ملخص تنفيذي


تهدف هذه الدراسة إلى تصنيف وتحليل الاختلالات الرئيسة التي يعاني منها سوق العمل في الاقتصاد السوري؛ ذلك من أجل معرفة طبيعة وأسباب تلك الاختلالات والقدرة على طرح سياسات اقتصادية مركبة قادرة على تصحيحها وتقليل تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية إلى الحدود الدنيا، وبخاصّة في مرحلة ما بعد الحرب، وقد رصدت الدراسة وحللت أربعة أنواع من الاختلالات في سوق العمل ضمن الاقتصاد السوري هي: الاختلالات البنيوية (عدم التوافق بين عرض العمل والطلب عليه)، والاختلالات الأجرية (الاختلاف في الأجور بين القطاعات الاقتصادية)، والاختلالات الجندرية (عدم المساواة بين الرجال والنساء في سوق العمل)، والاختلالات القطاعية (اختلاف توزع قوة العمل على قطاعات الاقتصاد).
وقد حللت الدراسة، وصفياً وكمياً، تلك الاختلالات في سلسلة زمنيّة امتدت طوال الأمد الواقع بين (2001/2017) بما توافر فيها من بيانات لمتغيرات التحليل، مبينة كيفية تغير تلك الاختلالات، وتطور مؤشراتها الرئيسة؛ ذلك بالاستناد إلى البيانات الرسمية المنشورة.
وتكشف الدراسة عن أنَّ الاختلالات الرئيسة لسوق العمل في سورية، إنما هي اختلالات مزمنة، بمعنى أنَّ الاقتصاد السوري لم يتمكّن منذ عام 2000 وحتى عام 2017 من تصحيح تلك الاختلالات، وقد جاءت الحرب لتعمق من تلك الاختلالات، وتزيد من مسؤولية السياسات الاقتصادية في ضرورة معالجتها أيضاً.
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من المقترحات التي يمكن لها أن تصحح من اختلالات سوق العمل، وكان من أهمها ضرورة وجود استراتيجية وطنية للتشغيل، وتطوير نموذج لـ "برامج العمل العام"، ودعم ابتكار وتطوير نظام معلوماتيّ غير مركزي لـ "تبادل معلومات فرص العمل"، وتركيز الدعم على مديرية مرصد سوق العمل، والتوسع في إقامة وتنظيم المدن الصناعية، وتعميق نشر سياسة التلمذة الصناعية، وتشجيع زيادة عدد مؤسسات التمويل الاجتماعي، ودعم سياسة التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل بعض مواد قانون تنظيم العلاقات الزراعية وقانون العمل الخاص، وغيرها من المقترحات التي فصَّلتها الدراسة.
كلمات مفتاحية: سوق العمل، الاختلالات الاقتصادية، البطالة، المشتغلون، الأجور، النوع الاجتماعي، القطاعات الاقتصادية.

مقدمة


يمكن النظر إلى سوق العمل على أنه "الآلية التي يتفاعل فيها عرض العمل مع الطلب عليه ضمن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقانونية السائدة"، ومعنى هذا القول هو: أنَّ سوق العمل آلية تفاعلية بين عارضي العمل وطالبيه والتشريعات الناظمة له والقوى الحكومية والمجتمعية المؤثرة والفاعلة في سوق العمل، كأصحاب العمل، ونقابات العمل ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضايا التشغيل، والمؤسسات الدولية ذات الصلة بسوق العمل وتشريعاته، وهو ما تمكن تسميتهم بـ "الفاعلين في سوق العمل"، وبالتالي يتم بوساطة تلك الآليّة بيعُ خدمات العمل وشراؤها، أو ما يسمى بتسعير خدمات العمل، ونتيجة لذلك، فإنَّ سوق العمل هو الآلية التفاعلية التي تحدد مستويات التشغيل والبطالة والأجور وحقوق العمال ومصالح المنتجين نتيجة لذلك التفاعل، وتعكس تفاعلات سوق العمل قرارات العمال وأصحاب العمل وعلاقتها بالأطر التشريعية الناظمة للعمل والمؤسسات الفاعلة فيها كالدولة ونقابات العمال ومؤسسات المجتمع المدني المهتمة بقضايا العمل وتنظيمه ومستوى التفاعل أو التنافر بين تلك القُوى.
ومن الناحية النظرية التحليلية البحتة، فإنَّ "مصطلح سوق العمل يوحي بوجود كيان متجانس وموحّد من ذلك السوق، وأن التحليل الاقتصادي والاجتماعي ينصب على نمط واحد من سوق العمل، إلا أن ذلك المفهوم المتجانس لسوق العمل غير موجود على أرض الواقع فعلاً، وبدلاً من ذلك فإنَّ هناك تعددية في أسواق العمل وتمايزاً في ما بينها، سواء في القطاع أو المحاصيل أو المهنة أو المنطقة الجغرافية"، وبالفعل، فهناك سوق العمل المتعلق بقطاع الصناعة الذي يختلف بشروطه وظروفه عن سوق العمل المتعلق بقطاع الزراعة أو بقطاع الخدمات، وهناك سوق العمل في القطاع الحكوميِّ ذي الشروط والظروف غير سوق العمل في القطاع الخاص، وهناك سوق العمل في القطاع المنظم الذي يختلف تماماً عن سوق العمل في القطاع غير المنظم، من حيث الظروف المادية والحماية الاجتماعية، وبالتالي فإن أي تحليل لسوق العمل لا بد وأن يأخذ في الحسبان نمط سوق العمل الذي يشتغل عليه بمكوناته كافة.
ويمكن القول: "إنَّ أسواق العمل تعمل جيداً إذا كانت تحقق هدفين أساسيين هما: الفعالية والإنصاف، ففي سوق عمل يتسم بالفعالية، من الأرجح أن يجدَ العمالُ الراغبون بالعمل حسب الأجور المتعارف عليها عملاً مؤاتياً بسرعة تتناسب مع مهاراتهم وتعليمهم وخبرتهم، وهذا يعني أنَّ فترات البطالة لهؤلاء العمال هي فترات قليلة نسبياً، في حين يتم قياس الإنصاف عن طريق التأكد مما إذا كان العامل يتلقى أجراً عادلاً وفقاً لقيمة العمل الذي يضطلع به، كما يتسم سوق العمل الذي يعمل جيداً بحماية مناسبة للعمل من خطر خسارة الدخل؛ ذلك بتمكين العمال من إيجاد عمل جديد بسرعة أو بتوفير حماية اجتماعية لهم عند فقدانهم لوظائفهم".
ومن ناحية محددات سوق العمل، فإنَّ لأيِّ سوق عمل، مثل سوق العمل في الاقتصاد السوري، مجموعة من المحددات الرئيسة التي يمكن تقسيمها إلى محددات الطلب على العمل ومحددات عرض العمل، أما في ما يتعلق بمحددات الطلب على العمل فهناك مجموعة عوامل تحدد الطلب على العمل ومنها:
تطور الإنتاج، إذ يزداد الطلب على العمل بزيادة الإنتاج، وبخاصّة في القطاعات الاقتصادية كثيفة استخدام العمالة (الزراعة).
تطور الإنتاجية، إذ يقل الطلب على العمل كلما زادت إنتاجية العامل، وبالتالي يكون الطلبُ على العملِ كبيراً في القطاعات ذات الإنتاجية الضعيفة كالزراعة، ويكون قليلاً في قطاعات الاقتصاد الحديث.
التطور التقنيّ، فكلما تطورت تقنيات الإنتاج وأدخلت الآلة والأتمتة كلما قلّ الطلب على العمل (مبدأ الإحلال بين الآلة والعامل)
أما في ما يتعلق بمحددات عرض العمل في أي اقتصاد، فإنها ترتبط أيضاً بمجموعة من العوامل العامة أهمها:
حجم السكان: كلما ازداد عدد السكان ازداد عرض قوة العمل، وكلما ازدادت الهجرة قلّ عرض العمل؛
تركيبة السكان: توزع السكان على الفئات العمرية المختلفة، فكلما ازدادت الفئات العمرية الفتية ازداد عرض العمل والعكس صحيح مع الفئات العمرية الصغيرة والمسنة؛
المشاركة في قوة العمل: أي القرار في استخدام الوقت المتاح بين العمل في السوق أو وقت الفراغ أو استعمالات أخرى.
تتكون منظومة سوق العمل في الاقتصاد السوريّ من مجموعة من المكونات المؤسسية والتشريعية التي من المفترض أن تعمل معاً لتحقيق التوازن في سوق العمل، وإن كان من الصعب طبعاً تحقيق توازن تام، إلا أن المطلوب من تلك الآلية ومكوناتها هو العمل على تقليل اختلالات سوق العمل إلى أدنى الحدود الممكنة وتحقيق أكبر قدر ممكن من الفعالية والإنصاف في السوق، ولكن رغم وجود تلك المكونات، إلا أن الإحصائيات والدراسات العلمية المتعلقة بسوق العمل تشير إلى وجود اختلال جوهري ومزمن في بنية سوق العمل، ما يؤشر على وجود خلل إما في بنية المكونات ذاتها، أو في العلاقة التفاعلية في ما بين تلك المكونات، وبالتالي فإن تصحيح تلك الاختلالات يقوم في جزء منه على تصحيح آليات سوق العمل.
وتتكون منظومة سوق العمل في الاقتصاد السوريّ من الناحية التشريعية من الدستور السوري الصادر عام 2012، وقانون العاملين الأساسي في الدولة رقم (50) لعام 2004، وقانون العمل في القطاع الخاص والتعاوني والمشترك رقم (17) لعام 2010، وقانون تنظيم العلاقات الزراعية رقم (56) لعام 2004، واتفاقيات العمل الدولية التي وقّعت الحكومة السورية عليها، أما من ناحية المؤسسات الناظمة والداعمة في سوق العمل فهي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والاتحاد العام لنقابات العمل، وهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة (من إحدى المهام التسع للهيئة التي حددها مرسوم إحداثها هو إقامة حاضنات أعمال للمشروعات الصغيرة على أن تكون مهتمة برعاية المشروعات الناشئة، والإسهام في توفير فرص العمل لخرِّيجي الجامعات والمعاهد المتوسطة والباحثين عن عمل بوساطة برامج تشغيل خاصة توضع لهذه الغاية مع الجهات المعنية)، والمكتب المركزي للإحصاء، والجامعات العامة والخاصة والمعاهد، والثانويات المهنية، والمؤسسات المالية المصرفية الاجتماعية، ومصرف الإبداع للتمويل الصغير (غاية مصرف الإبداع الإسهام في الحدّ من ظاهرتي البطالة والفقر في سورية، وتخفيف وطأتهما على الشرائح الفقيرة في المجتمع السوري، وبخاصّة النساء والشباب، وصولاً إلى الاعتماد على الذات. بالإضافة إلى تمكين الأفراد من الشرائح المستهدفة للبدء بمشروعاتهم الخاصة القادرة على تحسين المعيشة وخلق فرص العمل لهم ولغيرهم حسبما جاء في مرسوم إحداث المصرف)، والأمانة السورية للتنمية (تحديداً بوساطة برنامج مشروعي الذي يهدف إلى توسيع فرص التسليف للحد من الفقر ومكافحته لدى الأفراد والمجتمعات الأقل حظاً ممن لديهم العزيمة والإرادة للارتقاء اقتصادياً).

