بكل أريحية يمكن القول: إن عام 2020 كان عام الطوابير، والسوق السوداء، وانفلات الفساد، ومع الأسف لا مقدمات تشير إلى عدم استمرار هذا الواقع البائس بتداعياته وسلبياته على الغالبية المسحوقة.

فقد تزايدت خلال العام الماضي كثرة الطوابير والازدحام فيها، كما تنوعت هذه الطوابير، كذلك فقد ارتفعت وتيرة الاستغلال من خلال شبكات السوق السوداء العاملة بشكل خاص على المواد المدعومة افتراضاً.
مواد أساسية

تفاقمت أزمة الخبز وتزايدت معها مشكلة الطوابير أمام المخابز، ولم تؤدّ لا البطاقة الذكية، ولا الإجراءات الرسمية الأكثر ذكاءً إلى حلها، بل على العكس من ذلك كان لهذه الإجراءات تداعيات سلبية إضافية أتاحت الفرصة أمام شبكات السوق السوداء لتستشرس على المواطنين واحتياجاتهم من رغيف الخبز، فتخفيض الدعم الذي جرى فرضه، وخاصة ناحية الكم المتاح لكل أسرة كسقف للاستهلاك اليومي كان بوابة جديدة لتزيد من خلالها شبكات الفساد والسوق السوداء من استغلالها، وكل ذلك على علم ودراية المعنيين، ومكابرتهم وإصرارهم على عدم حل هذه المشكلة حتى تاريخه.

وكذلك تزايدت طوابير الرز والسكر أمام صالات السورية للتجارة، حيث لم تنفع البطاقة الذكية ورسائلها على مستوى الحد من الازدحام أمام هذه الصالات، بل زادت بفعل إخراج بعض الصالات عن الخدمة بقرار إداري غير معلن رسمياً، لتقتصر عملية التوزيع على بعض الصالات فقط لا غير، وهذا طبعاً مدرك ومعروف من قبل المعنيين بهذا الشأن أيضاً، وإن لم يكن كذلك فقد شوهدت نتائجه بالواقع العملي.

الاستغلال بالمواد والسلع الأساسية لم يقف عند حدود ما يطلق عليه مواد مدعومة، فالكثير من السلع، وخاصة الغذائية، كانت بوابة استغلال كبير أيضاً، على الرغم من عدم وجود سوق سوداء لها.
طوابير مستجدة

لم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد شهدت طوابير تسديد بعض الفواتير المزيد من الازدحام، مثل: طوابير الهاتف والكهرباء والماء، أما كيف ولماذا؟ فهذا ما لم يتم إدراكه من قبل المواطنين، باستثناء ما يقال بأن المشكلة في بعض الأحيان كانت مرتبطة بشبكة الإنترنت والكهرباء!

وكذلك الطوابير من أجل فتح الحسابات في المصارف من أجل استكمال عمليات البيع والشراء للبيوت والسيارات، حيث شهدت المصارف الحكومية - وما زالت- مزيداً من الازدحام لهذه الغاية، وما يزيد الطين بلة بهذا الصدد أن لكل مصرف من المصارف تعليماته الخاصة بما يتعلق بآليات فتح الحسابات، والمبلغ المطلوب لهذه الغاية.
محروقات

طوابير السيارات أمام الكازيات كان لها حصة محترمة من أزمات الطوابير المسجلة خلال العام الماضي، فأزمة المحروقات والمشتقات النفطية فرضت حيزها الوجودي على الكازيات، فقد طالت بعض طوابير السيارات لتصل إلى الكيلومترات، مع ساعات طويلة من الانتظار، سواء من أجل البنزين أو من أجل المازوت، وطبعاً كان ذلك فرصة لتغوّل السوق السوداء، حيث تزايدت معدلات ومستويات الاستغلال والفساد تحت ضغط الحاجة والضرورة، وتضاعف سعر ليتر هذه المشتقات عدة أضعاف عن سعرها الرسمي، ولم يتبين لدى أولي الأمر والمسؤولين من أين يتم تأمين هذه المشتقات عبر هذه السوق السوداء!

مازوت التدفئة لم يخرج عن حيز عوامل الفساد والاستغلال، فمع عدم الالتزام بمواعيد تسليم الدفعات المستحقة للمواطنين بحسب الكميات المخصصة لكل أسرة، وفي ظل عدم توفر وسائل تدفئة أخرى، كان للسوق السوداء- والقائمين عليها- دور استغلالي قديم جديد، فكما كل عام تزايدت معدلات استغلال الحاجة للدفء، حتى وصل سعر ليتر المازوت في السوق السوداء إلى أكثر من 1000 ليرة.
سلع كانت مفاجئة

الأزمات المتتالية، وخاصة المفتعلة على بعض السلع غير المتوقعة، كان لها حيزها من الاستغلال هي الأخرى، ولعل مثال ما جرى مع الدخان الوطني دليل فاقع عما يمكن تسميته أزمة مفتعلة، كانت من خلفها شبكة فساد وسوق سوداء متحكمة، حيث وصل سعر علبة الدخان الحمراء الطويلة إلى 1500 ليرة بين ليلة وضحاها، ثم وبعد عدة أشهر من هذه الحال تراجع السعر إلى 1000 ليرة.
العام الحالي لن يكون أفضل

لا يمكن اعتبار ما جرى ويجري على أنه حالة استثنائية مع تعدد أمثلة الطوابير والأزمات والفساد والسوق السوداء والاستغلال، فاستمرار هذه الأزمات وتفاقمها هو دليل على عمق الترابط بين كبار الفاسدين مع القائمين على السوق السوداء والمستغلين، بتنوع شبكاتهم والمواد التي يتحكمون بها، على حساب المحتاجين من المواطنين استغلالاً للحاجة، واستنزافاً للجيوب.

أما ما يمكن التوقف عنده فهو أن كل المؤشرات تقول: ألّا جديد حكومي رسمي بصدد حل هذه الأزمات، أو بما يخص وضع حد لشبكات الفساد والاستغلال، ما يعني أن هذا العام لن يكون أفضل مما سبقه، بل ربما يكون أكثر سوءاً أيضاً.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات