تُعد مشكلة معادلة الشهادات والعمل بها من أصعب المشكلات التي تواجه اللاجئين السوريين في البلدان الأوروبية التي لجأوا إليها، إذ نادراً ما يُسمح لحملة الشهادات وبخاصة ما يُعرف بـ”المهن المحمية” كالطب والهندسة والمحاماة، بمزاولة مهنهم، وقد يضطرون للعودة إلى مقاعد الدراسة الجامعية لعدة سنوات ما يحرمهم من دخل مادي هم بأمس الحاجة إليه في ظروف اللجوء. وهذا ما دفع الكثير منهم لترك الشهادات في الأدراج والاتجاه إلى مهن أخرى يبدو بعضها أبعد ما يكون عن شهاداتهم وتخصصاتهم.

“رافع عبارة” صيدلي سوري من مدينة حمص يعمل كمتدرب في إحدى الصيدليات الألمانية أشار  إلى أن ألمانيا أصدرت عام 2012 قانوناً للعمل يُسمح بموجبه بـ “تعديل الشهادات الطبية” وفق قانون موحد، وباتت الولايات الألمانية-كما يقول- ملزمة بتطبيق هذا القانون دون استثناء.

 ويسمح القانون الجديد بحسب “عبارة”، لكل من درس الصيدلة في إحدى البلدان الأوروبية، بتعديل شهادته بشرط أساسي وهو الحصول على مستوى لغة “B1”. ويجري صاحب الشهادة بعدها امتحاناً لمستوى B2 ثم يخضع لفحص معلومات طبي يُسمى c1 وهو أعلى مستوى في اللغة. وينبغي عليه بعد ذلك-كما يقول مصدرنا- أن يخضع لتدريب لمدة سنة وبعدها يمكن له معادلة الشهادة.

 ولفت محدثنا إلى أن الموضوع ليس سهلاً ويجب أن تكون لغة من يريد ممارسة الصيدلة بشهادته في ألمانيا ممتازة وكذلك لغته العلمية، فاللغة المتداولة وحدها لا تكفي.

 وأشار عبارة إلى أن تعديل شهادة الصيدلة يجري بشكل عملي وليس نظرياً، حيث يتم إدخال مريض إلى الصيدلي بحضور أطباء وصيادلة ألمان على مستوى عالٍ من الخبرة وعلى الصيدلي المتدرب معرفة ما الذي يحتاجه هذا المريض من أدوية من خلال معرفة ما يعانيه.

وأكد عبارة أن “هناك رقابة شديدة على من لا يطبقون الشروط المطلوبة في مهنة الصيدلة وإذا ضُبط أحد الصيادلة وهو يعمل بلا ترخيص يُحرم من معادلة شهادته مدى الحياة ويُجبر على امتهان عمل آخر”.

هذه التعقيدات أجبرت العديد من اللاجئين من حملة شهادات الصيدلية في ألمانيا على الانخراط في دورات للتأهيل في مهن لا علاقة لها بالصيدلة لتأمين لقمة العيش. وهناك -كما يؤكد محدثنا- مكتب للعمل يدعم اللاجئين ويوفر لهم فرص اتقان مهن بالإضافة إلى منح راتب عمل أثناء التدريب مما جعل أصحاب الشهادات يركنونها جانباً ويبحثون عن مصدر رزق عملي وسريع.

المدير التنفيذي لـ “جمعية هاكونيلا الدولية”، “برهان حمدون”، الذي يحمل شهادة في علم الاجتماع، ولكنه لم يعمل بها حيث يقيم منذ سنوات في فنلندا، أشار في حديث لـ “اقتصاد” إلى أن اللاجىء لا يمكن له العمل بشهادته في فنلندا إلا بعد معادلتها، وبخاصة في بعض المهن التي تُسمى “المهن المحمية” والتي يُمنع مزاولتها لغير أبناء البلاد إلا بعد معادلة شهادتها عن طريق إدارة (سلطة) التعليم.

وتفرض الإجراءات الفنلندية على من يريد معادلة شهادته من غير أبناء البلاد إحضار شهادة الاختصاص وكشفاً بالمواد وفي حال كان هناك تدن ببعض المواد عليه أن يدرسها من جديد. وهناك-كما يقول حمدون- بعض المواد التي قد تكون غير موجودة في المنهاج السوري وبالتالي بتوجب على من يريد معادلة الشهادة دراستها، كما يتم شطب بعض المواد كالتربية الدينية وما كان يُسمى بالتربية القومية أو التربية العسكرية مثلاً واستبدالها بمواد أخرى، أو دراسة المنهاج الفنلندي من جديد.

ولفت محدثنا إلى أن “الكثير من اللاجئين السوريين من حملة الشهادات العلمية كالهندسات اضطروا للعمل كسائقي باصات-حافلات نقل عمومي- بعد التحاقهم بدورات تدريبية لا تتجاوز الثلاثة أشهر يحصلون بعدها على عمل، لأن معادلة الشهادات في فنلندا قضية معقدة وشائكة ودونها أشهر طويلة وربما سنوات”.

 وألمح محدثنا إلى أن “الحكومة الفنلندية تمارس تمييزاً في معادلة الشهادات وتعقد الأمور على من يريد تعديلها كي لا يكتظ سوق العمل بمن هم غير فنلنديين”.

مهنة المحاماة بدورها لا تبدو بعيدة عن هذه التعقيدات بالنسبة لمن يحمل شهادتها من اللاجئين السوريين في بريطانيا إذ يُشترط بمن يريد مزاولة المهنة أن يكون قد درس القانون البريطاني وتدرب في هذا المجال -كما يقول المحامي “عبد المنعم رضوان” الذي لم يتمكن من مزاولة المجال الذي عمل فيه لسنوات في سوريا فاتجه للعمل في مجال الترجمة الفورية نظراً لأنه يتقن الإنكليزية كتابة ومحادثة.

وروى رضوان أنه حاول مع بداية لجوئه عن طريق برنامج التوطين دراسة القانون في معهد Cilex ولكنه توقف عن الدراسة بعد قرابة الـ 3 أشهر بسبب الظروف المادية، واضطر للعمل لاحقاً في الترجمة، ونظراً لعمله في الترجمة وعمله كموظف في المشاركة المجتمعية بدوام جزئي لم يتمكن المحامي القادم من حمص من تعديل شهادته إضافة إلى أن القوانين في بريطانيا–كما يقول– لا تسمح بممارسة مهنة المحاماة قبل دراسة العديد من المواد.

ولفت رضوان إلى أن “نظام دراسة المحاماة في بريطانيا يختلف عنه في سوريا من حيث القانون والتشريعات والتقنين والمواد القانونية”، وهناك -كما يقول- صعوبات جمة من حيث ارتفاع التكلفة المادية والوقت الطويل للحصول على الشهادة وبعدها التدريب.

وأكد المحامي رضوان أن معظم حملة شهادة المحاماة من اللاجئين السوريين في بريطانيا لا يعملون بشهاداتهم ويمارسون أعمالاً أخرى بسبب محدودية سوق العمل مشيراً إلى أن “عدد المتقدمين من أصحاب المؤهلات للحصول على الوظائف، ومنها التدريس في الجامعات أكبر من عدد الوظائف الشاغرة في سوق العمل البريطاني”.

ونفى محدثنا أن تكون هناك سياسة لاستيعاب البريطانيين وستبعاد غيرهم كما في الكثير من البلدان العربية لأن بريطانبا –كما يؤكد- تطبق مبدأ تكافؤ الفرص ويكفي أن نسبة الفساد هنا تكاد تكون معدومة، حسب وصفه.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات