عندما  بدأت وزارة التجارة الداخلية بتنفيذ قرارات  تخفيض الأسعار مع حملتها الخجولة لإلزام التجار بالأسعار الجديدة، تنفس المواطنون الصعداء للحظة أملاً بحصول تخفيض يضمن الحفاظ على بعض الليرات، لتخفف ضغوط وهموم المعيشة التي تثقل كاهلهم، لكن ما هي إلا أيام قليلة عند شراء إحدى السلع المشمولة بقرارات التخفيض المزعومة  حتى تكشف حقيقة أنه لا يوجد تخفيض ولا يحزنون، عدا عن فقد بعض السلع من السوق، وخاصة أن «حربقة» التجار إن صح التعبير، استطاعت التحايل على تخفيض الأسعار، مستغلين ضعف الرقابة التموينية وعدم قدرتها على ضبط هذه المخالفات الكثيرة، التي يلحظها المواطن بأم العين يومياً وتغفلها عيون الرقابة النائمة، وهنا نسأل: هل فعلاً حصل تخفيض للأسعار كما أعلنت وزارة التموين؟ وكيف تلاعب التجار على قرارات التخفيض بحيث لم يشعر المواطن بتداعياتها إلا سلباً.
عندمانقوم بشراء  الفروج «مشوي وبروستد»نلاحظ بعض الصغر في حجمه، والجفاء والقسوة من قبل الباعة الذين لم يعودوا يقدمون شيئاً من مرفقاته معه، بل صار الثوم والخردل أو المخلل وكمية البطاطا مدخلة على الفاتورة في حال أرادها الزبون لتعويض قيمة انخفاض التسعير، أما المسبحة وسندويش الفلافل فلم يقلّ سعرهما فقط بل اختلف طعمهما والمواد المصنعة لهما وعدد الأقراص، والمتة أيضاً – ما وجد منها في السوق- اختلف وزنها وجودة طعمها عن سابقتها، والحجة أو السبب: «هيك تسعيرة التموين» الفرح الذي اعترى البعض لدى نزول سعر المعجنات زال عند رؤية حجمها ومشاهدة المساحة الفارغة فيها، إلا «المحمرة» فالبندورة رخيصة الآن، فطيرة الجبنة قشقوان تكاد تضيع في العجين ولا تميزها إلا من إشارة البائع لها، وشرحات المرتديلا قليلة وناعمة، وقطعتا الفروج الصغيرتان تضيعان في قطعة العجين بين كمية كبيرة البهارات المنكهة ويطلق عليها اسم فطيرة شيش، أما الشاورما فتبدأ لدى الباعة من وزن الريشة بـ150 ليرة الذي أقرته الجهات المسعّرة حتى الوزن الثقيل بـ400 ولكنه يتعداها للـ500 وصعوداً حسب طلب الزبون.
حال متغيرة جعلتنا نتساءل عن الأسباب ومردها، هل لتحايل التجار وطمعهم؟ أم أنّ آلية التسعير يعتريها بعض النقص وتحتاج لتفعيل وجدّية وحزمٍ أكبر، ومتابعة حثيثة وليس مجرد طرح أرقام وتخفيضها والسلام؟.
اما عن المتة «التي عاد سعرها للارتفاع كما يرغب التاجر» فأصبح مثلاً من 200 و250 غراماً ولكن بجودة أقل حسب الخبراء المتذوقين منهم والذين يبحثون بحيلة وفتيلة عن أيّ علبة قديمة والمفارقة أنّها موجودة ولكن بسعر أعلى، ما يعني أنّ قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك جاء «ليكحلها فعماها»، أصحاب ومحلات يسألهم الكثيرون عن هذه المادة وهم بدورهم مع الموزعين يبحثون عنها في السوق ولا يجدونها، اذاً أين الجهات المعنية بتدفق المادة في الأسواق ومراقبة الجودة هل لاحظت الفرق بين المادة قديماً وبشكلها الجديد أم إنّها تحتفظ لها ببعض «الطرود» المصادرة أو التي تلقتها مكافأة على عملها ولم تتذوق الطعم الجديد؟.
 آراء أصحاب المحلات تفاوت ما  بين مؤيد ومخالف لقرارات التخفيض، حيث أكد باعة الفروج والشاورما في المرجة أنّ التسعيرة مناسبة لهم، وأنّ من يقول «ما بتوفي معو» كذاب، وأنّ من يتلاعبون بوزن الفروج أو لا يقدمون للزبون المواد المرافقة للفروج يسيئون للمهنة، فالآن سعر الفروج كيلو ونصف 1200 ليرة وتكلفته الكلية 300 ليرة، أي أصبح بـ1500 ومربح صاحب المحل 500 ليرة، فلماذا الطمع والتلاعب بالمواصفات وحرمان الزبائن من حقهم والإساءة للمصلحة والرغبة بالربح الكبير الفاحش من قبل من يبيعون ألف فروج يومياً في عدة فروع لهم بربح وسطي يزيد على الألف ليرة لكل فروج أيّ بمعدل مليون ليرة تقريباً، آملين أن يتحلى الجميع بروح الرضا والعمل بشكل أكبر لكسب ربح أفضل لا عن طريق استغلال الآخرين.
صاحب محل شاورما في باب الجابية يذكر أنّ التسعيرة السابقة التي صدرت للمواد في عام 2014 وشكّلت فارقاً في ذاك الوقت احتاجت لدراسة وتمحيص مدة ستة أشهر وكان محلّه أحد المحال التي أقيمت فيها تجارب ميدانية، أما الآن فقد صدرت التسعيرة بشكل مفاجئ وحسب رأيه لم تعتمد على حساب شيء إلا انخفاض سعر الفروج من دون التكاليف الأخرى، والآن سعر الفروج بدأ يتصاعد تدريجياً، فماذا ستفعل الجهات المسعّرة حيال ذلك؟!.
يشاركه في الرأي مستثمر لمحل فلافل بالقرب منه، ويعتبر أنّ التسعير خاطئ ولم يراع الأسعار الأخرى لتصنيع الفلافل كالغاز والزيت وأجرة العامل المرتفعة، فالزيت الموجود في الأسواق حالياً مختلف من حيث الجودة عن زيت القلي المستخدم في مهنته ويحتاج إلى تغيير يومي بمقدار تنكة وسعرها 13 ألف ليرة، ويضيف أنّ التسعيرة أثّرت في جودة المنتج الذي يقدمه فهو كان يضع دبس الرمان والطحينة وتشكيلة خضار في السندويشة للزبون.
وريث محل الأجداد في صناعة المعجنات في المرجة أوقف في محله بيع فطيرة القشقوان لأنّ سعر الكيلو مرتفع قرابة 3200 ليرة والمطلوب حسب مواصفات الجهات الرقابية للكمية في الفطيرة لا يتناسب نهائياً مع السعر، ويؤكد أنّه في صفيحة اللحمة يلجأ لإكثار البندورة والبصل لكي يستطيع بيعها بـ50 ليرة.
الشيف مروان محمد “37 سنة خبرة” شكّك بآلية وسياسة التسعير المتبعة من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، واعتبرها غير منطقية ومقبولة، فلا يعقل فرض تسعيرة موحدة على كل السلع وفي كل المحافظات السورية من دون الأخذ بالفروقات والاختلافات بين المواد والسلع والخدمات والمناطق ومكونات هذه المواد وغيرها من العوامل.
نضال دياب صاحب بقالية يقول: إنّه بات يكره عمله كرمى المتة وعدم توافرها في السوق أو لدى الموزعين إلا بالأنواع غير المتداولة كثيراً، وانّ انقطاعها عن البعض ووجودها أثّر في إقبال الزبائن على محله لوجودها ومن دون فهم الكيفية لذلك عند محلات معينة ولكن بسعر يتراوح بين الـ600 و750 ليرة.
يقابل هذا التململ  المعتاد من قبل الباعة الذين لايشبعون ولا يرحمون الفقراء  تساؤل دائم لدى المواطنين عن البطء في انخفاض الأسعار رغم انخفاض سعر صرف الدولار أهم أسباب ارتفاعها، وتبعه همّ آخر وتساؤل حول جودة المنتج، نقله لنا مدير عام مركز نظم إدارة الجودة مهند توتنجي بصفته مواطناً أولاً ومسؤولاً عن اختلاف جودة المواد في السوق ثانياً، وعبر فيه عن التعجب من سرعة ارتفاع الأسعار عند ارتفاع سعر الصرف للدولار وربط كلّ شيء بها من قبل الباعة والجهات المسعّرة، أما عند انخفاض سعر الصرف فإنّ الباعة راحوا يتلاعبون بالجودة ويجدون مبررات أخرى وذرائع يدفعون بها تهمة استغلال المواطن عندما كان السعر يتغير صعوداً.
«محل ما بدو» المواطن يشتري
جملة ردّ بها نضال المقصود مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على مطالبة أحد الباعة بمراعاة اختلاف الأسواق وأماكنها وخدمتها وقيمتها الاستثمارية في التسعير، مضيفاً: إنّ كافة الصكوك السعرية التي تصدر عن الوزارة -حسب تكلفتها الفعلية- مؤيدة بكافة الوثائق والمستندات، وأنّ الوزارة أجرت تجارب فعلية ميدانية للوصول إلى تكلفة كل بند من بنودها مع هامش الربح الناظم لها، أما إذا طلب الزبون زيادة أكبر للمنتج فهذا يعود تقديره إلى مديرية التجارة الداخلية المعنية وهي تحدده، وعن المتلاعبين بالمواصفات والجودة قال المقصود: إنّ هناك جهازاً لحماية المستهلك هو المسؤول عن مراقبة جودة المنتجات، وللمواطن أن يشتكي ونحن نتحقق من الأمر، وأيّ فعالية تشعر بأنّها مغبونة لها الحق في مراجعتنا.
 من جهته المهندس عدي محمد شبلي مدير مديرية التموين وحماية المستهلك في دمشق أكد حسب تشرين أنّ المديرية تتابع -كما كل المواد- سحب العينات من السوق ولم تجد فيها مخالفات كبيرة للمواصفات، علي محمد رئيس الدوريات أشار إلى وجود عدة ضبوط تتعلق بوزن سندويشة الشاورما ومنها محلات معروفة الاسم في العاصمة دمشق ولها عدة فروع، أما معظم ضبوط الشاورما فهي عن تلاعب في الأسعار، فعندما نجد أنّ البائع يبيع بسعر نظامي نفحص وزن السندويشة وهنا وجدنا بعض المتلاعبين.
وحول  السندويشالذي  يعدّ الفروج أهم مكوناته ويطلق عليه أصحاب المحلات والتموين سندويشاً غربياً مثل السكالوب والكريسبي السوبريم و… الخ، قال مدير الأسعار في مديرية التموين في دمشق محمد خير البردان: إنّنا نراقب إشهار سعرها فقط ولا توجد لهذه الأنواع تسعيرة معينة، وإذا بيعت بسعر فارق عن السوق ومشكوك بأمره نخضعه لدراسة سعرية من حيث المكونات والتكلفة وإذا وجدت مخالفة بشكل كبير نقوم بمخالفتها.
 على ما يبدو أن أصحاب المحلات وكعادتهم ومن صميم مهنتهم وبحكم خبرتهم يستطيعون التأقلم مع السعر مهما كان واستيفاء ربحهم بطرق مختلفة، وبالطبع هم لن يخسروا وسيحاولون الاقتصار قدر الإمكان في منتجهم كي «توفي» حسب رد أغلبهم، ومن سيتحمل التكلفة الكلية من تسعير وتلاعب في المواصفات هو المستهلك ...
وفي النهاية نستطيع ضبط الاسعار والزام التجار الجشعين عبر مقاطعة بعض السلع ولو لفترة وجيزة ولكن لماذا  هذه الثقافة مفقودة في بلادنا وتجارنا الاكارم يسرحون ويمرحون ويتصرفون على هواهم والمستهلك المعتر هو الضحية الكبرى !!

سيريا ديلي نيوز


التعليقات