ملامح ضياع 2.6 مليار ليرة على خزينة الدولة بدأت تتكشف نتيجة لتأخر المؤسسة العامة للحبوب في تحصيل حقها من حساب شركة خاصة معنية بتوريد ونقل القمح، وذلك بعد لجوء هذه الشركة إلى القضاء بعد انتهاء المهلة المحددة للدفع، بغرض اللعب على وتر الوقت والتهرب من دفع المبلغ المستحق عليها، مستفيدة من تقاعس المؤسسة لأسباب غير معروفة في تحصيله، مع أنه كان بمقدورها اقتطاع المبلغ بكل بساطة وضمن القانون، فما الذي منع مدير عام «الحبوب» المكلف من اتخاذ هذه الخطوة الضامنة لحقها وحق الدولة؟ ومن المسؤول عن التأخر في تحصيل هذا المبلغ الكبير، الذي لن يجد طريقه إلى الخزينة إن حصل ذلك إلا بعد وقت طويل؟
هذه القضية  تبدأعندما وقعت المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب مع شركة خاصة «أ-م» للنقل والمقاولات عقداً في شهر الثامن لعام 2015 لتوريد كمية 700 ألف طن قمح تبلغ قيمتها 18 مليار ليرة استمرت في توريدها على دفعات مدة 9 أشهر، وهنا قد تبدو القضية عادية ولا غبار عليها وكل شيء يسير وفق الأصول والقوانين، لكن ما حدث لاحقاً يكشف حجم التقصير والخلل الإداري الذي يعدّ جسد مؤسساتنا العامة بشكل ضيّع أكثر من 2.6 مليار ليرة على الخزينة العامة من جراء الإهمال والروتين والعمل على مبدأ «هات إيدك والحقني» من قبل هيئة الضرائب والرسوم ولاحقاً التباطؤ في تحصيلها من قبل إدارة المؤسسة العامة للحبوب, مع أن ذلك كان متاحاً بكل بساطة بشكل يطرح إشارات استفهام كثيرة عن أسباب التلكؤ في تنفيذ أمر التحصيل القانوني، ويترك الأبواب مشرّعة أمام تهم تلصق بالمسؤولين عن متابعة هذا الملف أقلها المحاباة والتواطؤ مع هذه الشركة، باعتبار أنه لم يجد مانعاً من تحصيل هذا المبلغ حينذاك.
 إشكالية هذه القضية تبدأ عند ورود تساؤل من الاستعلام الضريبة في «مالية اللاذقية» أثناء التدقيق المالي على أجور النقل التي تم دفعها إلى شركة «أ-م» حول عدم اقتطاع 5% و2% كضريبة دخل وضريبة رواتب للقانون رقم 60 للعام 2005، وبناء عليه وجه فرع المؤسسة العامة للحبوب في اللاذقية كتاباً إلى الإدارة العامة رقمه 406/ص /121/21/5/1 تاريخ 7-2-2017، يعلمها بذلك، مع المطالبة بمخاطبة وزارة المالية لبيان ذلك، وفعلاً بادرت المؤسسة فوراً بالتاريخ ذاته، بإرسال كتاب إلى الهيئة العامة للضرائب والرسوم رقم 218 لبيان فيما إذا كان تترتب ضرائب أخرى على العقد وملحقه لإجراء اللازم، مؤكدة أنها تقوم بحسم ضريبة 1% فقط.
وعلى الرغم من أهمية القضية التي تحمل في طياتها تهرباً ضريبياً يقدر بمليارات الليرات تعد الدولة أحق بها، إلا أنه لأسباب غير واضحة تم التأخير في معالجتها، حيث استغرق الرد على كتاب المؤسسة العامة للحبوب أكثر من 3 أشهر من قبل هيئة الضرائب، ليأتي الجواب بعد اطلاع الهيئة على العقد وملحقه بناء على الفصل بين التوريد وأجور النقل في كتاب بتاريخ 22-5-2017، أن التوريدات تخضع لمعدل ضريبة قدره 1% من إجمالي قيمة التوريدات أما أجور النقل «خدمات» فتخضع لمعدل ضريبة قدره 5% لقاء ضريية الدخل و1% لقاء ضريبة الرواتب مع خضوع العقد إلى رسم إعادة الإعمار.
وبناء على رد الهيئة راسلت الإدارة العامة لمؤسسة الحبوب في تاريخ 29-5 للعام الجاري شركة «أ-م» وأعلمتها بخضوع العقد إلى هذه الضرائب، مشددة على ضرورة الإسراع في مراجعة مديرية المالية في دمشق لتسديد الضرائب المذكورة نظراً لعدم حسمها وإعلام المؤسسة بإشعارات تسديدها خلال عشرة أيام وإلا ستضطر المؤسسة لحسم الضرائب المتوجبة من قيمة الكفالات الموجودة لدى المصرف التجاري السوري فرع 5 في دمشق لصالحه، فما الذي حصل كي لا تقوم المؤسسة بهذا الإجراء بغية تحصيل حقوقها، الذي لم يتم حتى الآن.
ووفقاً لكتاب الهيئة قدر المبلغ  حسب تشرين بحدود مليارين و600 مليون كانت واجبة السداد منذ 10-6-2017 لكن الشركة لم تسدده رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على تاريخ إبلاغها القرار، معتمدة في عدم التسديد على تلكؤ المؤسسة العامة للحبوب في تنفيذه، حيث لم تحرك ساكناً في اتخاذ الإجراء المطلوب لحفظ حق الدولة بتحصيل هذا المبلغ الكبير عبر اقتطاعه مباشرة من الكفالات بعد تأخر الشركة بتنفيذ القرار، ومبررة تقصيرها بتقديم الشركة دعوى قضائية لوقف تنفيذه علماً أنها قامت بذلك بعد انتهاء مهلة السداد، وفعلاً أصدرت المحكمة قرارها بوقف التنفيذ جزئياً بتاريخ 29 -8-2017 لحين بت النزاع بصورة نهائية، ليرسله بعد ذلك مجلس قضايا الدولة إلى المؤسسة العامة للحبوب لتنفيذه، لكن الأخيرة وكعادتها في التأخير في متابعة هذه القضية أرسلت كتاباً بعد مرور عشرة أيام إلى إدارة قضايا الدولة توضح فيه أن القرار مطعون فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، وتستفسر إذا كان قابلاً للتنفيذ قبل تصديقه من هذه المحكمة، وهو أمر كانت المؤسسة في غنى عنه تماماً لو بادرت باقتطاع المبلغ المستحق من قيمة الكفالات الموجودة في المصرف التجاري، بدل إرسال هذه الكتب، التي لن تسهم أقله حالياً في تحصيل مبلغ 2,6 مليار ليرة، وخاصة أن القضية أصبحت في عهدة القضاء بشكل قد يستلزم وقتاً طويلاً للبت فيها بصورة نهائية، أمر قد تستثمره الشركة للتهرب من دفع مستحقاتها.
ضياع هذا المبلغ الكبير الذي يصل الى  2.6 مليار ليرة على خزينة الدولة أقله حتى الآن، يعطينا الحق لطرح أسئلة مشروعة مع رسم إشارات استفهام كثيرة عن أسباب تأخر المؤسسة العامة للحبوب في تنفيذ قرار اقتطاع المبلغ المستحق في وقته وفق الأصول والقانون؟ ومن المسؤول عن التأخر برفد خزينة الدولة به في وقت كانت تحتاج فيه أي مبلغ في ظل فاتورة الاستيراد الضخمة؟ فهل السبب في التأخر في التحصيل الفوري مجرد تقصير إداري من جراء البيروقراطية والروتين؟ أم تواطؤ بعض مسؤولي المؤسسة مع الشركة في إطار المحاباة والمصالح المشتركة، لكنْ أياً كانت الأسباب فالأمر يحتاج وقفة مطولة مع تمحيص دقيق لكشف مستور هذه القضية ووصولاً إلى محاسبة المتسببين في عدم تحصيل حقوق الخزينة بدل إعطاء الشركة كل الوقت لإيجاد منافذ ومخارج للتهرب من دفع المستحقات المفروضة عليها وإن كان الخطأ راكباً مؤسساتنا من أساسها لرأسها لجهة التأخير في معرفة مقدار الضرائب المفروضة عليها.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات