توجه المحامي، علاء السيد من مدينة حلب، عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك»، بنداء مضمونه طلب إنقاذ غرفة أثرية مصنوعة من الخشب، حيث كان يتم العمل على فكها من أجل نقلها خارج البلاد.

إثر هذا النداء تم تشميع العقار، الذي تتواجد به الغرفة، لمنع العبث بالغرفة الأثرية، وذلك في اليوم نفسه، من قبل مدير المدينة القديمة، ومدير الآثار، بعد إعلام كل من وزير الثقافة ومدير المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق، ومحافظ حلب بالموضوع، والجهات المسؤولة عن المنطقة.
ثروة أثرية كادت أن تُسرق!
الغرفة، بحسب صفحة المحامي، موجودة في بيت «مقيد» في منطقة باب قنسرين الأثرية التاريخية خلف البيمارستان الأرغوني، وهي غرفة خشبية حلبية أثرية بديعة نادرة لا تقدر بثمن.
وقد أشار المحامي إلى أن مالك العقار من الجنسية اللبنانية، الذي قام بشراء البيت، وأرسل ورشات لفك الغرفة ونقلها إلى لبنان، بعدما حصل على موافقة، طلب فيها: «أخذ ما تبقى من أغراض وأخشاب إكساء بعد تعرضه للقذائف»، دون الإشارة إلى أن هذه الأغراض وأخشاب الإكساء هي جدران أثرية، مسجلة تحت بند «أثري بذاته» ومحمية بموجب قانون الآثار السوري ومنظمة اليونسكو.
وعقب بقوله أن نقلها يعتبر جرم سرقة وتهريب آثار، كما أرفق مجموعة من الصور للغرفة موضوع النداء، مناشداً أي شريف غيور على حلب وآثارها وكل مسؤول انقاذ هذه الغرفة التي ستذهب دون رجعة خلال ساعات، متمنياً المشاركة والنشر على أوسع نطاق.
تفاعل وتجاوب
نداء المحامي وغيرته لاقت تفاعلاً كبيراً من قبل الكثيرين من أصدقاء صفحته، حيث شارك منشوره المئات من المتفاعلين، كما شارك بذلك بعض وسائل الاعلام، المحلية واللبنانية، والنتيجة أن وصلت أصوات هؤلاء ونداءاتهم إلى أسماع أولى الأمر من المسؤولين، الذين تجاوبوا أخيراً مع مطلب انقاذ الغرفة الأثرية بعد انتشار معلومات قيمتها الأثرية وخبر مساعي فكها ونقلها، عبر الاجراءات الرسمية المتخذة سابقة الذكر المتمثلة بالتشميع، بنفس تاريخ نشر النداء.
خفايا خلف الكواليس
المحامي، وبعد أن تم اتخاذ الاجراءات الرسمية بالتحرز على العقار والغرفة، كشف النقاب عن بعض خفايا وملابسات الموضوع، مستعرضاً اياها زمنياً حسب التالي:
سبق أن تم إبلاغ مدير آثار حلب بتاريخ 10/5/2017 بموضوع قدوم ورشة لفك ونقل الغرفة الخشبية الاثرية، فلم يحرك ساكنا ولم يبلغ زملاؤه في مديرية الآثار بالأمر.
تم إطلاق نداء عبر فيسبوك لإنقاذ الغرفة، وبدأت عدة وسائل إعلام بالاهتمام بالموضوع.
اتصلت إحدى الصحف اللبنانية بمدير آثار حلب بخصوص الموضوع فأجابها: العقار خاص ولا يمكننا التدخل.
تم التواصل مع رئيسة قسم المباني بمديرية الآثار، فاهتمت بالموضوع بشدة، واستغربت عدم قيام مدير الآثار بإعلامها بالموضوع، وقالت: إنها ستتوجه للموقع فوراً.
اتصلت الصحيفة اللبنانية نفسها بوزير الثقافة وبمدير عام الآثار والمتاحف بسورية اللذين اهتما بالموضوع جداً، واتصلا بمدير آثار حلب وأوعزا له بالتصرف فوراً تحت طائلة المسؤولية.
اتصل مراسل أحد القنوات التلفزيونية المحلية بمدير الآثار فقال: إنه باجتماع هام، وعندما تم سؤاله عن موضوع الغرفة قال: إنه تتم متابعة الموضوع، ونشرت القناة النداء فوراً لإنقاذ الغرفة.
راجع مدير الآثار بعد التوجيه الذي ورده من دمشق عضوة المكتب التنفيذي في محافظة حلب، التي وضعت محافظ حلب بصورة الموضوع وتوجهت مجموعة من مديرية الآثار ومديرية المدينة القديمة لموقع الغرفة الخشبية وشاهدوا الورشة تفكك الغرفة تمهيداً لنقلها.
تم إيقاف الأعمال، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وتنظيم ضبط أثري من شرطة البلدية بالترميم دون رخصة، وفك جدران خشبية أثرية.
تعقيب وتوضيح إضافي!
وقد عقب المحامي بقوله: «الغريب بالموضوع؛ رغم أن مالك العقار قيداً لبناني، ومقدم طلب النقل والفك هو مالك العقار اللبناني، والضبط الذي تم تنظيمه هو باسم مالك العقار اللبناني، فإن مدير الآثار صرح للقناة التلفزيونية المحلية: إن مالك العقار هو سوري مقيم بلبنان، ومن آل المقيد، وهذا الكلام لا أساس له من الصحة، فآل المقيد هم المالكون السابقون الذين باعوا العقار للمالك الجديد اللبناني، ولا أعرف تفسيراً لمجمل تصرفاته هذه!» متمنياً أن تنجو هذه الغرفة، التي لا يقل عمرها التاريخي عن خمسمائة سنة، أي: للقرن السادس عشر، مما يخطط لها وتبقى غرفة حلب لحلب.
سابقة مشابهة!
في مطلع القرن العشرين قامت سيدة ألمانية بشراء غرفة خشبية تشابه الغرفة الحلبية الأثرية سابقة الذكر، من بيت «وكيل» الأثري، ونقلتها لألمانيا، حيث تعرض حالياً في المتحف، بمدينة برلين، تحت اسم « الغرفة الحلبية» وهي لا تقدر بثمن، وما زلنا حتى الآن نتحسر على خسارة تلك الغرفة، رغم اسم مدينة حلب المسجل عليها.
حسن استخدام
وسائل التواصل الاجتماعي
بغض النظر عما يمكن أن تؤول إليه المتابعة الرسمية على مستوى المسؤوليات المتعلقة بشأن الغرفة الأثرية، ومساعي فكها ونقلها، خاصة وقد تم تناقل بعض المعلومات، التي تفيد بأن المالك اللبناني يعتبر من المحسوبين على بعض المتنفذين، في لبنان وسورية، وبأن نقل الملكية إليه بحد ذاتها كانت عبر عملية التفافية على القانون، الذي يمنع نقل ملكية المواقع المصنفة بأنها أثرية لغير السوريين، فإن ما يهم بالأمر: أن الموضوع المثار عبر صفحات فيسبوك، والتجاوب والتفاعل من قبل المواطنين وبعض وسائل الإعلام، حققت بالنتيجة غاية إيجابية تمثلت بمنع محاولة تهريب آثار سورية إلى خارج البلد.
وبهذا المجال لابد أن نشير إلى الإمكانية الإيجابية الكبيرة الكامنة عبر حسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل كل من يتقن ويحسن هذا الاستخدام.
فقد بدا واضحاً، من خلال عرض الموضوع أعلاه، كيف يمكن لهذه الوسيلة أن تكون هامة ومفيدة، ليس على المستوى الفردي والشخصي، بل على مستوى حفظ تراث شعب ووطن.
ولعل الأهم بهذا الصدد، هو الحفاظ على ما تبقى من الآثار، سواء في مدينة حلب أو غيرها من المدن السورية، خاصة في ظل كثرة الأيدي العابثة، وتفشي الفساد والمحسوبية، ومع استمرار عمليات التعفيش المنظم، البعيد عن الرقابة والمحاسبة، ناهيك عن الدمار الذي أتى على الكثير من هذه الآثار جراء الحرب الدائرة، بالإضافة لما تقوم به التنظيمات الإرهابية من عمليات سرقة ما يمكن سرقته وتهريبه خارجاً، وتدمير ما لا يمكن نقله.
أخيراً: لا بد من أن ننقل أحد التعليقات حيال هذا الموضوع من قبل أحدهم، حيث قال: «يعني العفيشة صعب عليهن يفكوا الشمع الأحمر»!.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات