عشرات الملايين من الأطفال عبر العالم يعملون لإعالة ذويهم سواء بطرق شرعية أو استغلالية، ومع ذلك قدرت اليونيسيف أن حوالي 150 مليون طفل بأعمار تتراوح بين 5 الى 14 عاماً يعملون في البلدان النامية، و بلغت نسبة الأطفال الذين يعملون بدوام كامل 16%.

تشير الاحصائيات الى أن عدد الفتيان المنخرطين في عمالة الأطفال فاق عدد الفتيات، إلّا أن العديد من أنواع الأعمال التي تنخرط فيها الفتيات غير واضحة للعيان.

وتزداد نسبة العمالة في الدول التي انتشرت فيها الحروب خلال السنوات الماضية، ففي سورية مثلاً ارتفعت نسبة عمالة الاطفال من 10% قبل الحرب الى 20% بعدها، حيث اضطر معظم الأطفال للانغماس بأعمال شاقة ومتعبة لا تتلاءم مع بنيتهم الضعيفة كنقل وتحميل البضائع وصيانة السيارات والمكننة وغيرها.

ولكن القسم الاّخر تعرّض للاستغلال على يد أرباب عمل يديرون شبكات منظمة احترافية لتشغيل الأطفال كمشردين في الشوارع إما لمسح زجاج السيارات أو لبيع الورود والعلكة وغيره من الأعمال المُذلة للطفولة، فتراهم ينتشرون تارة تحت حر الشمس اللاذع وتارة أخرى في صقيع البرد القارس دون ثياب كافية تقيهم شر الاثنين أو حتى حذاء يمنع عنهم ألم كل خطوة يخطونها نحو لقمة عيشهم، فهم لا يستطيعون العودة الى منازلهم دون تأمين المبلغ المتفق عليه مع رب العمل بمحاولة من الأطفال لتجنب التعنيف والترهيب وحتى الضرب من قبل صاحب العمل، وكل ذلك طبعاً دون رقيب أو حسيب من الجهات المعنية.

كما نرى في الوقت الراهن أن المنظمات المسؤولة عن الطفولة والوزارات المسؤولة عن شؤون الأسرة مغيبة تماماً عن ممارسة دورها وعن منع تلك الهفوات من الحدوث، فهل يعقل أن تترك فتيات بعمر الورود مشردة بالشوارع كلقمة سائغة للذئاب البشرية، في الحقيقة لا نعلم هل جميع الفتيات القاصرات المشردات تعرضن لعنف جسدي وجنسي أم لا، فهل يا ترى عملت الجهات المعنية على وضع احصائية ودراسة دقيقة لهذا الموضوع أو أي محاولة لمنع تشرد الفتيات في الشوارع؟؟
فنحن لا نرى إلّا القاصرات يحملن أطفالاً أعمارهم بالشهور فمن اّباؤهم ومن جنّدهم في تلك الشبكات للتسكع والتسوّل؟؟

نتائج تلك الأعمال كارثية على الفرد والمجتمع فهي على الصعيد الفردي تسبب ضرر في النمو البدني والعقلي للطفل، وتؤثر على تعليمهم وتضعف قدرتهم على الاندماج في المجتمع وتؤثر على انتقالهم الى مرحلة البلوغ مع اّثار سلبية لاحقة في حياتهم، وعلى الصعيد العام فهي تقوّض الاقتصادات الوطنية، وتأتي هذه الظروف نتيجة لعدم المساواة الاجتماعية، فدائماً الطبقات الدنيا في المجتمع هي الأكثر عرضة للتسرب من التعليم لأجل العمل، والأطفال المهاجرين معرضون للعمالة الخفية وغير المشروعة.

ويعمل غالبية الأطفال بسبب حاجة الأسرة، لارتفاع النفقات وغلاء الأسعار فوسطياً انفاق العائلة السورية يومياً لا يقل عن 3000 ليرة، وبعض أرباب الأسر فقدوا عملهم بسبب الحرب وتم تهجيرهم من مدينة لأخرى، والبعض الاّخر فقدوا أسرهم بالكامل ولا معيل لهم إلّا أنفسهم، حيث قدرت الاحصائية عدد الأيتام السوريين بـ800 ألف طفل 90% غير مكفولين مما يضطرهم للعمل لتأمين لقمة عيشهم.

إذاً أزمة كبيرة في الحقيقة نمر بها ولا يمكن التكتم والسكوت عنها كي لا تؤدي لنتائج مستقبلية غير مرغوب فيها في المجتمع، نحن نطالب الجهات المعنية بالتدخل السريع لتقديم الدعم الكامل واللازم لمنع تفاقم هذه المشكلة التي تؤثر على حق الطفل في التعليم وإبعاده عن الضرر وسوء المعاملة والاستغلال.

واستجابة الجهات الداخلية ضرورة كونها المعني الأول في القضية فالجهود العالمية برغم ضخامتها إلّا أنها بطيئة جداً بسبب اتساع مسؤوليتها في جميع البلدان، إضافة الى ضرورة تفعيل المساءلة القانونية لكل من يساهم بعمالة الأطفال.

فبظل هذه الظروف قد نقع في مستنقع لا خروج منه وهو تجنيد الأطفال في الحرب أو الإتجار بهم أو حتى بأعضائهم كونهم فريسة سهلة وسط الفوضى العارمة.

كما يجب رفع أجور العاملين كي لا يضطر الاّباء للاستعانة بأولادهم في العمل، إضافة لوضع الأمهات المعيلات في حال فقدان الزوج، في ورشات عمل تدريبية لتعليمهن صنعة يعتمدون فيها على دخل ثابت لهم أو الاستعانة بهن في معامل أو مؤسسات معينة، أما الأطفال الذين لا معيل لهم فيجب وضعهم بملاجئ خاصة تؤمن لهم التعليم الأساسي والمأوى والتربية الصالحة والعمل على إعادة دمجهم كمواطنين فاعلين في المجتمع، فهم المستقبل الذي لا يجب التفريط به أبداً.

 

بتوقيت دمشق _ فاطمة فاضل

 

 

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات