشركة المسؤولة، وتقصير اللجان البيئية التابعة لمديرية البيئة بعدم ضبط معامل الاسمنت، وإلزامها بتشغيل الفلاتر القماشية .

مسلسل الغبار المستمر!

وحول الآثار الصحية، والأضرار التي يتركها التلوث على صحة الأهالي، بيّن الطبيب نزار نصار (اختصاصي أشعة)، أنه يوجد في البلدة أكثر من 150 مريضاً بالسرطان، وجميع الحالات سببها التلوث الذي يخيّم على أجواء البلدة جراء غبار المعامل، مشيراً إلى أن المرضى يعالجون على حساب وزارة الصحة، وهو ما يكلّفها مليارات الليرات، عدا عن خسارة أرواح الناس عبر مسلسل الغبار الذي تطلقه، وبرأيه هذه الخسارة تعادل أكثر ما يربحه المعمل، كاشفاً أن الكثير من أهالي البلدة بدؤوا يفكرون بالهجرة هرباً من الأمراض والأوبئة التي تنتجها المعامل، حيث أصبح غبارها كابوساً يجثم على صدور الأهالي، والمؤلم أن الكثير من فلاحي البلدة هجروا زراعة القمح بسبب التأثير الكبير للغبار والملوثات على محاصيلهم .

الشركة تنتظر؟

معاناة الأهالي وضعناها على طاولة مدير عام الشركة السورية لصناعة الاسمنت ومواد البناء في حماة، المهندس الطيب يونس، الذي أوضح في تصريح لـ “البعث” أن الشركة مع الصحة والسلامة العامة لأهالي البلدة والقرى المجاورة لها، بما في ذلك المزروعات وحتى الحيوانات، وهي تبذل جهوداً كبيرة لجهة تخفيف آثار الغازات والغبار المنبعث، لكن انقطاع التيار الكهربائي هو الذي يوقف الفلاتر عن العمل، ما يؤدي، حسب قوله، إلى عدم استقرار عمل الفلاتر المسؤولة عن تصفية الانبعاثات الغبارية المنطلقة من مادة الاسمنت، والتي لا يوجد فيها So2 غاز “الكبريت”.

تم إدراجه

وبيّن مدير الشركة أن مشروع الفلترة القماشية تم إدراجه في الخطة الاستثمارية منذ عام 2021، وتم الإعلان عنه لأكثر من أربع مرات، لكن الإعلان فشل لعدم تقدم عارضين على المشروع، وأضاف: نظراً لحساسية الموضوع بالنسبة للشركة والقرى المجاورة، وحفاظاً على سلامة البيئة والجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، تم إدراج المشروع من جديد في الخطة الاستثمارية لعام 2022، وحالياً المشروع قيد الإعلان والإغلاق بتاريخ الثالث عشر من الشهر الجاري، بانتظار تقدم العارضين، لافتاً إلى أن العمل جار على أكثر من جهة من أجل تأمين المشروع، حيث تم مؤخراً عقد اجتماع مع شركة إيرانية برعاية وزارة الصناعة مع المعنيين لبحث إمكانية تطوير أداء الفلتر الحالي، بحيث يصبح مطابقاً للمواصفات الفنية القياسية العالمية.

يذكر أن أحد المعامل الاسمنتية لا يبعد أكثر من عشرة أمتار عن البيوت السكنية، ولكم أن تتخيلوا الواقع البيئي الذي لم يعد يطاق، على حد قول الأهالي، فهل من حلول قريبة لمعالجة الانبعاثات؟!.

 

 

سيرياديلي نيوز


التعليقات