 

منهجية الدراسة


مشكلة الدراسة: يعاني سوق العمل في الاقتصاد السوري من مجموعة من الاختلالات المركبة  التي أدت إلى ظهور العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية كنتيجة لها، ومن تلك المشكلات مشكلة البطالة، ومشكلة عدم المساواة في الأجور، ومشكلة عدم التناسب في توزيع قوة العمل بين القطاعات، ومشكلة عدم المساواة الجندرية، والكثير من المشكلات النوعية الأخرى كتراجع ظروف العمل اللائق، واتساع نطاق العمل الهامشي، والاقتصاد غير المنظم، وتراجع الحماية الاجتماعية للعمال في القطاع الخاص، الأمر الذي يستدعي التدخل الحكومي في سوق العمل.
الهدف من الدراسة: هدفت هذه الدراسة إلى الكشف عن الاختلالات الأساسية في سوق العمل في الاقتصاد السوري، وتصنيف تلك الاختلالات، ومعرفة وتحليل أسبابها ضمن مختلف الظروف التي مر بها الاقتصاد السوري (حالة الاقتصاد الطبيعي/حالة اقتصاد الحرب)، كما هدفت إلى تحليل أهم مؤشرات سوق العمل، ومن ثم طرح حزمة من السياسات التنفيذية من أجل معالجة تلك الاختلالات والتقليل من نتائجها إلى أدنى الحدود الممكنة.
أهمية الدراسة: ترجع أهمية هذه الدراسة إلى قدرتها على رصد وتحليل التغيرات الأساسية في سوق العمل في الاقتصاد السوري على مدار 16 عاماً ممتدة بين أعوام (2001/2017) ذلك بتحليل متغيرات قوة العمل والبطالة والأجور والتوزع القطاعي لقوة العمل وتوزع قوة العمل بين القطاعين العام والخاص.
المنهج المستخدم: استخدمت الدراسة المنهج الوصفي كمنهج بحثي يعتمد على وصف وتحليل الظاهرة المدروسة باستخدام البيانات الواقعية المستمدة إما من المصادر المباشرة أو من المراجع المختلفة، ومن ثم تحليل تلك البيانات للوصول إلى النتائج المرجوة.
حدود الدراسة: تنحصر حدود الدراسة زمنياً من عام 2001 لغاية 2017، في ما تنحصر الحدود المكانية لها ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية.
مصادر البيانات وطرق جمعها: تم الحصول على بيانات الدراسات بمجموعة من الطرق كان أهمها المعلومات المباشرة من المجموعات الإحصائية السورية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، وبعض الدراسات وأوراق العمل والأدلة الصادرة عن المنظمات الدولية، وبعض الكتب الخاصة بالاقتصاد السوري، وبعض المصادر الميدانية المباشرة، وبعض التشريعات الخاصة بقطاع العمل.

أولاً- ماهية اختلال سوق العمل
يتركز مفهوم الاختلال الاقتصادي بعامّة حول "وجود انحراف في العلاقة بين متغيرات الاقتصاد الكلي المرتبطة مع بعضها بعضاً عن الاتجاهات العامة المرغوب بها ضمن السياسة الاقتصادية العامة، وينتج عن تلك الانحرافات/الاختلالات مشكلات اقتصادية عامة، كالتضخم، وعجز الموازنة، وعجز الميزان التجاري"، وبناء على ذلك، تعد اختلالات سوق العمل أحد الاختلالات الهيكلية الكلية في الاقتصاد التي تعني بالمحصلة النهائية انحراف في العلاقة بين عرض العمل والطلب عليه ضمن القطاعات الاقتصادية أو ضمن النوع الاجتماعي، ونتيجة لذلك الانحراف وبنيته سينتج عنه مشكلات اقتصادية واجتماعية متنوعة أهمها مشكلة البطالة، ومشكلة تدني مستويات الأجور، ومشكلة التفاوت في الأجور حسب الجنس، ومشكلة التركز القطاعي لقوة العمل في بعض القطاعات على حساب القطاعات الأخرى.
وقد تكون تلك الاختلالات في سوق العمل اختلالات عرضية ناتجة عن ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية طارئة، وهنا لا بد من تطبيق سياسات اقتصادية مباشرة على سوق العمل لتصحيح ذلك الاختلال، كسياسات التشغيل العام، وإعانات البطالة، ودعم الأجور، أو قد تكون اختلالات بنيوية عميقة ناتجة عن اختلالات مزمنة في البنية الاقتصادية العامة، وهنا لا بد من تطبيق سياسات اقتصادية مركبة تمس القطاعات الاقتصادية الأساسية كالصناعة والزراعة والخدمات، وبالنتيجة فإن نوع الاختلال يحدد في النهاية نوع السياسية المناسبة لتصحيحه.
يواجه سوق العمل في الاقتصاد السوري مجموعة كبيرة من المشكلات التي تسبّب نشوء تلك الاختلالات أو تعمّق منها أكثر عبر الزمن، ويمكن النظر إلى هذه المشكلات على أنها مشكلات تراكمية، تراكمت عبر سنوات طويلة، ومن تلك المشكلات المزمنة "ضعف التنسيق بين مؤسسات وبرامج سوق العمل، وعدم وجود استراتيجية أو سياسة لتنظيم سوق العمل بمكوناته كافةً، والاعتقاد السائد بأن القطاع العام هو أفضل مكان للعمل من القطاع الخاص، تحديداً للخريجين والنساء، صعوبات البدء بمشروع وبخاصّة الوصول إلى التمويل؛ ذلك أنَّ نحو (55%) من الإقراض يتم للمشاريع التجارية، في حين يتم تقديم (6%) من القروض للاستثمار الصناعي، وغياب برامج تستهدف الخريجين، ومثال ذلك أنه تم تأمين (29.500) فرصة عمل للخريجين في الأمد الواقع بين (2001/2007) في حين أنه تخرج في الأمد نفسه (48.600) طالب، أي أن السوق استوعب (60%) من الخريجين فقط".
ويشير تحليل البيانات الإحصائية طوال الأمد الواقع بين (2001/2017) إلى أن هناك مجموعة من الاختلالات التي عانى منها سوق العمل والتي لم تجد حلاً لها حتى الآن بصورة جذرية، تترافق تلك الاختلالات مع تأخر في تطور المؤسسات والسياسات الهادفة إلى تصحيح تلك الاختلالات، أو إلى غياب التنسيق في ما بينها وهو ما ستكشف عنه هذه الدراسة بتحليل البيانات، وانطلاقاً من ذلك التحليل ستقوم الدراسة بتقديم مجموعة من المقترحات التي من الممكن أن تسهم في تصحيح اختلالات سوق العمل في سورية على المديين المتوسط والطويل.

ثانياً- الأنماط الرئيسة لاختلالات سوق العمل
تقسم هذه الورقة البحثيّة الأنماط الرئيسة لاختلالات سوق العمل بعامّة إلى أربعة اختلالات أساسية هي:
الاختلال البنيويّ في سوق العمل: أي الاختلال بين العرض الكليّ للعمل والطلب على العمل، ويشير هذا النمط من الاختلال إلى الفجوة بين عرض العمل والطلب عليه في الاقتصاد بعامّة دون التمييز بين الفئات العمرية أو النوع الاجتماعيّ أو المستوى التعليميّ لقوة العمل، كما يشير هذا النوع من الاختلال إلى قدرة الاقتصاد بعامّة على استيعاب عرض العمل، استناداً إلى قدرته على امتصاص اليد العاملة الجديدة الوافدة سنوياً إلى سوق العمل، أو بوساطة قدرته على استيعاب العاطلين عن العمل، ويتعلق هذا النمط من الاختلالات بمدى تطور الاستثمار الخاص المنظم بالدرجة الأولى وقدرته على امتصاص يد عاملة، وبمدى قدرة الحكومة على التوظيف في القطاع العام إن كانت تتبع تلك السياسة أم لا، وبمدى توسع وانتشار القطاع الاقتصادي غير المنظم وقدرته على استيعاب عمالة جديدة، كما يعكس هذا الاختلال العلاقة بين معدلات النموّ السكاني ومعدلات النموّ الاقتصاديّ الحقيقي.
الاختلال القطاعي في سوق العمل: يعكس هذا النمط من الاختلال عدم توازن توزيع قوة العمل ضمن القطاعات الاقتصادية الأساسية، ألا وهي قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية والتجارة والفنادق والمطاعم والبناء والتشييد، ويشير هذا النوع من الاختلال إلى وجود قطاعات اقتصادية جاذبة لقوة العمل أكثر من قطاعات أخرى، وإلى وجود قطاعات اقتصادية نابذة لها، أي أنه يعكس مدى التركز القطاعي لقوة العمل في الاقتصاد، كما يعكس هذا النمط من الاختلال العلاقة بين تطور وتغير الهيكل الاقتصادي وتوزع قوة العمل عليه، ويمكن بوساطته الربط بين الاختلال القطاعي في الاقتصاد واختلال قوة العمل القطاعي وتفسير ذلك الاختلال أيضاً، أي أن سبب الاختلال القطاعي لقوة العمل هو اختلال جوهري في بنية الاقتصاد ذاته.
الاختلال الجندري في سوق العمل: يعكس هذا النمط من الاختلال عدم التوازن في سوق العمل بين الرجال والنساء، سواء أكان ذلك من حيث معدلات التشغيل أم من حيث معدلات البطالة، أم من حيث معدلات الأجور بينهما، أم من حيث توزع قوة العمل جندرياً على القطاعات الاقتصادية الرئيسة، ويعكس ذلك الاختلال ما يمكن تسميته بـ "الانحياز الجنوسي" في الاقتصاد تجاه قوة العمل، أي يعكس كيفية تعامل الاقتصاد مع العمالة الذكورية والنسوية من حيث حجم الطلب عليها، ونوعية القطاعات الاقتصادية العاملة فيها، ومستويات الأجور الممنوحة لها، ومدى إسهامها في النشاط الاقتصادي بعامّة، ويمكن بالتالي معرفة حجم التفاوت الاقتصادي بين الرجال والنساء وحجم التفاوت في توزيع عوائد الاقتصاد، ويرتبط ذلك الاختلال بشكل أو بآخر بطبيعة بعض القطاعات الاقتصادية ذاتها الجاذبة لقوة عمل الرجال أكثر من النساء كقطاعي الصناعة وقطاع التشييد والبناء، وبعض القطاعات الجاذبة للعمل النِّسوي كقطاعات الصحة والتعليم والفنادق والخدمات الاقتصادية الأخرى.
الاختلال الأجري في سوق العمل: يعكس هذا الاختلال الفجوة الموجودة في أجور قوة العمل، إذ يمكن النظر إلى تلك الفجوة من مداخل متعددة، أهمها المدخل القطاعي، أي مدى تفاوت أجور قوة العمل حسب طبيعة القطاع الاقتصادي الذي تشتغل فيه، كالتفاوت في الأجور بين المشتغلين في قطاع الزراعة وقطاع الخدمات، أو من حيث المدخل الوظيفي، أي من حيث مكان العمل كالعمل في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص المنظم أو القطاع الخاص غير المنظم، أو من حيث المدخل الجندري كالتفاوت في الأجور بين الرجال والنساء وفجوة الأجور بينهما، ويمكن بتحليل هذا الاختلال تحليل العلاقة بين القيم المضافة الحقيقية في الاقتصاد والعمل المنتج  لها وما يتلقاه ذلك العمل من أجر.

ثالثاً- تحليل الاختلال البنيوي في سوق العمل
يعاني سوق العمل في الاقتصاد السوري من اختلال عام فيه يتجسد على شكل بطالة كلية (ذكور وإناث) مزمنة لم تنخفض بالمتوسط طوال الأمد الواقع بين (2001/2011) عن نسبة وسطية مقداراها (10%) من قوة العمل، بل كانت متراوحة ما بين (8.1%) كأدنى قيمة لها و(15%) كأعلى قيمة لها طوال هذا الأمد نفسه الذي كان فيه الاقتصاد اقتصاداً طبيعياً خالياً من الأزمات المكشوفة، أما طوال سنوات الحرب فإن معدلات البطالة تلك قد قفزت بشكل كبير جداً إلى مستويات لم يلاحظها الاقتصاد السوري من قبل، فطوال الأمد الواقع بين (2013/2017) وصلت معدلات البطالة وبشكل وسطي إلى نحو (37%) من قوة العمل؛ ذلك بفعل نتائج الحرب الاقتصادية والاجتماعية وما أفرزته من تدمير البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية كافة، وتراجع قيمة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة وسطية تقدر بنحو (60%) عما كان عليه عام 2010، وكان أعلى معدل للبطالة في عام 2015، إذ قاربت تلك النسبة نحو (48%) من قوة العمل، فقد أدت الحرب إلى تراجع أعداد المشتغلين في الاقتصاد من نحو (5) ملايين مشتغل عام 2010 إلى نحو (2.6) مليوني مشتغل عام 2015، إلا أنه وفي العام 2017 زاد عدد المشتغلين إلى نحو (3.6) ملايين مشتغل مقارنة مع عام 2015، لكنه بقي أقل بنسبة (28%) عما كان عليه عام 2010 أيضاً. علماً أن البيانات الإحصائية السورية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء لا تتضمن أي معلومات عن تغيرات قوة العمل في عام 2012، بسبب عدم القيام بتنفيذ مسوحات قوة عمل في ذلك العام.
وتشير البيانات المسحية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء إلى أنَّ معدل البطالة في عام 2017 قد انخفض إلى نحو (15%) من قوة العمل، علماً أن المسح لم يشمل المحافظات والمناطق التي ما زالت خارج سيطرة الحكومة السورية كمحافظة إدلب وريفها، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد في الشمال والشمال الشرقي لسورية، وأجزاء من ريف حلب، ويمكن تفسير انخفاض ذلك المعدل بعودة الأمان الكامل إلى بعض المحافظات السورية في الأمد الواقع بين (2016/2017) مثل محافظات حلب وحمص ودير الزور وأجزاء كبيرة جداً من محافظة ريف دمشق، وعودة النشاطات الاقتصادية الصناعية والتجارية والخدمية الخاصة إليها واستيعابها لجزء من قوة العمل الوافدة إلى السوق أو التي كانت متعطلة سابقاً بشكل كامل أو جزئي جراء الأزمة، وبالتالي زيادة الطلب على العمل مجدداً ترافق ذلك كله طبعاً مع انخفاض في عرض قوة العمل على مستوى الاقتصاد بنسبة (14%) تقريباً بين عامي (2015/2017).
ويبدو أن القطاع العام الإداري والإنتاجي والخدمي لم يكن له دورٌ واضحٌ في تخفيض معدلات البطالة الكلية طوال مدّة الأزمة، إذ شهد ذلك القطاع تراجعاً واضحاً في عدد العاملين لديه دون القدرة على تعويض النقص الحاصل فيه من قوة العمل، وكان الطلب على العمالة في القطاع العام ثابتاً تماماً باستثناء بعض عمليات التوظيف المحددة جداً في بعض القطاعات كقطاعي التربية والصحة.
وتشير البيانات الرسمية المنشورة إلى أن عدد العاملين في القطاع العام كله قد وصل في عام 2010 إلى نحو (1.102) مليون عامل، إلا أن ذلك العدد قد انخفض طوال سنوات الحرب بشكل واضح وبالتدريج ليصل في عام 2017 إلى نحو (921.719) عاملاً، أي أن القطاع العام خسر في 6 سنوات من الحرب نحو (179.719) عاملاً لديه، أي ما نسبته (16%) من العاملين، وذلك لأسباب مختلفة كالهجرة الخارجية الشرعية وغير الشرعية لقسم من موظفي ذلك القطاع، والتقاعد الذي طال قسماً منهم دون التعويض عنه، والاستقالة من الوظائف لبعض الفئات العمرية من الشباب نتيجة طلبهم للخدمة الاحتياطية وعدم التحاقهم بها، واستشهاد عدد من موظفي ذلك القطاع بسبب العمليات الإرهابية التي طالتهم أثناء تأدية أعمالهم، وحالات الخطف التي تعرض لها الكثير من موظفي القطاع العام.
ويبدو أنَّ الاختلال العام في سوق العمل بين عرض العمل والطلب عليه هو اختلال مزمن في الاقتصاد السوري، وبخاصّة أن متوسط معدل البطالة عن الأمد الواقع بين (2001/2017) كان يقارب نحو (17%) من قوة العمل، وإن هذا المعدل الوسطي يعكس في التحليل الأخير عدم قدرة مؤسسات الاقتصاد العامة والخاصة المنظمة وغير المنظمة على استيعاب الوافدين الجدد لسوق العمل كنتيجة لضعف الاستثمار فيها، ويعكس في الوقت نفسه، عدم قدرة تلك المؤسسات على تحمل صدمات سوق العمل التي قد تحدث في الاقتصاد، والتي تبرز إما من ناحية العرض الكبير لقوة العمل لأسباب ديمغرافية (زيادة كبيرة في عدد السكان، عودة كبيرة لقوة عمل كانت تعمل في الخارج، عمالة أجنبية وافدة من الخارج)، أو من ناحية حدوث أزمات سياسية واقتصادية تفضي إلى توقُّف جزءٍ كبيرٍ من الجهاز الإنتاجي العام والخاص عن العمل، وبالتالي خروج عمالة فائضة منه تبحث عن فرص عمل جديدة لها في باقي القطاعات التي ما زالت تعمل، ولا بد من توضيح أنَّ نسبة البطالة في الفئة العمرية الشابة التي تتراوح من بين (25 – 34) سنة تشكل بالمتوسط نحو (35%) من إجمالي العاطلين عن العمل في الأمد الواقع بين (2001/2017)، والشكل التالي يوضح تطور معدلات البطالة في الاقتصاد السوري في الأمد الواقع بين (2001/2017).

الشكل رقم (1)

أعد المخطط بالاستناد إلى بيانات المكتب المركزي للإحصاء للأعوام (2001/2018)

رابعاً- تحليل الاختلال القطاعي في سوق العمل
يعبّر الاختلال القطاعي في سوق العمل عن الخلل الموجود في توزيع قوة العمل المشتغلة بين قطاعات الاقتصاد كافة، إذ يعكس ذلك الخلل مدى استقطاب قطاع اقتصادي ما (إنتاجي أو خدمي) لنسبة كبيرة من قوة العمل على حساب باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، ومن الناحية الأخرى فإنه يفسر سبب جذب بعض القطاعات الاقتصادية للنسبة الأكبر من قوة العمل، ويعطي تفسيراً لحركية العمالة في ما بين القطاعات، فهل تعود تلك الحركية لأسباب أجرية بحتة؟ أم تعود لأسباب جندرية؟ أم أنها تعود لأسباب تتعلق بظروف العمل؟ أم أنها تعود لأسباب تتعلق بكثافة انتشار القطاع ذاته وقدرته على استيعاب عمالة كثيرة؟
ويُعَدُّ الاختلال القطاعي لسوق العمل في الاقتصاد السوري اختلالاً مزمناً أيضاً، فطوال الأمد الواقع بين (2001/2007) سيطر قطاعا الزراعة والخدمات في الاقتصاد على نسبة تتراوح بين (45%-52%) من قوة العمل المشتغلة في الاقتصاد، في حين أن باقي قطاعات الاقتصاد الأخرى كالصناعة والتجارة والبناء والتشييد والمال والعقارات والمطاعم والفنادق سيطرت على النسبة الباقية، وهذا يدل على وجود تركز قطاعي للعمل في قطاعي الزراعة والخدمات طوال الأمد الزمنيّ السابق، والشيء الذي كان يدعم هذا التركز القطاعي للمشتغلين في قطاعي الزراعة والخدمات هو النسبة الكبيرة للمشتغلات الإناث في هذين القطاعين، إذ إنَّ نحو (40%) من قوة العمل النسوية كانت تعمل في قطاع الزراعة طوال الأمد السابق ذاته و(46%) منها تعمل في قطاع الخدمات، وذلك بسبب الامتداد الجغرافي الكبير لقطاع الزراعة، وتطور قطاع الخدمات بشكل واضح منذ عام 2001.
إلا أن تلك النسبة بدأت بالتراجع تدريجياً في الأمد الواقع بين (2008/2011)، فطوال ذلك الأمد تراجعت سيطرة قطاعي الزراعة والخدمات عن استقطاب قوة العمل فيهما لتصل نسبة المشتغلين فيهما إلى ما بين (31%-41%) من إجمالي قوة العمل المشتغلة في الاقتصاد، والشيء الذي عزز تراجع هذه النسبة هو حدوث انتقال لجزء من قوة العمل إلى قطاعات الصناعة والبناء والتشييد والفنادق والمطاعم والمال والتأمين، وتحديداً قوة العمل الذكورية التي شهدت حركية انتقال باتجاه قطاع البناء والتشييد في ذلك الأمد.
أما سنوات الحرب تحديداً في الأمد الواقع بين (2013/2016) فقد شهدت سيطرة واضحة لقطاع الخدمات في تشغيل قوة العمل، إذ استحوذ ذلك القطاع على نسبة مشتغلين تراوحت بين (51%-55%) من إجمالي المشتغلين في الاقتصاد، ما لبثت أن انخفضت تلك النسبة في عام 2017 إلى نحو (43%)، ويلاحظ تاريخياً أن هذين القطاعين (الزراعة والخدمات) هما المُشَغِّلان الأساسان في الاقتصاد السوري، ففي عام 1960 كانت ما نسبته نحو (58%) من قوة العمل تعمل في هذين القطاعين، وفي عام 1970 وصلت هذه النسبة إلى نحو (61%).
لكن يمكن تفسير ذلك الأمر طوال سنوات الحرب ليس بقدرة ذلك القطاع ذاته على استقطاب العمالة، كونه من القطاعات المتضررة جداً بالحرب، ولكن يمكن تفسيره بأن العدد الإجمالي للمشتغلين في الأمد الواقع بين (2013/2017) قد تراجع بشكل واضح، فقد بلغ متوسط عدد المشتغلين في الاقتصاد في الأمد ذاته نحو (3.330) ملايين مشتغل مقارنة بوسطي عدد مشتغلين وصل إلى (4.972) ملايين مشتغل في الأمد الواقع بين (2001/2011)، أي بتراجع (1.642) مليون مشتغل، وبنسبة تراجع تصل إلى نحو (33%).
يضاف إلى ذلك حدوث انخفاض كبير في نسبة المشتغلين في قطاع الزراعة، فقد تراجعت فيه نسبة المشتغلين بشكل وسطي في الأمد الواقع بين (2013/2017) إلى نحو (10%) من إجمالي المشتغلين بعدما كانت بالمتوسط نحو (20%) من المشتغلين في الأمد الواقع بين (2001/2011)؛ ذلك بسبب تأثيرات الحرب في قطاع الزراعة بشكل أساسٍ، في الوقت الذي لم تستطع فيه قطاعات الاقتصاد الأخرى استيعاب كميات أكبر من العمالة بسبب تأثرها بالحرب بشكل كبير أيضاً كقطاع الصناعة الذي تضرر كثيراً، إذ قدرت خسائر قطاع الصناعة العام والخاص نتيجة الحرب بنحو 2600 مليار ليرة سورية منها 1068 مليار ليرة للقطاع الصناع العام و1532 مليار ليرة للقطاع الصناعي الخاص. الشكل الآتي يوضح تطور أعداد المشتغلين في قطاعي الزراعة والخدمات طوال الأمد الواقع بين (2001/2017) وحسب المسوحات الإحصائية المتوافرة.
                                         

الشكل رقم (2)
أعد المخطط بالاستناد إلى بيانات المكتب المركزي للإحصاء للأعوام (2001/2018)
أما بالنسبة لقطاع الصناعة، فإنه لم يستطع أن يستقطب وبالمتوسط أكثر من (13%) من المشتغلين طوال الأمد الواقع بين (2001/2007)، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى نحو (16%) فقط طوال الأمد الواقع بين (2008/2011)، لتعود للانخفاض إلى نحو (11%) في الأمد الواقع بين (2013/2017)؛ ذلك بسبب حجم الدمار الكبير لقطاع الصناعة العام والخاص كما ذكر سابقاً، أي أن هناك شبه استقرار في إسهام قطاع الصناعة في تشغيل العمالة طوال 16 عاماً، ويمكن تفسير استقرار تلك النسبة في سنوات ما قبل الحرب، بسبب انخفاض معدلات الاستثمار الحقيقية المنفذة فيه في المدة نفسها، وهنا نضرب مثلاً للتأكيد على ذلك، وهو أن نسبة تنفيذ المشاريع الصناعية على القانون رقم (10) وصلت في عام 2003 إلى حدود (23.6%) وفي عام 2004 وصلت إلى (29.1%) وفي عام 2005 كانت (17.3%)، وأن متوسط عدد المشاريع الصناعية المنفذة فعلياً على قانون الاستثمار رقم (10) في الأمد الواقع بين (1991/2010) كان 1031 مشروعاً صناعيّاً شغل فقط 14662 عاملاً، وأنه منذ عام 2004 وحتى عام 2010 حصل هناك تراجع بعدد المشاريع المنفذة فعلياً على تلك القوانين، إذ انخفض ذلك العدد من 62 مشروعاً منفّذاً فعلياً ليصل إلى 21 مشروعاً فقط عام 2009، وهذا يدل على ضعف النشاط الاستثماري الخاص في قطاع الصناعة التحويلية تحديداً يضاف إلى ذلك تراجع واضح في الاستثمار الحكومي في ذلك القطاع واقتصار الاستثمار فيه على عمليات الاستبدال والتجديد بصورة أساسية، دون وجود توسعات حقيقية في الطاقات الإنتاجية بإنشاء معامل جديدة.
وكذلك الأمر في قطاع الفنادق والمطاعم، فقد شهدت نسب المشتغلين فيه حالة شبه مستقرة ودون وجود تقلبات كبيرة تذكر، فقد تراوحت نسب المشتغلين فيه بين (15%-18%) طوال الأمد الواقع بين (2001/2017)، والشكل الآتي يوضح تطور أعداد المشتغلين في قطاع الصناعة في الأمد الواقع بين (2001/2017) وحسب المسوحات الإحصائية المتوافرة.

الشكل رقم (3)

أعد المخطط بالاستناد إلى بيانات المكتب المركزي للإحصاء للأعوام (2001/2018)

خامساً- تحليل الاختلال الجندري في سوق العمل
يعبّر الاختلال الجندري/الجنوسي في سوق العمل عن اتساع الفجوة بين مؤشرات قوة العمل الذكورية والنسوية في ما بينها، إذ يعكس ذلك الاتساع عمق الفجوة الجندرية في الاقتصاد، أو ما يمكن تسميته بـ "فجوة الجندر الاقتصادية"، ويمكن أن تقاس تلك الفجوة بمجموعة من المؤشرات منها الفرق بين معدلات بطالة الرجال والنساء، والفرق في الإسهام في معدلات النشاط الاقتصادي الخام والمنقح، والفرق في مستويات الأجور بين الرجال والنساء، والفرق في توزيع قوة العمل الذكورية والنسوية بين القطاعات الاقتصادية. والفرق في حجم العمالة الهشة بينهما أيضاً، وفي النهاية، فإن تحليل ذلك الاختلال يكشف عمّا يمكن تسميته بالانحياز الجنوسي للاقتصاد، وأسباب ذلك الانحياز.
يشير تحليل بيانات مسوحات قوة العمل الرسمية إلى أنَّ الاختلال الجندري في سوق العمل هو اختلال بنيوي ومزمن، فمؤشرات العمل كافة المتعلقة بالنوع الاجتماعي تميل دائماً لصالح الرجال بدلاً من النساء، وإذا بدأنا بقراءة معدل البطالة بين الجنسين، فإننا نجد أن بطالة النساء كانت طيلة الأمد الواقع بين (2001/2017) هي الأعلى من بطالة الرجال، فمتوسط معدل بطالة النساء في الأمد الواقع بين (2001/2011) لم ينخفض أبداً عن (24%)، في حين أن متوسط معدل بطالة الرجال طوال الأمد نفسه لم يزد عن (7%)، أما في الأمد الواقع بين (2013/2017) فإنَّ متوسط معدل بطالة النساء وصل إلى نحو (52%) في حين وصل معدل بطالة الرجال إلى (31%)، والواضح تماماً أن النساء هن الأكثر عرضة للبطالة من الرجال، سواء أكان ذلك في حالة الاقتصاد الطبيعيّ، أم في حالة الأزمات والحروب، ويمكن تفسير ذلك بمجموعة من العوامل منها ما هو متعلق بمتوسط حجم قوة العمل النسوية التي تقل دائماً عن متوسط قوة عمل الرجال في الاقتصاد، فمتوسط حجم قوة عمل النساء في الاقتصاد السوري لم تشكل أكثر من (20%) من إجماليّ حجم قوة العمل طوال الأمد الواقع بين (2001/2017)، أي أنها الأقل دائماً من حيث الكمية، بالإضافة إلى إقبال الرجال على الكثير من أنماط العمل التي لا تشتغل فيها النساء كأعمال البناء والصناعة الثقيلة والنقل والأعمال والمهن الحرة، دون إهمال عامل العادات والتقاليد لدى بعض الفئات الاجتماعية التي لا ترى مبرراً من عمل المرأة خارج منزلها وتقصر دورها على الدور الأمومي فقط، الأمر الذي يقلص من عرض العمل النِّسوي على المدى الطويل في الاقتصاد، والشكل الآتي يوضح تطور معدلات البطالة بين الرجال والنساء طوال الأمد الواقع بين (2001/2017).

الشكل رقم (4)
أعد المخطط بالاستناد إلى بيانات المكتب المركزي للإحصاء للأمد الواقع بين (2001/2018)
أما لو درسنا توزع قوة العمل الذكورية والنسوية على قطاعات الاقتصاد، (جندر/قطاع)، فإننا سنجد أن النسبة الأكبر من المشتغلات النساء كن في قطاعي الزراعة والخدمات على الإطلاق، إذ تدل البيانات على أن ما نسبته (53%) من المشتغلات النساء في الاقتصاد كن يعملن في قطاع الزراعة في الأمد الواقع بين (2001/2003) أما في الأمد الواقع بين (2004/2010)، فإنَّ هذه النسبة تراجعت إلى (25%) تقريباً ومن ثم إلى (12%) في عام 2011، وفي عام 2017 وصلت هذه النسبة إلى نحو (11.7%)؛ ذلك بسبب ازدياد عدد المشتغلات في قطاعات الخدمات، وتشير الإحصائيات إلى أن هذه النسبة ذاتها كانت في عام 1970 نحو (64%)، في حين أن (23%) من المشتغلين الرجال في الاقتصاد كانوا يعملون في ذلك القطاع في الأمد الواقع بين (2001/2003)، أما في الأمد الواقع بين (2004/2011) فإن هذه النسبة تراجعت إلى نحو (16%)، وفي عام 2017 وصلت هذه النسبة إلى (10%) أما في عام 1970، فإن هذه النسبة كانت بحدود (46%).
وفي قطاع الخدمات، فإن البيانات تدل على أن ما نسبته (34%) من المشتغلات النساء في الاقتصاد كن يعملن في قطاع الخدمات في الأمد الواقع بين (2001/2003)، أما في الأمد الواقع بين (2004/2010)، فإنَّ هذه النسبة ارتفعت إلى نحو (56%) تقريباً، ومن ثم ارتفعت إلى (68%) في عام 2011، وعادت وانخفضت إلى نحو (66%) في عام 2017، في حين أن (24%) من المشتغلين الرجال في الاقتصاد كانوا يعملون في ذلك القطاع طوال الأمد الواقع بين (2001/2003)، أما في الأمد الواقع بين (2004/2011)، فإن هذه النسبة تراجعت إلى نحو (22%)،  وما لبثت أن ارتفعت إلى نحو (37%) في عام 2017.
ولو نظرنا إلى توزع المشتغلين حسب النوع الاجتماعي على قطاعات العمل (عام/خاص تعاوني ومشترك)، لوجدنا أن نسبة المشتغلين الرجال في تلك القطاعات كانت هي الأعلى دائماً مقارنة بالنساء، فلو أخذنا متوسط الأمد الزمنيّ (2001/2011) في القطاع العام لوجدنا أن نحو (75%)، ومن ثم تراجعت هذه النسبة إلى نحو (70%) في عام 2017 من المشتغلين في القطاع العام كانوا من الرجال، في حين أن (25%) كن من النساء، وارتفعت هذه النسبة عند النساء إلى (30%) في عام 2017.
أما في القطاع الخاص، في الأمد الواقع بين (2011/2011)، فإن نحو (93%) من المشتغلين في ذلك القطاع كانوا من الرجال، وقد تراجعت هذه النسبة إلى (85%) في عام 2017، في حين أن نحو (7%) فقط كن من النساء، وقد ارتفعت تلك النسبة إلى نحو (15%) في عام 2017، لأسباب فسرتها الدراسة سابقاً في حالة الاختلال البنيوي لسوق العمل.
أما في القطاع التعاوني والمشترك، فإنَّ هذه النسب كانت في الأمد الواقع بين (2001/2011) بحدود (81%) للرجال فتراجعت إلى (64%) في عام 2017، وكانت بحدود (9%) للنساء. وطوال الأمد السابق ذاته ازدادت إلى (36%) في عام 2017، وهنا يظهر أن القطاع العام هو القطاع الأكثر استقطاباً لقوة العمل النسوية من باقي القطاعات.
أما من ناحية مؤشر متوسط الأجور بين الرجال والنساء، فإن البيانات الإحصائية المتعلقة بتوزيع الأجور بينهم طوال الأمد الواقع بين (2001/2011) تشير إلى وجود مرحلتين أساسيتين في هذه العلاقة، فطوال الأمد الواقع بين (2001/2005) كان متوسط الأجر الشهري للرجال في الاقتصاد السوري نحو (6718) ليرة، في حين أن متوسط الأجر الشهري للنساء كان نحو (6200) ليرة، أي أن متوسط أجر الرجال كان أعلى من متوسط أجر النساء بنحو (8%).
إلا أن تلك العلاقة الأجرية بدأت تميل لصالح النساء في الأمد الواقع بين (2006/2011)، فمتوسط الأجر الشهري للرجال طوال ذلك الأمد وصل إلى نحو (10466) ليرة سنوياً، في حين وصل ذلك المتوسط للنساء إلى نحو (11213) ليرة سنوياً، أي أن متوسط أجر النساء في هذا الأمد كان أعلى من متوسط أجر الرجال بنحو (7%). علماً أن الإحصائيات الدولية المتعلقة بالمساواة في الأجور تشير إلى أن فجوة الأجور بين الرجال والنساء عالمياً تصل إلى (77%)، أي أن أجر النساء أقل من أجر الرجال بـ (23%).
ويبدو من الواضح أن عدم المساواة الأجرية بين الرجال والنساء أياً كان نوعها منشأها هو القطاعان الخاص المنظم وغير المنظم، لأنَّ الأجور في القطاع العام الإنتاجي والإداري متساوية تماماً بين الجنسين، بسبب التطبيق المتساوي لسلم الرواتب والأجور والعلاوات والمكافآت في ذلك القطاع وبغض النظر عن الجنس، أما في القطاعين الخاص المنظم وغير المنظم، فإنَّ عدم المساواة تكون غير محققة بشكل كامل، بسبب عدم وجود معايير أجرية واضحة يقومون بتطبيقها، وبسبب القدرة على التهرب من الالتزامات القانونية التي تحكم هذه الناحية، أو بسبب استغلال حاجة الكثير من النساء لظروفهن الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، والشكل الآتي يوضح تطور متوسط الأجور الشهرية للرجال والنساء في الأمد الواقع بين (2002/2011).


الشكل رقم (5)
أعد المخطط بالاستناد إلى بيانات المكتب المركزي للإحصاء في الأمد الواقع بين (2001/2018)

سادساً- تحليل الاختلال الأجري في سوق العمل
يُعَدُّ عدم المساواة بين أجور المشتغلين في القطاعات الاقتصادية من الأمور الشائعة في أغلب اقتصادات العالم، ويظهر الاختلال الأجري بين المشتغلين من ناحيتين أساسيتين: الأولى، هي الاختلال الأجري بين المشتغلين في القطاعات الاقتصادية الأساسية (زراعة، صناعة، خدمات)، والثانية هي الاختلال الأجري حسب مكان التشغيل (قطاع عام، قطاع خاص منظم، قطاع خاص غير منظم)، وقد يظهر ذلك الاختلال الأجري حسب النوع الاجتماعي (رجال/ نساء).
يشير  توزع المشتغلين حسب فئات الأجر على القطاعات الاقتصادية في عام 2011، إلى أنَّ هناك اختلالاً واضحاً في توزع الأجور حسب القطاعات، إذ نحو (4%) فقط من المشتغلين في قطاع الزراعة تزيد أجورهم عن (15) ألف ليرة شهرياً، في حين أن نحو (30%) من المشتغلين في قطاعات الصناعة والكهرباء والغاز تزيد أجورهم عن (15) ألف ليرة، أما في قطاعات التجارة والفنادق والمطاعم، فإن نحو (17%) منهم تزيد أجورهم عن (15) ألف ليرة، أما النسبة الأكبر للذين يحصلون على أجور تزيد عن (15) ألف ليرة فهي في قطاع الخدمات دون منازع، إذ تبلغ تلك النسبة نحو (54%)، وهو القطاع الذي شغل قرابة (41%) من قوة العمل في ذلك العام.
أما لو أخذنا نسب المشتغلين الذين تقل أجورهم عن (7) آلاف ليرة شهرياً، فإننا سنجد أن هذه النسبة تصل إلى نحو (38%) في قطاع الزراعة، و(14%) في قطاعات الصناعة والكهرباء والغاز، و(20%) في التجارة والفنادق والمطاعم، أما أقلها على الإطلاق فكانت في قطاع الخدمات بنسبة لم تتجاوز (5%).
وفي عام 2017 تم تعديل فئات الأجر في المسوحات الإحصائية بما يتوافق مع التضخم الحاصل وارتفاع مستويات الأسعار والأجور بعامّة، إذ بدأت تتراوح فئات الأجور بين (15) ألفاً كحدٍّ أدنى وأكثر من (65) ألفاً، وعند هذه المستويات الأجرية الجديدة نجد أن نسب المشتغلين في قطاع الزراعة الذين تقل أجورهم عن (15) ألف ليرة كانت بحدود (6.5%)، وبحدود (2%) في قطاع الصناعة والكهرباء والغاز، و(4%) في قطاع التجارة والمطاعم والفنادق، في حين أنها لم تتجاوز (0.9%) في قطاع الخدمات.
في حين لو أخذنا نسب المشتغلين الذين تزيد أجورهم عن الـ (65) ألفاً شهرياً حسب القطاعات الاقتصادية لوجدنا أن ما نسبته (9%) من المشتغلين في قطاع الزراعة كانت تزيد أجورهم عن ذلك الحدّ، وهم العاملون في القطاع الزراعي المنظم الحكومي أو الخاص أو المشترك، وأن (17%) من المشتغلين في قطاع الصناعة والكهرباء والغاز وقطاع المطاعم والفنادق والتجارة تزيد أجورهم عن ذلك الحد، في حين أن (3%) فقط من المشتغلين في قطاع الخدمات تزيد أجورهم عن (65) ألفاً، علماً أن النسبة الأكبر من المشتغلين في قطاع الخدمات والبالغة (47%) من المشتغلين كانت أجورها تتراوح بين (35-45) ألف ليرة شهرياً.
ولو نظرنا إلى اختلال الأجور وتفاوتها من حيث مكان التوظيف، أي قطاع عام وقطاع خاص، نجد أن متوسط أجور المشتغلين في القطاع العام طوال الأمد الواقع بين (2001/2011) كان نحو (10542) ليرة، في حين أن متوسط أجور المشتغلين في القطاع الخاص كان نحو (8148)، أما في القطاع التعاوني والمشترك، فإنَّ متوسط تلك الأجور كان نحو (10573) ليرة، وبالتالي نجد أن متوسط أجور المشتغلين في القطاع العام والقطاع التعاوني والمشترك تزيد بنحو (29%) عن متوسط أجور المشتغلين في القطاع الخاص.
وتشير البيانات المنشورة حول توزع فئات الرواتب حسب القطاع (عام/خاص/ تعاوني) في عام 2017 إلى أن (1%) من المشتغلين فقط في القطاع العام تزيد أجورهم الشهرية عن (65) ألف ليرة، في حين أن (19%) من المشتغلين في القطاع الخاص تزيد أجورهم عن هذا الحد، وأن (18%) من المشتغلين في القطاع التعاوني والمشترك تزيد أجورهم عنه، كما نجد أن (50%) من المشتغلين في القطاع العام تقع فئات أجورهم ما بين (35 – 45) ألف ليرة شهرياً، في حين أن (19%) من المشتغلين في القطاع الخاص و(20%) القطاع التعاوني تتراوح أجورهم عند الحدود الأجرية السابقة.
سابعاً- سياسات تصحيح اختلالات سوق العمل
تتميز سياسات تصحيح اختلالات سوق العمل بأنها سياسات تداخلية تكامليّة في ما بينها، بمعنى أنه لا يمكن فصل تأثيرات ونتائج الواحدة منها عن الأخرى، فسياسة تحديد الحدّ الأدنى للأجور مثلاً كسياسة تصحيح الاختلال الأجري في سوق العمل هي في جوهرها إجراء قانونيّ، لكن لها نتائج اقتصادية تتمثل في توفير حد أدنى من السيولة لاستمرار تفعيل الطلب الكلي بما يضمن استمرار عمل الجهاز الإنتاجي بشكل أفضل، ولها نتائج اجتماعية تتمثل في توفير ما يسمى بأمن الدخل ومنع الانزلاق إلى الفقر المدقع، وذلك عندما تضمن حداً أدنى من الدخل الكافي لتوفير متطلبات العيش الأساسية وتمتص ارتفاع الأسعار، ولها نتائج سياسية تتمثل في المحافظة على مشروعية النظم السياسية والتقليل من الاضطرابات السياسية، وبأن تلك النظم مهتمة بالعمالة وبأمنها الاجتماعي وأنها تضمن حقوقها المادية.
كما أن أي سياسة عمل موجَّهة لتصحيح اختلال سوق العمل الجندري، فإنها سوف تضمن سلسلة متتابعة من النتائج الاجتماعية الأخرى المتمركزة حول النتائج الاقتصادية والاجتماعية لدعم دخول النساء كدعم القدرة على تعلمهن وتعليم أولادهن، ودعمهن على تحسين دخل الأسرة وإنفاقها بشكل عام، ودعمهن على اتخاذ قرارات خاصة بهن نتيجة استقلالهن المالي المتحقق من عوائد العمل. وبالنتيجة يمكن القول: إن أي سياسة تدخلية لتصحيح أحد اختلالات سوق العمل لا بد وأن تكون لها سلسلة تأثيرات اقتصادية واجتماعية متداخلة، ولا بد وأن تنعكس على قطاعات ومتغيرات اقتصادية أخرى.
وبما أن الاختلال البنيوي في سوق العمل يرتبط بالطاقة الاستيعابية للاقتصاد وقدرته على امتصاص قوة العمل الوافدة للمرة الأولى إليه، أو المتعطلة نتيجة أسباب مختلفة، وبما أن اختلالات سوق العمل تابعة لاختلالات الهيكل الاقتصادي العام، فإن سياسات تصحيح تلك الاختلال لا بد وأن تنصب أولاً وأخيراً على سياسات الاقتصاد الكلي القطاعية من أجل تحفيز وتنشيط تلك القطاعات لامتصاص عمالة جديدة، مثلما يجب أن تنصب على السياسات التمويلية والتشغيلية المباشرة الداعمة لقوة العمل، وبخاصّة أن المرحلة القادمة في الاقتصاد السوري هي مرحلة تحتاج فيها القطاعات كافة إلى عمالة كثيفة ومن تخصصات علمية ومهنية متنوعة تبعاً لاحتياجات إعادة البناء، ولتصحيح ذلك الاختلال، وتحديداً لضمان تقليصه إلى الحدود الدنيا له فإن هذه الورقة البحثية تقترح السياسات الآتية:
ضرورة وجود "استراتيجية وطنية للتشغيل" يتحدد على أساسها العرض والطلب المتوقعين على العمل مدّة 20 سنة قادمة، والسياسات اللازمة لخلق التوازن بين عرض العمل والطلب عليه، كما تتحدّد بوساطتها آليات توزيع قوة العمل على القطاعات الاقتصادية كافة (عام، خاص، صناعة، زراعة، خدمات ...)، وتتحدد بوساطتها أنماط التعليم الأكثر حاجة لتلك العملية، والمؤسسات الاقتصادية الداعمة للتشغيل؛ ذلك كله انطلاقاً من تحديد هيكل الاقتصاد السوري المتوقع مستقبلاً، الأمر الذي يعني بالضرورة ربط التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي بالتخطيط الاستراتيجي للعمل، وتقترح الورقة أن تشرف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على إعداد وتنفيذ تلك الاستراتيجية بوساطة العمل عبر القطاعي مع بقية الوزارات المعنية.
تطوير نموذج لـ "برامج العمل العام"، وهي البرامج الحكومية التي تهدف إلى توظيف السكان المحليين في مناطق محددة؛ ذلك للعمل ضمن مشاريع بنى تحتية تخدم بالدرجة الأساسية تلك المناطق، على أن تكون عملية التوظيف مرتبطة بمدة المشروعات المنفذة (وظيفة مفتوحة)، وأن تكون الأجور أعلى من المعدل الوسطي للأجور في القطاع العام، بحيث تكون تلك المشاريع قادرة على امتصاص عمالة محلية كبيرة متعطلة أو داخلة لأول مرة إلى سوق العمل، وغالباً ما تمتص هذه المشاريع العمالة غير الماهرة والعمالة المهنية والعاطلين عن العمل، وهذا النوع من البرامج يخدم بشكل كبير توجهات إعادة الإعمار، لأن مجالات تطبيقه واسعة جداً، وقد يمتد لمراحل زمنية طويلة، كمشروعات إزالة وترحيل الأنقاض، أو إعادة تدويرها في مكانها، أو مشروعات الصرف الصحي، أو مشروعات تمديد شبكات الكهرباء، أو مشروعات تمديد شبكات المياه، وهنا يمكن الاستفادة أيضاً من إمكانات السكان المحليين من حيث توافر المعدات والآلات ووسائط النقل المتوافرة لديهم أيضاً، وبالتالي تشغيل البشر ومعدات إنتاجهم معاً، وينعكس هذا النمط من المشروعات على تشغيل وتوطين السكان المحليين ويعمق مفهوم المواطنة الاقتصادية، ويمكن تطبيقه في مناطق واسعة جداً في سورية كمناطق ريف دمشق كافة، وريف حمص ومدينة حلب وريفها.
دعم ابتكار وتطوير نظام معلوماتي غير مركزي لـ "تبادل معلومات فرص العمل" بين مراكز التشغيل الأساسية كالمناطق والمدن الصناعية والشركات الخاصة وغرف الصناعة والتجارة والزراعة في المحافظات، تكون مهمة هذه النظام بشكل أساسٍ التقليل من البطالة الاحتكاكية والموسمية التي تنشأ نتيجة انتقال العمال من عمل لآخر، أو نتيجة انتهاء العمل الموسمي لبعضهم، بحيث يقوم ذلك النظام بتحديد التقاطعات بين طلبات العمال الراغبين في العمل والباحثين عنه وفق مهاراتهم (عرض العمل) والذين يتقدمون للحصول على عمل في مراكز التشغيل والشركات، وبين احتياجات طالبي العمال في مراكز العمل الأخرى (الطلب على العمل)، الأمر الذي يعني تحديداً أسبوعيّاً ويمكن أن يكون يوميّاً لتقديرات العرض والطلب على العمل، وتحديد نوعية العمل (عمل دائم، عمل مؤقت لمدة معينة، عمل بدوام جزئي، عمل بأجر يومي، عمل إنتاجي، عمل إداري)، وبالتالي القدرة على امتصاص البطالة وتخفيضها، والفكرة المقترحة هنا هي أن الكثير من الأشخاص يذهبون مباشرة إلى المناطق الصناعية والمدن الصناعية والشركات والأسواق التجارية وإلى أصحاب الأعمال للبحث عن عمل، وفي حال عدم توافر فرصة عمل مباشرة يتم إدراجُ أسمائهم وبيانات العمل الخاصة بهم ضمن النظام المذكور، وطالما أن جميع مراكز العمل ضمن النظام فالشركة أو المنشأة التي تحتاج لعمل ذلك الشخص تطلبه مباشرة.
تركيز الدَّعم على مديرية مرصد سوق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبخاصّة في ما تقوم به من ناحية إنشاء وتطوير نظام بيانات سوق العمل (LMIS) ذلك بربط جميع الجهات والمؤسسات المعنية بسوق العمل ضمن نظام حاسوبي مؤتمت بالكامل، توفير بيانات محدثة (بشكل لحظي) حول قوة العمل (قاعدة بيانات شاملة)، وبدعم "البوابة الإلكترونية" التي تهدف إلى توفير منصة إلكترونية أساسية (مزود خدمة) لمعلومات سوق العمل المتاحة (فرص عمل – تعزيز قدرات)، تحقيق ربط آلي بين طالب العمل وصاحب العمل، وبخاصّة أن هذه النظم في طور الإنشاء ومدرجة ضمن خطة مرصد سوق العمل في عام 2019، وبالتالي فإن إنشاء ونشر مثل هذا النظام سيوفر معلومات دقيقة لصانعي سياسات العمل عن بنية سوق العمل، وسيسهم بشكل فعال في تطبيق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل المقترحة سابقاً.
تركيز الجزء الأكبر من الإنفاق الاستثماري المخصص في الموازنة العامة للدولة على أعمال البنى التحتية الأساسية في المدن الصناعية والمناطق الصناعية، وتحديداً في ما يتعلق بإمدادات الكهرباء من أجل ضمان استمرارية عمل متواصلة لتلك المناطق، وضمان استمرار استقطابها ليد عاملة، فاستمرارية الإنتاج تعني استمرارية التشغيل في نهاية المطاف، ولو أخذنا مثلاً على ذلك، فإنَّ ضمان استمرار تدفق الطاقة الكهربائية إلى المدينة الصناعية في عدرا حتى في سنوات الأزمة (2011/2016) قد ضمن تشغيل نحو (64) ألف مشتغل في المدينة حتى الآن. وفي حال تم تأمين مصادر الطاقة لبقية المدن والمناطق الصناعية بشكل منتظم ودائم كمناطق الشيخ نجار وحسياء والعرقوب والشقيف وتل كردي وغيرها فهذا يعني ضمان آلاف فرص العمل سنوياً وفي القطاع الصناعي تحديداً.
التوسع في إقامة وتنظيم المدن الصناعية في المحافظات السورية كافة على غرار تجارب المدن الصناعية الثلاث حالياً؛ ذلك من أجل تنظيم عملية استقطاب العمالة في بقية المحافظات، وتحفيز العمل في القطاع الخاص المنظم وتعزيز التشغيل في قطاع الصناعة على حساب قطاع الخدمات الأمر الذي يضمن خلق "سلاسل تشغيل" متصلة بالإنتاج الصناعي المباشر كالتشغيل في خدمات الصناعة ذاتها، وقطاع توريدات مواد الصناعة، وقطاعات الإنتاج الداعمة للصناعة الأساسية، والتشغيل في قطاع النقل، والتشغيل في قطاع البيع المباشر، وهنا يمكن القول: إنّه كلما كانت سلاسل إنتاج القيمة في صناعة ما أكثر كلما خلقت تلك الصناعة فرص عمل أكثر، وهنا تلعب وزارة الإدارة المحلية والبيئة الدور المحوري في زيادة نشر وتنظيم هذه المدن كونها المسؤولة المباشرة عنها بموجب أحكام المرسوم التشريعي رقم (57) لعام 2004، والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم (22) لعام 2013، يضاف إلى ذلك أن نشر تلك المدن والتوسع فيها ضمن المحافظات يقلل من انتقال العمالة وتمركزها في المدن الكبرى كحلب وريف دمشق ودمشق، أي أنه يؤدي إلى حالة من الاستقرار الجغرافي للعمالة.
 تعميق نشر سياسة التلمذة الصناعية التي بدأت وزارة التربية في تطبيقها منذ عام 2000 كأحد الأدوات المباشرة لربط مخرجات التعليم بسوق العمل، ولتطوير نموذج التعلم الثنائي (العلمي/المهني)؛ ذلك بنشر مدارس التلمذة الصناعية في المحافظات السورية كافة بوساطة وزارة التربية، وتوسيع التعاون مع غرف الصناعة والشركات الصناعية في تلك المحافظات، بالإضافة إلى نشر الوعي المجتمعي اللازم حول مفهوم التلمذة الصناعية عن طريق وسائل الإعلام المرئي والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعيّ وورشات العمل واللقاءات، الأمر الذي يقلل من مستويات بطالة الشباب ويوائم بين عرض العمل والطلب عليه من حيث توفير نوعية عمل يحتاجها السوق، وتعرف منظمة العمل الدولية التلمذة الصناعية على أنها "تدريب منتظم وطويل الأجل على مهنة معترف بها ويجري فعلياً في إطار منشأة أو تحت إشراف حرفي مستقل، وينبغي أن يحكمه عَقْدُ تلمذةٍ صناعية مكتوب وأن يخضع لمعايير العمل المعمول بها، ويمكن تعريف التلمذة الصناعية أيضاً على أنها البرامج التدريبية التي تجمع بين التعليم المهني والتعلم أثناء العمل، من أجل تطوير مهارة مهنية متوسطة والتي تخضع لمعايير تدريبية مفروضة من الخارج، ولا سيما في ما يتعلق بمكون مكان العمل".
دعم أنشطة المسؤولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص التي يكون لها أنشطة تدريب مؤقت أو تشغيل مؤقت لفئات اجتماعية معينة كإمكانية تدريب خريجين جدد من اختصاصات علمية معينة لمراحل زمنية في قطاعات معينة كالمصارف والتأمين، مثلاً، وبشكل مجاني لإكسابهم خبرة مسبقة للدخول إلى سوق العمل، ويتم دعم أنشطة الشركات تلك من قبل الجهات الحكومية المشرفة عليهم بتنظيم حزم حوافز تشجيعية معينة لها مقابل تعهد تلك الشركات بتدريب أو تشغيل أولئك الشباب، وتقترح الورقة أن تشرف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على تنفيذ تلك الآلية باتفاقات قانونية واضحة بين الوزارة وبقية الجهات العامة المشرفة على قطاعات التدريب، وبين الوزارة والشركات من ناحية ثانية بحيث تكون وزارة الشؤون صلة الوصل والمنظم بين الأطراف تلك.
دعم سياسة التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة بعامّة في المحافظات السورية كافة، ودعمها أكثر في المحافظات التي كانت أكثر تضرراً من غيرها جراء الحرب كحلب وريف دمشق ودير الزور ودرعا، ودعم التي تعمل منها في مجال الصناعة أو التي تستقطب يداً عاملة نسوية أكثر من غيرها، بخاصّة تلك المشاريع الصغيرة التي تشغل من (6 إلى 25) عاملاً وتتراوح قيمة موجوداتها بين (5 إلى أقل من 50) مليون ليرة، وذلك بتوسيع نطاق عمل هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة المحدثة بالقانون رقم (2) لعام 2016 والعمل على توجيه هذه المشروعات إلى المناطق التي بدأت تتعافى اقتصادياً لجذب قوة العمل إليها وإعادة توطين السكان فيها، أي أن تكون سياسة التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة سياسة استهداف جغرافي، وبخاصّة أن تلك المشروعات غالباً ما تعمل في صناعات يحتاجها السوق المحلي ولا تحتاج لاستثمارات ضخمة، وقد تخلق سلاسل تشغيل للعمالة مرتبطة بها كالنقل والخدمات الأخرى.
العمل على تشجيع زيادة عدد مؤسسات التمويل الاجتماعي المرخصة على المرسوم التشريعي رقم (15) لعام 2007، إذ لا توجد حتى الآن سوى مؤسستين مرخصتين فقط وفق أحكام ذلك المرسوم والتي تقدم خدمات التمويل الصغير والمتناهي الصغر، وذلك لما لهذا النمط من التمويل من  تأثيرات اقتصادية واجتماعية في شريحة كبيرة من السكان من حيث توفير فرص عمل ودخول منتظمة لهم، وبالتالي فإنه كلما استطاعت الحكومة زيادة عدد هذه المؤسسات أسهم ذلك في تقليل معدلات البطالة، وأسهم أيضاً في تقليص الاختلال الجندري في سوق العمل كون هذه المؤسسات تستهدف النساء بالدرجة الأولى، وبخاصّة أن حصة النساء من التمويل الاجتماعي في هذه المؤسسات لا تتجاوز (35% في مصرف الإبداع والوطنية للتمويل الصغير و48% في مؤسسة الأولى للتمويل الصغير). وهنا لا بد من منح مزايا اقتصادية خاصة لمؤسسات التمويل الاجتماعي من إعفاءات ضريبية أو تسهيلات اقتصادية ومالية أخرى من أجل تحفيزها وزيادة عددها في الاقتصاد لأهميتها التمويلية الحالية والمستقبلية، وتحديداً في مرحلة ما بعد الأزمة، وهنا يمكن لمصرف سورية المركزي إعادة النظر في القانون رقم 15 لعام 2007 وتطويره بما يتناسب مع مرحلة ما بعد الحرب لجذب مؤسسات تمويل اجتماعي أكثر إلى الاقتصاد السوري، الأمر الذي يساعد على امتصاص عرض العمل النِّسوي بشكل أفضل ويعمل على تحسين دخول النساء وتقليل بطالتهن، وبخاصّة أن ذلك التمويل يستهدف الفئات الاجتماعية الفقيرة والفئات الأكثر تضرراً من نتائج الحرب، كما يدعم الكثير من الأشخاص الراغبين بالانطلاق بمشروع فردي صغير أياً يكن. ويمكن لتلك الجهود أن تتضافر مع جهود وزارة الزراعة التي تلعب دوراً مركزياً في ميدان التمويل الاجتماعي للمرأة وتمكينها الاقتصادي ببرامج تنمية المرأة الريفية الموجهة بشكل كامل للنساء.
تفعيل دور اللجنة الوطنية للحد الأدنى للأجور المنصوص عليها في قانون العمل رقم (17) لعام 2010 وتطوير آلية لتكون قراراتها نافذة وملزمة للقطاع الخاصّ، من أجل حفظ وصيانة حقوق العمال الأجرية فيه، وضبط وتقليل الاستغلال الأجري في القطاع الخاص، وبخاصّة أن القطاع الخاص يشغل نحو (57%) من قوة العمل وفق إحصائيات عام 2017، أي نحو (2.1) مليون مشتغل، فقد نص قانون العمل على أنه تشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء وبرئاسته لجنة تسمى اللجنة الوطنية للحد الأدنى العام للأجور (مادة 69- أ). تضم وزراء العمل والمالية والاقتصاد ورؤساء اتحادات غرف الصناعة والسياحة والتجارة والجمعيات الحرفية ونقيب مقاولي الإنشاءات ورئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، بحيث تصدر قرارات اللجنة بتوقيع من رئيس مجلس الوزراء وتعد ملزمة لأصحاب العمل المشمولين بهذا القرار (مادة 69 – و)، وتتولى اللجنة الوطنية مهمة وضع الحد الأدنى العام للأجور وإعادة النظر فيه للعاملين المشمولين بأحكام هذا القانون، كما تراعي هذه اللجنة في أداء مهمتها الأزمات الاقتصادية وهبوط النقد وسعر صرف العملة الوطنية، والقوة الشرائية والمستوى العام للأسعار وغيرها من المتغيرات الاقتصادية (المادة 70).
تفعيل دور لجان تحديد أجور العمال الزراعيين المنصوص عليها في قانون العلاقات الزراعية، رقم (56) لعام 2004 والمكونة وفق المادة (29) من القانون من كلّ من (مدير الشؤون الاجتماعية والعمل رئيساً‏، ممثل عن الاتحاد في المحافظة عضواً‏، ممثل عن مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي عضواً‏،ممثل عن المحافظة عضواً‏، ممثل عن أصحاب العمل تسميّه غرفة الزراعة في المحافظة عضواً‏، ممثل اتحاد العمال في المحافظة عضواً‏) بما يكفل حدّاً أدنى من الأجور لهؤلاء العمال وفق ما نص القانون عليه ويقلل التفاوت بين أجورهم وأجور العمال في باقي القطاعات، وتحديداً النساء منهم، وبحيث تحدد الأجور على أساس المحافظة ويمكن في المحافظات الواسعة أن تحدد على أساس المنطقة أو عدة مناطق (المادة 31)، ويراعى في تحديد الحد الأدنى للأجور مستوى تكاليف الحياة في المنطقة التي تحدد من أجلها من حيث الغذاء واللباس والتطبيب والسكن والتعليم والنقل ونوع العمل ومشقته (المادة 32).

خاتمة
بينت هذه الدراسة أنَّ سوق العمل في الاقتصاد السوريّ يعاني من اختلالات تاريخية ومزمنة، وقد استمرت تلك الاختلالات في التطور متأثرة بالتغيرات التي كانت تصيب بنية الاقتصاد من حيث التغير في تركيبته القطاعية والتغير في إدارة سياساته، الأمر الذي أثر في مؤشرات قوة العمل كافة، وقد جاءت الحرب لتعمق من تلك الاختلالات بتعميقها لاختلالات البنية الاقتصادية أولاً بما سببته من دمار، والبنية الديمغرافية، وثانياً بما سببته من نزوح وهجرات ووفيات.
ولكن رغم التأثيرات السلبية للحرب في الاقتصاد والمجتمع، إلا أنها ما زالت تشكل في الوقت ذاته فرصة أمام صناع السياسة الاقتصادية السورية بأن يقدموا حزمة متكاملة من السياسات الاقتصادية التي من شأنها تصحيح تلك الاختلالات البنيوية وإعادة التوازنات الاقتصادية/الاجتماعية إلى مستوى أفضل مما كان، وهي فرصة كبيرة لإعادة ربط السياسات الاقتصادية مع سياسات سوق العمل؛ ذلك بإعادة النظر في عملية التخطيط لقطاعات الاقتصاد الوطني لمرحلة ما بعد الحرب.
وفي النهاية، تلعب السياسات الاقتصادية المقترحة في الدراسة دوراً مركباً مباشراً وغير مباشرٍ في تصحيح اختلالات العمل، أو في تقليلها إلى الحدود الدنيا، ويبدو من تلك السياسات تعدد الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات الصلة بالقدرة على التصحيح، الأمر الذي يتطلب فعلياً وجود رؤية حكومية واضحة قادرة على رسم تلك السياسات على المدى الطويل.

المراجع
"لمحة عامة عن نظم وقضايا التلمذة الصناعية"، منظمة العمل الدولية، مكتب العمل الدولي، جنيف، 2012.
أسد، أيهم. اقتصاد وسياسات العمل، محاضرة ألقيت في المعهد الوطني للإدارة العامة، دمشق، 2014.
أسد، أيهم. دور سياسات التمويل الاجتماعي في التمكين الاقتصادي للمرأة السورية (2001/2017). دراسة. دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018.
أولز، مارتن، شونا أولني، مانويلا تومي، "المساواة في الأجور، دليل تعريفي"، منظمة العمل الدولية، 2013.
تقارير هيئة الاستثمار السورية السنوية، التقرير الرابع لعام 2009 والتقرير السابع لعام 2012، رئاسة مجلس الوزراء، هيئة الاستثمار السورية.
الجريدة الرسمية للجمهورية العربية السورية، أعداد مختلفة.
الحاج، حسن. "مؤشرات سوق العمل"، سلسلة جسر التنمية، العدد 16، نيسان 2003، المعهد العربي للتخطيط، الكويت.
السكان والقوى العاملة والتخطيط في الجمهورية العربية السورية (ندوة)، إشراف الدكتور محمد صفوح الأخرس، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1978.
المدينة الصناعية في عدرا (معلومات مباشرة).
المكتب المركزي للإحصاء، المجموعات الإحصائية السورية لأعوام (2001/2018).
مهارات من أجل تحسين الإنتاجية ونمو العمالة والتنمية، منظمة العمل الدولية، مؤتمر العمل الدولي، جنيف، 2008.
موقع مصرف سورية المركزي http://cb.gov.sy
الناصر، فيحاء. "سوق العمل في سورية"، لمحة عامة، ورقة بحثية غير منشورة، الوكالة الألمانية للتعاون الفني - دعم الإصلاح الاقتصادي السوري، مكون سوق العمل والسياسات الاجتماعية، دمشق، 2009.
 وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وزارة الصناعة السورية.

 

سيريا ديلي نيوز _ مركز دمشق للأبحاث والدراسات /مداد


التعليقات