يبدو أن مرحلة الشعور بعدم الاستقرار للمواطن السوري من ظروف الخدمات العامة تنسحب أيضاً على المؤسسات المصرفية، فالمواطن الذي يعاني من ارتفاع أسعار المواد بشكل عام والذي يستمر تحميله لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، بما في ذلك المنتجات المحلية أو الموجودة في السوق من أيام سعر الصرف المنخفض، يراوده بين الحين والآخر مقولة الحاكم الأسبق لمصرف سورية المركزي بأن الارتفاع وهمي، هذا الوهم مستمر أمام وعود مؤجلة أو قد يطول تحقيقها من قبل جهات متعددة، تعنى بتأمين حاجاته الأساسية من محروقات وكهرباء ولاسيما أسطوانة الغاز، والمبرر الرسمي؛ ظروف المقاطعة الجائرة على وطننا الغالي.

وبين الشدّ والجذب، يكون أمل المواطن في الحصول على قرض، قد يساعد في تأمين بعض الاحتياجات الضرورية، أو تأمين استقرار في جانب من جوانب حياته، متغاضياً عما يمكن أن يصيبه لاحقاً من تبعات القرض الاستهلاكي، وأقساطه المرهقة على دخله القليل أصلاً، وهذا النوع من القروض يختلف عن القروض الاستثمارية التي تستطيع من إيرادات استخدامها تسديد الأقساط، لكن المواطن في النهاية يسير على المقولة الشعبية «أحييني اليوم وأمتني غداً»، ورغم ذلك يصطدم بواقع آخر حول طريقة منح هذه القروض وشروطها وضماناتها، وفي كل الأحوال أمام هذه النظرة العامة تكون المصارف العامة هي المعنية في هذا الشأن، في حين المصارف الخاصة كأنها تعيش في واد آخر.

القرض أصبح فرضاً لكنه مختلف على الأرض!

نبدأ من المصرف التجاري الذي أعلن عن حزمة من القروض تتراوح بين المتوسطة وطويلة الأجل، ومتنوعة بين قروض تجزئة استهلاكية وقروض مهنية وشخصية، وقروض لغايات التعليم وترميم المنازل، وجميع هذه القروض تحتاج إلى ضمانات عقارية تغطي على الأقل 200% من قيمة القرض، وأقلها يحتاج إلى رواتب كفلاء، وكذلك قروض تنموية موجهة لأصحاب المشاريع التنموية من توليد طاقة ومقاولات ومشاريع صناعية وإنتاجية بفائدة مميزة عن القروض الأخرى، بهدف دفع العملية التنموية إلى الأمام، وهذه الحزمة من القروض مؤجلة لحين وضع التعليمات التنفيذية لها، والتي ستصدر في فترة قريبة.

قروض متنوعة، لكن أمام صعوبة تأمين الضمانات العقارية اللازمة، ولاسيما فيما بعد ظروف الخروج من حرب أثرت على ضمانات المقترضين، خاصة في المناطق المراد دفع العملية التنموية في اتجاهها؛ وبالتالي لن يتمكن من تقديم هذه الضمانات إلا المقترضون في المناطق الآمنة، أو التي لم تتأثر بالعمليات التي قامت بها العصابات الإرهابية المسلحة.

حتى القروض التي تحتاج إلى رواتب كفلاء لن تكون لعدد كبير نتيجة «المصائب» التي حدثت خلال الفترة السابقة للكفلاء من الكفالة، حين اضطر قسم كبير منهم لتسديد القروض نيابة عن المقترضين في قروض التسليف الشعبي ومصرف التوفير أو في تسهيلات الـ«سيريا كارد»، نتيجة سفر أو غياب المقترضين الأصليين، فمن يجرؤ اليوم على الكفالة إلا في حدود ضيقة جداً مقربة من المقترض، فيما عدا الضغوطات التي أصابت بعض الكفلاء نتيجة إجراءات اللجان المشكلة لتدقيق قروض المصارف العامة.

بدوره مصرف التوفير أصدر تعليماته لقروض أصحاب المهن العلمية من أطباء ومهندسين وصيادلة من دون تحديد لغايات استجرار القرض، ضمن شروط متعلقة بالعمر أقل من /65/ سنة حين تقديم الطلب، مع تقديم ضمانة عقارية لا تقل عن 150% من قيمة القرض الممنوح المحدد سقفه بمبلغ /50/ مليون ليرة سورية، لأجل أقصاه عشر سنوات، وإضافة للضمانة العقارية يتم تقديم سندات بمبلغ القرض تشمل القرض مع فوائده موقعة من المقترض، رغم اختلاف معطيات المرحلة التي نعيشها اليوم مازال الفكر التقليدي يحكم عمل مصرف التوفير وغيره من المصارف العامة، فما هو الجديد الذي قدمه المصرف في واقع الظروف الحالية التي يمر بها الوطن والمواطن، مثال ذلك ما فائدة السندات وما هو مبررها القانوني اليوم، علماً أن السندات لم تكن يوماً ضمانة لأي قرض ممنوح باعتبار أن عقد القرض في حدّ ذاته هو سند تنفيذي كما ورد بقانون إحداثه والقانون رقم /19/ لعام 2014، السندات وجدت في مرحلة سابقة من أجل إعادة التجهيز من قبل مصرف سورية المركزي، واليوم المصارف العامة كمصرف التوفير يعاني من فائض سيولة يجب استغلاله، وهو بكل تأكيد ليس بحاجة لإعادة تجهيز في حالات نقص السيولة، أي ستكون عبئاً إضافياً على المقترض برسم الطابع المفروض عليها مع التكاليف الملزم بها أصلاً للحصول على القرض حيث أصبحت هذه الشروط مرهقة جداً ولا تتناسب مع الظرف الحالي، من عمولات مختلفة كعمولة الارتباط ورسم الطابع المرتفع ومعاملة الرهن وتكاليفه العالية، والنفقات المختلفة من رسم كشف وأجور مهندسين ومواصلات والتي سوف تستهلك جزءاً كبيراً من مبلغ القرض قبل الحصول عليه بمجملها التقديري قد تتجاوز 10% من مبلغ القرض فيما عدا الأعباء اللاحقة من فوائد وفوائد تأخير في حال حصول ظرف طارئ للمقترض.

المصرف العقاري بعد تفعيل عدد من أنواع قروضه التي كان يمنحها سابقاً كالقرض التنموي وقروض الشراء والاكساء والتي شهدت إقبالاً مقبولاُ إلى حد ما، وفق المنطقة الجغرافية لفروع المصرف ولخبرة المصرف العقاري في هذه الأنواع من القروض، أطلق قرض «سيريا كارد»، والأصح فتح حساب بسقف مدين للعاملين الموطنة رواتبهم لدى المصرف، وبمجرد إطلاق هذا القرض شهدت فروع المصرف حالة من الإقبال الجيد لمعرفة الشروط والمبالغ الممنوحة وذلك نظراً لوجود عدد كبير من العاملين الموطنة رواتبهم لدى المصرف العقاري، لكن الصدمة اللاحقة كانت لهم حين أعلن بعد يومين فقط من الإعلان السابق عن توقف هذا القرض بسبب عدم حصول المصرف على موافقة من مصرف سورية المركزي، رغم أن هذا النوع من القروض معمول به سابقاً لدى المصرف وشروطه معروفة ومقبولة من قبل العاملين الموطنة رواتبهم بالمصرف العقاري لأن معدل الفائدة الشهري يطبق على المبلغ المستجر من القرض في الحساب المدين.

ننتقل في الاستعراض إلى الرقم الصادم الصادر عن موقع هيئة الأوراق المالية، حيث ذكر الموقع أن موجودات المصارف الخاصة تجاوزت 2. 2 تريليون ليرة سورية، وللإيضاح فإن الموجودات لا تعني السيولة أو المبالغ التي يمكن تخصيصها في عمليات التسليف، لكن من خلال مراجعة بعض الأرقام الواردة في الموقع يستدل على وجود سيولة كبيرة لدى هذه المصارف، في مقابل ذلك تشكل حالة الحصول على قرض من هذه المصارف حالة صعبة جداً إلا لشريحة محددة من المواطنين لديهم ضمانات كافية وأعمال تجارية مختلفة، حيث تتجنب هذه المصارف ما أمكن المخاطر التسليفية، وضمان أرباحها مستمر، والتي يدخل ضمنها فوارق سعر الصرف، وبالتالي يحق للمواطن العادي التساؤل؛ لمن هذه المصارف؟ وما هو دورها في العملية التنموية أو ما يمكن أن تقدمه في مرحلة إعادة الإعمار بشكل عام؟ إلا إن كانت عيونها مستقبلاً على الشركات الكبيرة الخاصة التي تعتزم بناء ضواح ومدن سكنية وفق مواصفات عالية الجودة سيتأملها المواطن ذو الدخل البسيط من بعيد، أو أنه سيتمكن من أخذ صورة بجانبها، يضعها أمام صورة منزله الذي تركه قبل أن يستباح من قبل المسلحين.

أخيراً، ومن حيث بدأنا استعراض الواقع المصرفي، نعود إلى الارتفاعات المتتالية في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء ليصل إلى نحو 535 ليرة سورية للدولار الواحد متجاوزاً السعر المحدد في نشرة مصرف سورية المركزي بحوالي 100 ليرة سورية، مما سبب حالة ركود في الأسواق بشكل عام، المتأثرة أصلاً بانخفاض دخل شريحة كبيرة من المواطنين، المعالجات المطروحة من قبل مصرف سورية المركزي حالياً بقراراته الصادرة خلال الشهر الماضي كرفع سعر الفائدة على الودائع بالقطع الأجنبي، وقراره بمضاعفة قدرة المصارف العاملة على تمويل طلبات الاستيراد من خلال رفع نسبة الاحتفاظ بمراكز القطع التشغيلية المدينة والدائنة إلى 2% بدلاً من 1% من مجموع عناصر الأموال الخاصة الأساسية الصافية للمصارف المسموح لها التعامل بالقطع الأجنبي، بهدف تأمين متطلبات تمويل المستوردات وخاصة للقطاع الإنتاجي، فالقرار الأول لم تشهد ودائع القطع الأجنبي بالأصل الإقبال المتوقع، وضجيجها الإعلامي كان أكبر من الواقع العملي لها.

القرار الثاني، وإن كان يتيح هامشاً أوسع للمصارف للاحتفاظ بالقطع الأجنبي لكن نظرة التجار في النهاية تتجه إلى الربح السريع في ظل ظروف عدم الاستقرار، مستفيدين من فوارق سعر الصرف بين نشرة مصرف سورية المركزي والسوق السوداء، وفي هذه الحالة يعمل التجار كالمنشار الذي يأكل على الحدين، طالما يعدلون أسعار موادهم المستوردة المطروحة بالسوق للاستهلاك المحلي بشكل شبه يومي وفق أسعار سوق صرف العملات الأسود على جيبة المواطن.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات