عرفت بمجمع المنشآت الصغيرة أو المتوسطة، تحولت إلى ساحة حرب، دمرت فيها المنشآت الصناعية والبنى الاقتصادية، بعد سرقة محتوياتها، لتصبح أكوام من الأنقاض، هذا ما جرى في ريف دمشق.

يدفع أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة تكلفة باهظة نتيجة الحرب التي دمرت منشآتهم ومعاملهم، وأرغمت قسماً منهم على مغادرة البلاد، بينما اضطر من بقي منهم في سورية، إلى تحمل أعباء إعادة بناء منشآتهم والتوسط لدى الحكومة للوقوف إلى جانبهم، وتقديم الخدمات لهم من ماء وكهرباء وغيرها من المستلزمات الضرورية لإعادة انطلاقهم من جديد، علّ القدر يكون إلى جانبهم في مرحلة إعادة الإعمار.

الصناعيون يتكلمون…

«العبء وقع على عاتقنا وحدنا دون مساعدة أحد» بهذه الكلمات بدأ الصناعي محمود البرشاوي الذي يعمل في مجال المنسوجات حديثه لـ «الأيام»، لافتاً إلى أن الدمار الشامل الذي وقع في حي جوبر أوقف عمله في منشأته الصغيرة، التي كانت مصدر رزق لعشرين عائلة على الأقل…

يضيف البرشاوي: انتقلنا للعمل في وسط المدينة ضمن بناء سكني، وهذا ما تسبب بانخفاض الطاقة الإنتاجية لمعملنا إلى الربع، مقارنةً بالكميات التي كنا ننتجها في السابق.

ويشرح البرشاوي أصعب ما يواجهه الصناعي هو موضوع الأمن والاستقرار، ليستطيع الحفاظ على صناعته، فمساحة كبيرة من المناطق مهدّمة، بالإضافة إلى صعوبة تأمين العمالة، فغالبية الشبان هربوا خارج البلاد، ولتعويض هذا النقص في العمالة ولتأمين اليد العاملة المطلوبة، قمنا بتنظيم دورات للشبان والشابات وخصوصاً من النازحين، كي نستطيع سد حاجتنا من جهة وبما يساعد هؤلاء النازحين، ويؤمن لهم رواتب معينة من جهة أخرى.

بدوره، يقول الصناعي موفق الشباني، العامل في قطاع الغذائية لـ «الأيام» واجهتنا صعوبات في أمور النقل والشحن والتسويق، وأيضاً في مجال توفير الطاقة والكهرباء، رغم أن الحكومة اجتمعت بنا كثيراً ولكن لم نجد أي نوع من الدعم للنهوض بعملنا، ولا حتى كنوع من الترميم لما خربته الحرب، فكانت كلمات المسؤولين عبارة عن إبرة بنج لنا، و مجرد وعود، ومع الانقطاع المستمر للكهرباء، اضطررنا لشراء المولدات والتي يتطلب تشغيلها تأمين مادة المازوت بأسعار مضاعفة عن السعر الرسمي لعدم توافر المادة، كل هذه التكاليف الإضافية تم تحميلها على كلفة المنتَج النهائي للمستهلك والتي زادت بنسبة 75%، كما تأثرت أرباحنا وأيضاً المردود المادي الذي يعود توزيعه على العاملين في المنشأة.

وزير المالية يعد…

وفي الوقت الذي يؤكد  وزير المالية مأمون حمدان في تصريحاته، استعداد الحكومة لتقديم الدعم والمساعدة لأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة من أجل تطوير قدراتهم، نظرا لدورها الاقتصادي في تحقيق أعلى نسبة ممكنة من القيم المضافة على المنتجات الأولية وتشغيل الأيدي العاملة، واعداً  بدراسة مطالب الصناعيين المتضررين وتنفيذ ما يمكن تنفيذه فوراً، ومن ضمنها إعادة دراسة رسوم الإنفاق الاستهلاكي، وجدولة القروض المتعثرة، ومنح الصناعيين الحاليين المحفزات الواردة في مشروع قانون الاستثمار الجديد، وإيجاد آلية آمنة لنقل زيت الغار، وإعادة النظر بقرار مجلس النقد والتسليف بشأن رصيد المكوث.

10 من أصل 100 تم صرف تعويضاتهم

يؤكد مصدر من المحافظة لـ «الأيام» أنه لم يتم صرف التعويضات إلا لعشرة صناعيين، بقيمة 20 مليون ليرة سورية من أصل 100 صناعي، قام بتقديم وثائق للأضرار بالمنشآت الصناعية، مبيناً أنه وفقاً لقرار الحكومة اقتصرت التعويضات على المباني الإنشائية، حيث أن طريقة تقدير الأضرار الإنشائية تخلو من العدالة، إذ يتم تقدير التعويض بنسبة صغيرة من قيمة الأضرار الإنشائية للمنشأة. ويبيّن المصدر أن المشكلة الأكبر التي تواجه الصناعيين هي في التعويض على المعدات، والتي تعد العبء الأكبر للصناعي حتى يتمكن من العودة إلى مجال الإنتاج.

وأضاف المصدر أنه تم تشكيل لجنة خاصة للكشف على المناطق الصناعية التي أعاد إليها الجيش السوري الأمن، لصرف التعويضات للصناعيين الذين تضررت منشآتهم  وفق شرائح  حجم الأضرار، بحيث يتم صرف 30% للمنشآت الصناعية الصغيرة التي لم تتجاوز أضرارها خمسة ملايين ليرة، في حين تعوض فقط بعشرة ملايين ليرة المنشآت الكبيرة التي تصل أضرارها إلى مائة مليون ليرة.

 وبحسب المصدر كان من المفترض أن يتم صرف 300 ألف ليرة لكل صناعي متضرر، في حين أن قيمة الأضرار التي تفوق 1,5 مليون ليرة تعرض على رئاسة مجلس الوزراء للنظر بها، مبيناً أن هذه التعويضات لا تشمل الأضرار التي لحقت بالسيارات والمسروقات من الأثاث والمصاغ ومحتويات المنشآت والمحال التجارية.‏ ‏

العمل الفعلي لم يبدأ

من جهته، يقول رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس في تصريح لـ «الأيام»: لم نبدأ بشكل فعلي بريف دمشق بانتظار الانتهاء من العمل (مرحلة تلو أخرى)، ابتداءً من حرستا ودوما وعربين ومناطق كثيرة أخرى، مبيناً أن المناطق التي يتم العمل فيها حالياً هي مجمع الزبلطاني الذي يوجد فيه 700 كتلة بيتونية من دون تسجيل أضرار كبيرة، مشيراً إلى أنه وفور إيصال الكهرباء سيتم إعادة إقلاع هذه المنشآت من جديد، وكذلك الأمر في منطقة القدم فهناك 450 منشأة، لافتاً إلى أن الصناعيين متحمسون للعودة إلى العمل، وأنهم وقعوا على أنفسهم تعهداً بالعمل بمجرد إيصال الكهرباء إلى منشآتهم، مشيراً إلى أن معظم أصحاب المنشآت أكدوا أنهم لا يحتاجون لستة أشهر وإنما خلال شهرين ستكون منشآتهم قد أقلعت ولديهم عمالة جاهزة.

وأضاف الدبس: يوجد في منطقة جوبر 710 منشآت موزعة بين صغيرة ومتناهية الصغر، فهي جميعها دخلت في الخدمة في حال لم تكن هناك مخالفة مسجلة بحق المنشأة، مبيناً أن جميع المخالفات ستتم إزالتها ولن يسمح لأحد بالبناء في المكان الذي أقيمت عليها المنشأة المخالفة.‏

وبحسب الدبس، ينصبّ التركيز حالياً باتجاه جعل جميع المنشآت نظامية لا مخالفة خاصة وتحديداً في منطقة القدم كون نصفها تقريباً يندرج ضمن المخالفات والقسم الآخر للمحافظة وهو منظم أصولاً.‏

وكشف الدبس أن عدد المنشآت التي دخلت فعلياً العملية الإنتاجية وصل إلى 200 منشأة، مشيراً إلى أن حجم الدعم الذي قدمته الدولة لتأهيل البنى التحتية وإعادة المنشآت الصناعية للعمل وصل (حتى تاريخه) إلى 3 مليارات ليرة في كل من مدينتي دمشق وريفها، أمّا التكاليف التي تم دفعها من قبل الصناعيين فهي متفاوتة حسب كل منشأة ووضعها، مبيناً أن الدولة قدمت تسهيلات للصناعيين لإعادة ترميم المنشآت من خلال قروض بفائدة 6%، بالإضافة إلى الصناعيين الذين نظموا ضبوطاً بالمحافظة بقيمة الأضرار، وقد قامت الدولة بتعويضهم عن أضرارهم بمبالغ وصلت قيمتها إلى 10 ملايين في حال كانت الأضرار موثقة وللبناء حصراً.

الأضرار تتكلم…

تقدر مديرية صناعة ريف دمشق قيمة الأضرار المادية التي لحقت بالمنشآت الصناعية في المحافظة بنحو 530.32 مليار ليرة منها أضرار مباشرة بنحو 441.28 مليار ليرة وأضرار غير مباشرة بقيمة 089.4 مليارات ليرة تعود لـ 251 شركة، تتوزع بين 28 شركة في القطاع الغذائي و55 شركة هندسية و86 شركة نسيجية و85 شركة كيميائية و7 شركات دوائية.

وأشار التقرير الذي حصلت «الأيام» على نسخة منه، والمعتمَد من قبل وزارة الإدارة المحلية، إلى أن الصناعة في ريف دمشق تواجه صعوبات نتيجة الأزمة الراهنة، ما انعكس سلبا على الاستثمارات في هذه المحافظة التي تعد من أكبر المحافظات، والتي يصل عدد المنشآت فيها إلى 16519 منشأة صناعية وحرفية، وبين التقرير إلى انخفاض رقم العمل بنسبة 75 إلى 80 %.

غياب التشريعات الناظمة للعمل

وفي الوقت الذي تخرج به هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن صمتها، لتؤكد في تصريحات عديدة على وجود برامج لدعم وتطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى لزيادة إنتاجية المشروعات الصغيرة والمتوسطة القائمة، وتحسين أدائها والمساهمة في زيادة حجم الصادرات الوطنية وتنويعها، وتخفيض أعبائها وتعزيز المركز التنافسي لمنتجات المشاريع الصغيرة والمتوسطة أمام السلع الأجنبية المماثلة، وتمكينها من ولوج الأسواق الخارجية.

ويؤكد المحلل الاقتصادي أنس البقاعي في تصريح ل «الأيام» إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة من أهم القطاعات، حيث تأخذ نسبة 90% من المشروعات حول العالم، وتؤمن ما بين 50 – 60% من فرص العمل، إضافة إلى أن 46% من الناتج المحلي العالمي ينتج عن هذه المشروعات ما يعكس بوضوح أهميتها على مستوى الاقتصاد العالمي، ولكن ما يحدث على صعيد قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية يثير العجب، ولا يبشّر بالنتائج المرجوة من وجودها، كما يصب في خانة اللامعقول.

ويضيف البقاعي أن هناك أكثر من 18 جهة حكومية تعنى بهذا القطاع في سورية، وكل جهة تعمل لوحدها من دون تنسيق، وجميعها لا تملك تعريفا واضحا وجامعا لهذه المشاريع، والغريب حول الدعم هو غياب البيئة التشريعية الناظمة لعملها والضمانات المصرفية الكبيرة، رغم أننا في الوقت الذي يحتاج إلى أن تكون الجهات الحكومية متضامنة وداعمة لهذه المشروعات، كونها تساهم في توفير العرض السلعي والخدمي، وفتح باب المنافسة وتطوير الأداء بشكل أفضل.

ويشير البقاعي إلى أن هذه المشروعات تواجه في سورية مشاكل الحصول على التمويل الذي يتطلب تقديم ضمانات كبيرة تصل إلى حدود 200% من قيمة المشروع، مع العلم أن هذه القروض هي قروض قصيرة الأجل، ومعدلات الفائدة عليها تكون مرتفعة، لذلك فإن الغالبية العظمى من أصحابها تلجأ إلى التمويل الذاتي، لافتاً إلى غياب البيئة الداعمة، إضافة إلى غياب ثقافة زيادة الإيداع بالشكل المطلوب رغم أن أكثر من 85% من المشاريع القائمة في سورية هي مشاريع صغيرة ومتوسطة.

خلاصة القول…

 على الرغم من الوعود التي تقدمها الحكومات المتلاحقة لزرع نوع من الأمل في نفوس ما تبقى من العاملين في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلا أن عدم اتخاذ القرارات الصحيحة وغياب خطط الدعم لها، حال دون إنعاشها والنهوض بها، لتأتي الحرب وتضرب بقسوة معظم المنشآت، فالأزمة التي تعانيها هذه المنشآت سبقت الحرب وليست وليدة لها، والنهوض باقتصاد سورية يتطلب دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ‏

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات