لا يمر يوم واحد دون إعلان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية عن “ضبط” منتجات ومواد غذائية منتهية الصلاحية أو مغشوشة. وبالفعل فقد شهدت تجارة تلك المواد انتعاشاً كبيراً، لأسباب يعزوها الخبراء إلى تصاعد معدلات الفقر، وازدياد الفساد والرشاوى للجهات الرقابية، فالمعلبات والألبان والأجبان وغيرها من المنتجات الغذائية وغير الغذائية التي لا تحمل علامات تجارية محددة، تجد طريقها إلى بيوت شرائح واسعة من السوريين، بأسعارها المنخفضة وجودتها المعدومة، والتي لا تخضع بالتالي لأي رقابة صحية.

وتتركز أماكن بيع تلك المنتجات على “البسطات” (نقاط محددة على الرصيف أو في بعض شوارع الأحياء الشعبية)، وبدأت تتسع مؤخراً لتباع في المحلات الموجودة في مختلف الأسواق الشعبية، حيث يمكن أن تجد تلك البضائع بكل سهولة وهي تباع بصورة علنية.

يقول ثائر ” 40عاماً ” مقيم في ريف دمشق،“نحاول تجنب شراء المواد الغذائية، ولكن المنظفات وغيرها هي أرخص بنحو 50% عن المواد التي تباع في المحلات والمولات، وخصوصاً مع تراجع القوة الشرائية للمواطن، بسبب تدهور قيمة الليرة السورية.

وكان لـ فاطمة (مدرّسة) رأي مختلف حول الموضوع، حيث قالت “وكأن الفقر وغلاء الأسعار لا يكفي السوريين الذين يعيشون داخل البلاد، ليواجهوا مشكلة السلع الغذائية الفاسدة، والتي باتت تنتشر في أسواقنا مهددة حياة وصحة أولادنا”.

وتتحدث المرأة الثلاثينية عن عثورها أكثر من مرة على مواد غذائية منتهية الصلاحية في البقالات والمحال داخل بلدة جديدة عرطوز بريف دمشق حيث تقطن، وعن رفضها القاطع شراء تلك المواد “رغم أنها أحياناً أقل سعراً من غيرها”.

السبب الرئيسي …

تعلن الحكومة أنها تواصل ملاحقة التجار الذين يبيعون تلك البضائع، وقد أعلنت، أخيراً، أنها صادرت أطنان من المواد الغذائية المغشوشة، ومعملاً لصناعة الألبان والأجبان يحتوي على مواد منتهية الصلاحية، كما ضبطت معمل لتصنيع دبس البندورة والفليفلة، ومنتجات كحولية منتهية الصلاحية، وحتى اللحوم والزعتر لم تسلم هي الأخرى من الغش .

ومع ذلك، تستمر تلك البضائع والمواد الغذائية بغزو الأسواق السورية، ليقع الكثير من السوريين ضحيتها في حالات تسمم ومرض وإصابة بالعديد من الأمراض والأوبئة، فهذه البضائع يمكن أن تكون ذات آثار صحية خطيرة كأمراض المعدة وحتى التيفوئيد.

ويشير مدير مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق، عدي الشبلي، إلى أن السبب الأساسي في انتشار هذه الظاهرة هو انتقال التصنيع من المعامل الكبيرة إلى ورش صغيرة تقام في الأحياء السكنية أو أقبية الأبنية، وهذا ما يجعلها بعيدة عن الرقابة الحكومية، لافتاً إلى أن السبب الآخر لرواج مثل هذه البضائع في الأسواق والمحال التجارية هو ما يجري إدخاله من بضائع مختلفة بطرق غير شرعية عبر الحدود المفتوحة بين سورية وعدد من الدول المجاورة.

مؤكداً وجود حالات غش وتزوير عديدة ومختلفة قامت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بضبطها من قبل مراقبيها الذين يجولون في الأسواق، ويسحبون عينات من المنتجات ويحللونها، أو يستندون الى شكاوى المواطنين.

التاجر والمهرب …

يستغل التجار والمهربون المتعاونون مع عناصر الحدود، فقر المواطنين وعجزهم عن شراء المواد غالية الثمن، ولجوئهم إلى مثل هذه المواد التي غالباً ما تكون رخيصة، ويلقي القائمون في مديرية الجمارك، مسؤولية وصول هذه البضائع على بعض التجار الذين يأتون بالبضائع من تركيا ويدخلونها عن طريق التهريب.

حيث أشار مصدر مسؤول من الجمارك في تصريحه  إلى أنه لا يمكن للجمارك أن تتدخل في مصادرة هذه البضائع وفق القانون، مضيفاً “لا يمكن لنا أن نتدخل إلا في حالة واحدة، وهي تقديم شكوى عن وجود بضائع تركية تباع في محل كذا، وهذا لم يحدث أبداً، لأن جميع عمليات البيع والشراء تجري بشكل سري”.

ويبين المسؤول الجمركي أن البضائع الأجنبية تصل من حلب وحمص وحماة إلى دمشق ودرعا، حيث تنتشر بشكل لافت في الأسواق السورية، بينما يشرف على تلك العمليات تجار سوريون يعملون في مجال بيع وشراء المواد الغذائية والألبسة وغيرها .

“بالمال نعمل ونبيع”

بالمقابل، يؤكد أحد العاملين في مجال بيع المواد الغذائية في منطقة البرامكة أنه يتم تأمين البضائع من خلال العديد من التجار، حيث يتواجد لديهم العديد من الأصناف والنخب؛ الأول والثاني والثالث، ويتم بيع الصنف الثالث لنا بسعر رخيص جداً خوفاً من انتهاء صلاحيتها، لذلك هي رخيصة جداً، لافتاً أن صاحب البسطة يستطيع بيع أي شيء مقابل بضع ليرات تقدم للمراقبين أو غيرهم من مسؤولين عن المنطقة.

وحول كيفية تغيير تاريخ التصنيع، يوضح الشاب ذو الـ20 عاماً “تقوم بوضع لاصقة جديدة، مبرراً ذلك أنه من المتعارف لأي منتج غذائي أو دوائي أنه يُعطى شهرين أو ثلاثة زيادة على المدة المدونة على المنتج، لذلك لا خوف من تناول أو شرب ما نبيعه، وأكبر دليل على ذلك أن 60% من السوريين يشترون اليوم الجبنة والقهوة والبسكويت والعصائر من البسطات!

ويصعب التحقق من مصدر هذه البضائع الفاسدة ومنتهية الصلاحية، أو من أين يتم استيرادها بشكل دقيق، والكيفية التي تدخل بها إلى الأسواق السورية، كما لا يمكن الحديث عن مسؤولية الحكومة السورية واضطلاع مسؤولين فيها بصفقات إدخال مواد فاسدة للأسواق، إلا أن احتمال ذلك يبقى قائماً في بلد يتغلغل الفساد في كافة مفاصله.

الفقر وضعف الرقابة..

“الفقر الشديد الذي سجل “معدلات تاريخية” هو أحد أهم أسباب انتشار تجارة المواد المنتهية الصلاحية والتي تباع بأسعار مغرية جداً للفقراء”، وفق ما يؤكده الباحث الاقتصادي عامر شهدا لافتاً إلى وجود أسباب أخرى تقف وراء انتشار تلك الظاهرة الخطيرة، وتتمثل في “نقص عرض المنتجات بسبب التدمير الهائل الذي لحق بالشركات والمعامل والورش الصغيرة في الأرياف السورية، وخصوصاً ريفي دمشق وحلب، مما اضطرها للإغلاق المؤقت أو الدائم، ويبدو أن تلك المنتجات تساعد في سد فجوة العرض الموجودة، وخصوصاً في ظل تراجع الرقابة”.

ولذلك يرى شهدا، أن التركيز في الوقت الحالي يجب أن يكون على المواصفات وتاريخ الصلاحية لتتوفر في الأسواق بضائع مضمونة للاستهلاك، “فسوريا كانت ولسنوات طويلة من الدول التي لديها ضوابط صحية متشددة، لكن في الظروف الحالية ومع الحدود المفتوحة لم يعد بالإمكان ضبط ما يتدفق إليها من بضائع”.

وتلعب المحسوبيات المنتشرة في جهاز الرقابة التمويني دوراً في استمرار هذه الظاهرة، رغم آلاف الضبوطات التي تنظم شهرياً، والتي لا يبدو حتى اليوم بأنها تساهم في وضع حد لاستمرار بيع هذه البضائع، حيث يظهر بأن كثيراً من كبار التجار وأصحاب المحال باتوا قادرين على التهرب من تلك الرقابة بدفع رشى تساهم في غض البصر عن ممارساتهم المخالفة للقانون.

ومما لا شك فيه بأن السوريين في داخل البلاد اليوم باتوا تحت رحمة تجار الحرب والمتنفذين وجشعهم وحرصهم على مضاعفة أرباحهم، مستغلين ضعف الرقابة وفسادها، ولجوء أصحاب الدخول المتدنية لشراء مواد أقل سعراً، وإن كان على حساب سلامتهم وصحة أطفالهم

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات