مع أخذنا بكثير من الاعتبار، أن سورية كدولة واقتصاد، مرّت ولا تزال بسنوات من الحرب القذرة التي شنت عليها، وعلى شتَّى الجبهات، وخلّفت الكثير والثقيل من الآثار القاسية على إنجازات كانت حقّقتها في مختلف المجالات، ما أرجعها إلى الوراء عقوداً..، لكن هذا ليس بمبرر كاف كي يتقاعس المال وخاصة الوطني بشقيه الخاص والعام والمغترب، عن الخوض في قطاع الاستثمار الجريء.

 
ولعل الدفع باتجاه الجرأة – رغم تسليمنا بعامل المغامرة المحسوبة لا المخاطرة العشواء فيها- مرده ضرورة وجود مثل هذا النوع من الاستثمارات لرأس المال في سورية، استناداً إلى أن الأزمات الكبيرة هي في صيرورة نهاياتها فرص استثمارية كبيرة، يجب ألاَّ تقتصر على الفرص الاستثمارية التقليدية، بل لا بد من فرص جريئة، استناداً إلى الرأي القائل: إن رأس المال الجريء مستقبل الاستثمار.
 
ولأن من الخطأ أن يكون الإعمار لما تهدم فقط، لذا من الضرورة أن يكون البناء مُجَدِداً لما كان قائماً، وجديداً فيما هو قادم، ليتناسب ومتطلبات التطور الاقتصادي والاستثماري في تنافسيته العالمية، وإلاَّ سنظل نراوح في مستنقع التخسير بالتعويض..، ما يحرمنا من أية قيمة مضافة يمكن أن تكون مجالاً لقيم مضافة أخرى واسعة الفرص والعائدات.
 
البداية في هذا التوجه قد يكون من بوابة بورصتنا وهيئتها عبر بلورة محددات وتسهيل البنية التنظيمية لصناعة استثمارات رأس المال الجريء وصناديق الملكية الخاصة، وإنشاء السوق الثانوية في سوق أوراقنا المالية، التي ستكون البوابة لهكذا استثمارات مستقبلاً، وما يساعد على ذلك أن لدينا هيئة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومؤسسة لضمان المخاطر، غير المفعلتين حتى تاريخه.
 
إن وجود مثل تلك الاستثمارات يسهم في تنشيط الاقتصاد ورفع حجمه عبر السماح وإعطاء التمويل لمنشآت حديثة وناشئة لتكبر وتنجح، وهذا فيه مساهمة مباشرة في تعظيم الناتج المحلي، وبطبيعة الحال عندما تسهم هذه الاستثمارات في مساعدة المنشآت لتستمر وتكبر، سيتم توفير فرص عمل مهمة وبالتالي تنخفض نسب البطالة.
 
كما أن وجودها يسهم في تطور التقنية عبر استثمارها وتمويلها لشركات تقنية عالية الخطورة وغير مضمونة النجاح أو العمل، لكن النتائج المحققة عالمياً في هذا المضمار الاستثماري، دفع بأغلب الشركات التقنية لأن تستثمر برأس المال الجريء، الذي وإضافة إلى قطاع التقنية عملت هذه الاستثمارات على دعم ما يسمى بنماذج الأعمال المخربة أو المربكة، وهي أعمال استطاعت إحداث التغير بطريقة تقديم الخدمة أو المنتج، وفتحت أسواقاً جديدة لقطاعات قائمة.
 
من أبرز المناطق القريبة إلينا التي برزت على خريطة استثمار المال الجريء، إمارة دبي، حيث ضمّت أكثر الصفقات واحتوت الشركات الناشئة عبر برامج متطورة وسهلة لممارسة الأعمال من خلال بيئة مناسبة وفّرت كل عوامل النجاح لمثل تلك الاستثمارات، واليوم تعتبر دبي هدفاً لكثير من رياديي الأعمال في الوطن العربي والعالم بشكل عام، وكنتيجة حتمية أصبحت مركزاً لكثير من صناديق رأس المال الجريء.
 
والسؤال لماذا لا تكون سورية أيضاً، خاصة وأنها تمتلك الكثير من العقول والأموال المغتربة المبدعة..؟.
 وبناء عليه وعلى ما يقال: “إن أردت التمثّل، فتمثل بالأفضل”، نسأل أيضاً: ما الذي يمنع ويعيق أن نكون من الأفضل..؟.
 
أن نطمح للتطور الاقتصادي شيء وأن نعمل لنتطور شيء مختلف جداً، لذا التمثل بالعديد من دول العالم وخصوصاً المتقدمة، والتي أصبح  لديها أصول كبيرة تدار من قبل صناديق رأس المال الجريء.. ومن باب العلم فقد بلغ ما تم ضخه من قبل هذه الاستثمارات في أمريكا وحدها العام الماضي ما يزيد على 50 مليار دولار، وحالياً تنمو بشكل متسارع في الصين حتى أن التوقعات تشير إلى تجاوزها أمريكا خلال السنوات المقبلة، ما يدل على أهميتها في منظومة التطور الاقتصادي.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات