من لا يملك سكنا في وطنه ليس له وطن، وما يشكل لدينا حلما هو حق في الدول الأخرى، وأما الجهة التي ستنصف شباب اليوم فلم تزل تجهل ما عليها فعله.

أزمة السكن من المشاكل المزمنة التي لم تلد لا اليوم ولا في ظل الحرب، ولكن وكالعادة لم نجد ما يتحمل مصائبنا وأخطائنا سوى تلك الحرب.

وإذا كان الفكر الاستثماري الحكومي الخاطئ يتبرأ من كل أزمة ومشكلة ويحمّل الحرب ثمنها، فهو دليل آخر على فشل آخر في حماية مواطن يتعرض لحربين الأولى أمنية والثانية اقتصادية معيشية.

التزام الحكومة بالسكن

تبلغ النسبة التي تلتزم بها الدولة بتأمين سكن لمختلف أنواع المواطنين 12% فقط، مقابل التزام يبلغ 13% من جانب قطاع التعاون السكني، ليصبح مجموع النسبتين 25%، وأما النسبة الباقية تقع على عاتق القطاع الخاص.

وبحسب ما رأى معاون وزير الإسكان مازن اللحام فإن السبب الذي منع الدولة من الالتزام بالنسبة الأكبر من التشييد، هي أولوياتها المختلفة في مختلف القطاعات سواء الصحة أو التعليم.

في الوقت الذي رأى فيه رئيس اتحاد التعاون السكني زياد سكري أن الدولة تنظر إلى السكن باعتباره سلعة في السوق، بينما يراه التعاون السكني حاجة اجتماعية، كما رأى سكري أن الحصة الأكبر من المفترض أن تكون للتعاون السكني بدلا من القطاع الخاص باعتباره يمثل المجتمع الأهلي.

أزمة إسكان لا سكن

تحدث سكري حول الفرضيات القائمة بشأن القطاع السكني في سوريا قائلا «كانت الحكومة تنطلق من خططها بأن الوظيفة الاجتماعية للمسكن تمس شريحة معينة من المواطنين وليس جميعهم، ولذلك عملت على تقديم مساكن لموظفي الدولة وأساتذة الجامعات وللعمال، بينما رأينا في التعاون السكني أنه من واجبنا أن نقدم مسكنا لذوي الدخل المحدود-

وأضاف سكري «الدولة تعتبر أنه لا يوجد أزمة سكن في سورية وإنما أزمة إسكان»

وتعني أزمة الإسكان أن عدد المساكن الموجودة في سوريا توازي عدد الأسر أو تزيد ولكن المشكلة هي سوء توزيع هذه المساكن، وكان الاستناد في هذا التقييم على إحصاء تم عام 1994 وأظهر أن عدد المساكن الفارغة في سورية حوالي 483ألف مسكن، وعندما تم تكرار هذا الإحصاء لمرة أخرى بعد 10 سنوات، أي في عام 2004 ظهر لديهم أن العدد ارتفع إلى 518 ألف مسكن فارغ، ولذلك اعتبرت الدولة أنه طالما يوجد مساكن فارغة وغير مسكونة فالمشكلة هي أزمة إسكان وليس سكن.

وأكد سكري أننا كنا نصرّ في جميع مؤتمراتنا على أن الأزمة في سوريا هي أزمة سكن لأن هذه المساكن الفارغة إما هي لأشخاص يملكون مسكنين، أحدهما في مكان الإقامة والعمل والآخر في مكان الولادة، أو هي مساكن مغلقة لغرض الإتجار بها، والدليل على ذلك وجود 157 منطقة عشوائية في سورية يقطن فيها 40% من السكان.

معادلة التعاون السكني

يقوم التعاون السكني على معادلة قوامها الأرض والقرض، أي توفير الأرض أولا ثم عملية التمويل من أجل البناء، وأشار سكري إلى أن التعاون السكني قطاع أهلي، وإذا لم تقدم له الدولة الأرض فلن يستطيع أن يقوم بتشييد أي مسكن، حتى عام 1995 كانت الأراضي متوفرة والقروض ميسرة وكافية للحصول على مسكن مع 40% من الراتب، ولكن بعد التضخم الذي حصل في سوريا في عام 2010، لم يعد تقديم قروض بالأمر السهل، وأصبح التعاون السكني أمام مشكلة والتي هي الندرة في توزيع الأراضي وانعدام القروض الحكومية، وكل ما تم تشييده خلال الأزمة من مساكن تابعة للتعاون السكني كان تمويلا ذاتيا، وحتى عام 2010 شيّد التعاون السكني ما يقارب ربع مليون مسكن في مختلف المحافظات.

قانون التعاون السكني المعدل

تحدث سكري حول أهم النقاط التي تناولها قانون التعاون السكني المعدل، والتي هي البدء بإشادة ضواحي تعاونية سكنية خاصة في ظل النقص الكبير في عدد المساكن والناتج عن عدم اهتمام الحكومة.

وأضاف: «تشير بعض الدراسات غير الرسمية إلى أن عدد المساكن المدمرة في سورية، بفعل الإرهاب، بلغ مليون ونصف منزل، بالإضافة إلى وجود نقص بحدود 500 ألف مسكن وهو ما يعني الحاجة إلى مليوني مسكن تقريبا».

ولفت سكري إلى أن الاتجاه الحالي ينحو باتجاه تشييد ضواحي سكنية متكاملة، من قبل قطاع التعاون السكني عن طريق اللجوء إلى شراء أراض على حدود المخططات التنظيمية، بسبب الفرق الكبير في السعر بين المناطق المنظمة أو تلك التي لم تخضع للتنظيم، وبعد الشراء سيقوم التعاون السكني بتشييد هذه المساكن وتقطيعها وإفرازها، أي سيقوم التعاون السكني بتشييد كامل المنطقة بشرط ألا تكون أراض زراعية، وتم الاتفاق على تشييد 2000 مسكن على الأقل في أي ضاحية.

وأما النقطة الثانية التي تناولها التعديل فهي وجود صندوق خاص بالإقراض للجمعيات السكنية، عن طريق مصرف خاص بالتعاون السكني بحيث يتمكن العضو في التعاون السكني أن يسدد أقساط منزله بوساطة القرض بالإضافة إلى 40% من الراتب، ويتم تسديد القرض على مدى 20 أو 25 عاما.

وقال سكري: « طرحنا على الحكومة موضوعا يقضي بدخولنا إلى مناطق السكن العشوائي، واقترحنا أن نأخذ منطقتين، الأولى هي الدخانية في دمشق والثانية هي المعصرانية في حلب، وفي معظم العشوائيات التي سننظمها سنقوم بتشييد منازل للمواطنين في المنطقة نفسها»

الإسكان: نتابع ونعمل ولم نتوقف

معاون وزير الإسكان مازن اللحام تحدث عن المحاولة على رفع نسبة مساهمة الدولة في القطاع السكني ضمن الحدود المتاحة، وأشار إلى أنه خلال ال 7 سنوات الماضية لم يتوقف أي مشروع عن الاستكمال على الرغم من حصول بعض التعثر نتيجة الظروف وصعوبة تأمين بعض مواد البناء، لافتا إلى انه تم تخصيص 24 ألف مسكن بشرائح مختلفة، ويوجد خطة لتخصيص 7000 مسكنا في العام الحالي.

كما أشار اللحام إلى سعي حالي لإطلاق ما يسمى المجتمعات العمرانية في دمشق مثل ضاحية الفيحاء التي تم تخصيص جزء منها للمؤسسة العامة للإسكان والآخر للتعاون السكني، تتسع ل 11 ألف وحدة سكنية موزعة على أبراج ب 9 طوابق وأبنية طابقية ب 4 طوابق وذلك بحسب معايير التخطيط العمراني.

وقال سكري: «نفكر حاليا بشراكات مع القطاع الخاص عن طريق شركات التطوير العقاري، واليوم نسعى إلى تعديل قانون التطوير العقاري بما يعطي ميزات أكبر للمستثمر ويشجعه على الاستثمار».

تقنيات بناء حديثة

عندما كان يتجه التفكير العالمي نحو تشييد سريع بكلفة أقل وزمن أقصر لم نكن نملك مفهوما عن أهمية عامل الزمن، وأما اليوم فلا بد من تطور في تكنولوجيا تنفيذ الأبنية كي نردم فجوة التأخر في العمل.

وحول هذا الأمر أكد اللحام أن موضوع البحث عن تقينيات تشييد حديثة قيد البحث مع الدول الصديقة، ويوجد عدة مباحثات سترى النور قريبا.
وحول الجودة المتدنية للمنازل المقدمة من وزارة الإسكان قال اللحام: «تلافينا هذه النقطة من خلال التعاون مع عدد من الجهات من بينها نقابة المهندسين من أجل الإشراف على التنفيذ»

قبل أن يطلب من مواطن الحرب الأخلاق الحسنة يجب على أصحاب الأمر إشباع حاجاته الاقتصادية أولا، خاصة وأن البلدان لن تعمر عندما يجوع أهلها.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات