من يصدق  أن لمحافظة دمشق أملاكاً مؤجرة بالليرات؟! وأن هناك عشرات المواقع غير المستثمرة، وأن تكلفة إيجار مول مثل «ماسة بلازا» المشهور بزبائنه أهل «النجوم العشرة» تقل عن 65 مليون ليرة سنوياً، ثم خفضها حكم قضائي إلى 51 مليون ليرة خلال سنوات الأزمة بعدما تضاعف سعر غرفة «مهلهلة» في منطقة مخالفات إلى عشرة أضعاف؟!
المول خمسة طوابق، لا تقل مساحة كل منها عن 600 متر، أي مساحة تبلغ نحو 3 آلاف متر مربع من دون احتساب الأقبية الموجودة فيه، وقياساً بالسعر الجديد لمول قاسيون يجب ألا يقل المول المذكور عن الملياري ليرة كما يقدر سعره عارفون ومتابعون.
 أملاك المحافظة التي يصفها البعض بـ«المستباحة»- كما أغلبية أملاك الجهات العامة- تتنوع بين عقارات وأكشاك ومرائب وأنفاق ومحلات وأسواق، بل إن ملكية المحافظة تمتد إلى الأراضي التي أقيم عليها كل من فندقي «الفورسيزينز وفندق الشام».
في هذا الموضوع نلقي الضوء على واقع بعض من أملاك محافظة دمشق وطريقة إدارة تلك الأملاك واستثمارها.
والأسباب التي تجعل المحافظة تكتفي بالليرات بينما تستطيع أن تكسب المليارات؟
معلومات هذا الموضوع تم جمعها من مصادر متعددة ولكن لا نستطيع ذكر اسم أي منها نزولاً عند رغبة المتحدثين!
إذا بدأنا من الأراضي غير المستثمرة، فإن أكبر عدد ومساحة من الأراضي التي تملكها المحافظة تقع في المزة والمهاجرين والبرامكة.
ومن الأراضي الفارغة غير المستثمرة تلك الواقعة بين جسر فكتوريا والحديقة إلى جانب «الفور سيزنز» فإن عقد هذه المنطقة يعود لعام 2011 لكنه لم يوضع في الاستثمار حتى الآن وعندما نقول لم تستثمر، فهذا يعني أنها بلا عوائد، وهذا يتطلب إعادة وضعها في الاستثمار على نظام «BOT»، وهناك أرض فارغة إلى جانب «الماسة بلازا» أيضاً لم تطرح للاستثمار حتى الآن.
أما مشروع الديار القطرية، وهو مشروع استثماري ضخم يقع أول طريق مستشفى الأسد الجامعي عند دوار كفرسوسة حيث المنطقة التي تصل أسعار السنتمترات منها إلى مئات الآلاف، فقد ألغي العقد كاملاً مع الشركة القطرية، وهذا أمر طبيعي بعد دعم قطر للإرهابيين في سورية، لكن ما لم يكن ولن يكون طبيعياً هو تجميد كل تلك الاستثمارات حتى الآن، ومن المناطق غير المستثمرة أيضاً مساحة تعود ملكيتها للمحافظة تصل لنحو 20 دونماً وتقع بالقرب من وزارة الإدارة المحلية.
للمحافظة أكثر من عقار في منطقة المزة يمكن استثماره، وفي المهاجرين نحو 250- 2000 متر مربع، وأغلبها أراض خالية من الإشغالات، وكل هذه الاستثمارات يجب أن يكون مردودها عالياً جداً عكس ما يحصل الآن.
وللأكشاك قصصها أيضاً، ففي حديقة تشرين أربعة أكشاك مع استراحات، ثلاثة من هذه الأكشاك مستثمرة بمبلغ لا يتجاوز 4 ملايين ليرة للكشك الواحد، بينما يرى مختصون أن سعر كل منها يجب ألا يقل عن 6 ملايين ليرة، وهناك واحد منها غير مستثمر نهائياً منذ أكثر من ثلاث سنوات لوجود مشكلات قضائية، ويؤكد أحد المطّلعين أن القضاء غالباً ما يكون إلى جانب المستأجر، فحالما ينتهي العقد بين المستأجر والمحافظة يلجأ الأول للقضاء ويحصل على حكم بإيقاف التنفيذ وبذلك تخسر المحافظة حقها في إعادة طرح هذه المنشأة أو المحل للاستثمار، علماً أن العقد شريعة المتعاقدين، وعقود الإيجار لا يشملها إيقاف تنفيذ، لكن هذا ما يحصل مع المحافظة.
من المفارقات اللافتة أيضاً أن هناك محلات مستأجرة منذ زمن طويل، وبالأجر ذاته، بسبب تدخل القضاء بشكل دائم بحكم لمصلحة المستأجر، حيث ظلت أسعار محلات على أسعارها القديمة التي لا تتجاوز بضعة آلاف من الليرات ومنذ ثلاثين عاماً، علماً أنها تقع في مناطق كالبحصة، ساروجة، باب الجابية، بحصة سنجقدار، بل هناك محل في منطقة الحمرا لا تقل مساحته عن 30 متراً، ويجب ألا يقل إيجاره عن 50 مليون ليرة سنوياً، بينما لا تتجاوز الأجور التي تتقاضاها محافظة دمشق المليون ليرة وقد يقل المبلغ عن هذا الرقم ولمساحات أكبر.
للمحافظة مرائب عدة منها مرآب المواصلات الذي يقع أول شارع الحمرا، وهذا المرآب يدار ذاتياً من قبل هندسة المرور منذ أكثر من عامين، ولكن سيتم طرحه للاستثمار خلال الفترة القادمة، كما قال أحد المتابعين، وهناك دعوى جزائية بين المستثمر السابق للمرآب ومدير الأملاك، حيث إن عملية الاستلام والتسليم من المالك تمت حسب الأصول عند انتهاء عقده، لكن المستثمر رفع دعوى قضائية، مازالت مستمرة منذ عامين حتى الآن بشكل يؤخر حسم الأمر، ومرآب عرنوس الذي وضع في الاستثمار منذ 5 أشهر تقريباً.
أغلبية أنفاق المشاة التابعة للمحافظة مستأجرة، ولكن أكثرها توجد دعاوى قضائية بين مستثمريها والمحافظة، لهذا أسعارها غير متناسبة مع الأسعار الحالية، حيث يعمد المستثمرون أو المستأجرون إلى رفع دعاوى قضائية، ويحصلون على حكم بتخفيض الأجر، وبذلك يظل محل في منطقة كسوق الهال مثلاً مؤجراً بمبلغ لا يتجاوز 200 ألف ليرة سنوياً!
نفق المزة وضع حديثاً في الاستثمار، بمبلغ مليوني ليرة سنوياً، في حين نفق باب شرقي والمرآب الذي فوقه تم تأجيره منذ 3-4 أشهر بمبلغ 7 ملايين ليرة، لكنه لم يسدد المبالغ المطلوبة منه حتى الآن، ولم يباشر بعد!.
أكثر من 200 دونم بالتمام والكمال تمتد عليها مئات المحلات في سوق الهال، وكلها ملك للمحافظة، وكلها أيضاً مؤجرة بأسعار قليلة، أرقام قد تنخفض لما دون 100 ألف ليرة سنوياً للمحل كما أكد بعض أصحاب تلك المحلات في سوق الهال.
تتوزع ملكيتها بين ما يسمى «فروغاً»، وآخر محدد المدة، وفي كل الأحوال الأجور الحالية لا تتناسب مع الأسعار الراهنة، أي أن إيراد سوق مثل سوق الهال يعمل يومياً بالملايين لا يتجاوز 100 مليون ليرة، بينما يجب ألا تقل عن 8 مليارات ليرة، ففي السوق محلات لا يتجاوز سعرها السنوي سعر غرفة واحدة في المناطق الجيدة، ويقترب من تكلفة إيجار بيت في منطقة المخالفات للشهر الواحد!، وهناك محلات في سوق الهال قد يصل سعرها سنوياً لنحو 4 ملايين ليرة، أما منطقة البزورية في سوق الهال ففيها 4 محلات «زوايا»، اثنان منها تتجاوز مساحتهما 150 متراً مربعاً، لكن أسعار إيجارهما لا تتجاوز 200 ألف ليرة سنوياً.
تقع إلى جانب سوق الهال ساحة البطيخ، المستأجرة من قبل لجنة الخضر والفواكه بأسعار رمزية، وفوق كل هذا تدفع المحافظة الأجرة المفروضة على مكب القمامة، الموجود في أرض تعود ملكيتها لوزارة الأوقاف، وإلى جانبها أرض تفوق مساحتها 200 متر لكن لا يتم استثمارها.
ويقول العارفون: إن لجوء المستأجرين الدائم للقضاء حال دون إمكانية تعديل الإيجار منذ نحو عشرين عاماً، وذكر أحد القضاة، الذي لا يرغب بذكر اسمه، أن هناك أكثر من 60 قضية مرفوعة من مستأجرين في سوق الهال، إضافة لدعاوى منطقة القدم الصناعي، وأشار أحد المحامين المتابعين لقضايا الإيجار العامة إلى أن المستأجر مستعد لتخصيص راتب شهري وبمبالغ كبيرة يسدده رشاوى على أن يدفع القيمة التي يستحقها المحل الذي يستأجره من المحافظة.
لا يختلف حال الحدائق التابعة لمحافظة دمشق، حيث كان من المقرر حسب تشرين أن تستثمر المحافظة بعض الحدائق، كحديقتي الطلائع في المزة والفحامة، لكن لم تنجز الأعمال المطلوبة، ولم توضعا في الاستثمار حتى الآن.
وكما في القطاع الخاص كذلك الحال في العام، إذ تعود ملكية «بناء صالة العروبة» للمحافظة، أجّر قسم منه لوزارة الدفاع ثم عادت الأخيرة وأجرته لمطبعة خاصة بمبالغ غير اقتصادية، بينما يجب ألا يقل سعره عن 100 مليون، كما أضاف أحد المطلعين. وقسم منه مؤجر لمصلحة السورية للتجارة الداخلية، التي بدورها أجّرت الطابق الأرضي منه لشركة دهانات خاصة.

هكذا يصفها أحد متابعي هذا الملف، ويجري الحديث عن عقار فارغ تبلغ مساحته أكثر من 1000 متر مربع (241) في منطقة دمر الغربية الذي تملكه المحافظة، بني عليه مغسل سيارات منذ عامين، وأنه رغم كل الحديث عن هذا الأمر وتنظيم المذكرات بشأنه لم يتم اتخاذ أي إجراء من قبل المحافظة، علماً أنه لا يحق لأي جهة أن تستثمر في أرض تعود ملكيتها للمحافظة من دون موافقتها، ولكن هذا الشخص حصل على ترخيص من مديرية «المهن والترخيص» في المحافظة وحصل على ترخيص من مديرية التنظيم بتاريخ 15- 8- 2015، علماً أنه لا يحق لهذه المديرية إعطاء تراخيص على أرض المحافظة من دون وجود علاقة إيجارية بين المرخص والمحافظة.؟؟
 محافظة دمشق وكعادتها بعد أيام وأسابيع من الانتظار، يأتي الجواب، (وكأن هناك قيمة تفرض بالغرامات على الكلام) ورقة جاءت مذيلة بثلاثة تواقيع تكفي لتنفيذ حكم إعدام.
في ورقة واحدة حملت إجابات وتواقيع كل من مدير شؤون الأملاك المهندس باسم سلهب، ومدير القضايا والشؤون القانونية عبد الحليم أبو ضاهر، وعضو المكتب التنفيذي المحامي فيصل سرور، جاءت الإجابات كالآتي ولكم أن تحكموا بأنفسكم على مضمونها وما جاء فيها:
إن الأسباب التي تحول دون استثمار الكثير من أملاك المحافظة، هو حصول بعض المستثمرين على قرارات وقف تنفيذ مؤقتة أو دائمة وقرارات منع معارضة من القضاء المدني أو الإداري. «علماً أن الإجابة الأخيرة ضمن هذه الورقة تشيد بدور القضاء في دعم حقوق المحافظة»!
أما السبب الثاني فهو وجود أغلب أملاك المحافظة في المحيط الحيوي لمدينة دمشق، وتلك المناطق خارج الخدمة مثلاً (كتل التريكو عند مدخل جوبر، كراج البولمان، مركز انطلاق الشمال في القابون، المجمع الصناعي في القدم، وعدة مواقع أخرى). وهنا أيضاً يمكن القول: إن هناك أملاكاً في المناطق الساخنة فعلاً، ولكن أكثرية أملاك محافظة دمشق تقع ضمن مدينة دمشق.
وجود مشاريع (BOT) التي تم ابرام عقودها مع شركات خلال فترة ما قبل الحرب، وقد توقفت خلال الحرب نتيجة سحب أصحاب رؤوس الأموال دعمهم لتلك المشاريع، علماً أن بعضها وصل لمرحلة متقدمة في التنفيذ.

وحول مول «ماسة بلازا» تجيب المحافظة أنه لدى المحافظة مول واحد هو «ماسة بلازا» والطريقة الناظمة لاستثماره وفق صيغة (BOT) وتتم حالياً دراسة بدل استثماره مع الجهات المستثمرة.
أما عن انخفاض أسعار بعض محلات سوق الهال:
فنبين أنه في سوق الهال يوجد لدينا محلات مستأجرة وفق بدل فروغ (700) محل تقريباً، أو محلات محددة المدة (28 محلاً) إضافة إلى محلات مخصصة لجهات حكومية.
بالنسبة لمحلات بدل الفروغ (أي الخاضعة لأحكام قانون الإيجار رقم 111 لعام 1952) يتم تعديل البدل كل 3 سنوات بشكل دوري وفق نسبة محددة وذلك بموجب قرار مكتب تنفيذي بعد العرض على لجنتي التقدير والإدارة.
كما أنه في حال تنازل أحد المستأجرين عن حقه في الإيجار لشخص آخر (وذلك بموجب المادة 560 من القانون المدني السوري) يتم تعديل بدل الإيجار بعد العرض على لجنتي التقدير والإدارة ويصدر التعديل بموجب قرار مكتب تنفيذي.
أما بالنسبة للمحلات المحددة المدة فيتم تحديث بدل الإيجار (وبهدف الحصول على أعلى أجر) بموجب مزاد علني، علماً أن هناك بعض المحلات التي رست على مستأجريها بمزاد علني تتراوح بدلات إيجارها من 3 إلى 8 ملايين ليرة سورية.

في السؤال الأخير عن دور القضاء في استمرار عقود مع مستأجرين بقيم منخفضة يرد بالآتي: للقضاء دور كبير في مساعدة المحافظة وتحقيق العدالة الأوسع للشريحة الأكبر وتحقيق المصلحة العامة من خلال التريث وتوخي الدقة في إصدار قرارات وقف التحصيل ووقف التنفيذ، أو تغيير العلاقة العقدية ما بين المحافظة والمستثمر، ومن خلال تعيين الخبراء المحلفين المشهود لهم بالسمعة الطيبة والنزاهة الحيادية.
 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات