أصوات القذائف والصواريخ والرصاص تعلو، كلما اقترب من محل «الخراطة» الذي يعمل به في بساتين أبو جرش. هو يدرك حجم المخاطرة التي يخاطر بها بحياته، كونه يتجه للعمل في مثل هذا اليوم السيء أمنياً، لكنه لم يدرك حجم الخطر الذي التهم طفولته كما التهم سواد الشحم جسده وملابسه كلها.

هذا الطفل الذي لم يتجاوز الـ 11 عاماً من عمره، يعمل مع 3 أطفال غيره في مهنة صعبة حتى على الكبار، وتتطلب مجهوداً عضلياً يفوق أحجامهم الصغيرة، لكن لا من حسيب أو رقيب، فأصحاب المهن في المنطقة هناك يعتمدون على الأطفال بشكل شبه أساسي في العمل، ولا يبالون إن كبتوا طفولتهم، أو تضررت صحتهم أو نفسيتهم، فيمكن سماع الصراخ والشتم في كل مكان، وقد تتطور المرحلة للضرب في بعض الأحيان.

استغلال للحاجة وتقصير حكومي

«ميكانيكي- نجار- حداد- محل خراطة» كلها مهن تعتبر غير مناسبة للأطفال، لكن أصحاب هذه المهن أو غيرهم، من أرباب العمل كأصحاب المحلات والورش والمصانع أو المعامل، لا يبالون، فالمهم لديهم تأمين يد عاملة وبسعر رخيص، مستغلين حاجة الأسر السورية الماسة لتأمين قوت يومها، مهما كانت الظروف صعبةً، ومستغلين أيضاً، عدم وجود قانون صارم يطبق ليردعهم

قاضي التحقيق السادس بدمشق المختص بقضايا الأحداث، علاء تيناوي، يرى في حديث إذاعي، إن صعوبة الحياة والظروف التي تعيشها الأسر السورية اليوم، أجبرتها على القبول بعمل أطفالهم في سن مبكرة، ومن هذه الظروف الفقر، والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي، وانخفاض مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وارتفاع تكاليف التعليم، وعدم جاذبية مناهج التعليم ووسائلها، وعدم الموائمة بين المناهج التعليمية وسوق العمل، إضافةً إلى ارتفاع حجم الأسرة، وضعف الروابط الأسرية وزيادة حالات الطلاق، وسفر أحد ذوي الطفل، والتأخر بلم الشمل.

وأشارت الإحصائيات التي خرجت عن منظمة العمل الدولية عام 2012 أي بداية الأزمة في سورية: إلى إن نسبة الأطفال العاملين بين 10-17 عاماً، تبلغ حوالي 18%، إلّا أنها تضاعفت خلال الحرب لتصل عام 2016 إلى 38% وهؤلاء متسربون من الدراسة، بحسب ما كشف عنه تيناوي.

38% من أطفال سورية يعملون!

وفي عام 2015 كشفت منظمة العمل الدولية في تقرير لها: عن أنّه من 20 إلى 30% من الأطفال في الدول ذات الدخل المنخفض ينتقلون للعمل قبل بلوغ الـ 15 عاماً وجزء كبير منهم يترك المدرسة، بينما بلغ عدد الأطفال العاملين في العالم حوالي 165 مليون طفلاً منهم 120 مليون في الدول الفقيرة والتي تشهد حروباً بالفترة الأخيرة.

ويقول القاضي تيناوي: إن بعض الأعمال التي يمارسها الأطفال في سورية في الظروف الحالية قد تؤدي إلى ضررٍ نفسي وعقلي وأخلاقي، وتؤثر على قدرة الطفل بالمطالبة بحقوقه، مشيراً إلى أن قانون العمل السوري رقم 12 لعام 2010 في المنشآت المرخصة، يشترط على تشغيل الأطفال، أن يتم الطفل عمر الـ 15 وينهي تعليمه الإلزامي، الذي حدد مؤخراً بالصف التاسع.

لا يلتزم أحد بهذا القانون، وبمجرد جولة صغيرة على بعض محلات الوجبات السريعة، أو السوبر ماركت، أو الميكانيكية وغيرها من مهن، كالبناء ومجالات أخرى مجهدة، يمكن ملاحظة حجم الأطفال العاملين تحت سن الـ 15، ولساعات طويلة، فقد بات أصحاب المهن هذه «يعتمدون على عمالة الأطفال بنسبة كبيرة، وخاصةً مع سفر الشباب إلى الخارج، أو التحاقهم بالخدمة الاحتياطية، والخدمة الإلزامية» بحسب أحد العاملين في مجال «الطينة».

يجب تطوير القانون

ينص القانون في سورية على منع تشغيل الأطفال أكثر من 6 ساعات، مع فترة راحة ووجبة غداء، مع منع تشغيله ساعات إضافية، ومنع تشغيله ليلاً، أو دون موافقة ولي أمره، وهذه الشروط كلها لا تؤخذ بعين الاعتبار، عندما بات أصحاب المحلات والمهن، يستغلون حاجة الأسر للمال نتيجة الأوضاع الصعبة وخاصةً عند غياب رب العائلة وجميع الذكور، وغياب الرقابة والقانون.

يقول تيناوي: إنّ تسيب الأطفال نتيجة عملهم دون رقابة أو تطبيق القانون يؤدي إلى استغلال الطفل أو إدمانه، أو تعرضه للخطف، وتجارة الأعضاء ومخاطر كثيرة، مشيراً إلى أن ظاهرة تشغيل الأطفال استفحلت، وصار لها نتائج سلبية على المجتمع، مطالباً بتطوير الجانب القانوني والتشريعي، وسن قوانين صارمة، للحد من تشغيل الأهل لأطفالهم، مع توفير بيئة اجتماعية وإقامة مشاريع صغيرة، وتعديل مناهج التعليم، ومحاربة التسول، وتفعيل التدريب المهني.

حديث تيناوي كله، يشير إلى قصر الجانب القانوني في سورية، وإهمال الطفولة، مايهدد مستقبل البلاد، «بانتاج جيل يغرق بمستنقع الجهل والأمراض الجسدية والنفسية والاجتماعية، بدلاً من جيل عمل على مستقبله وزاد من قدراته العلمية» كما قال تيناوي في حديثه.

في الملاهي الليلية!

بدوره كشف المقدم بسام الأمين، رئيس فرع حماية الأحداث، في حديث إذاعي أيضاً، عن حالات لعمالة الأطفال ليلاً، ضمن الملاهي الليلة، مشيراً إلى أنه يمنع عمل الطفل في المهن التي تتطلب التعامل مع أدوات وآلات خطرة بالإضافة إلى الملاهي الليلية، والطباعة بالرصاص، وقشر القنب والصوف واستخراج البترول، وأية مهنة تتطلب حمل أوزان ثقيلة.

وأضاف «يمنع عمل الأطفال تحت سن 15 عاماً نهائياً، بينما يجب أن يخضع عمل الأطفال بين 15 لـ 18 في المنشآت المرخصة لشروط معينة، منها: أن يكون قد أنهى التعليم الأساسي، مع بطاقة عمل مزاولة مهنة بعد خضوعه لفحص طبي، وموافقة وزارة الشؤون، وتشميله بالتأمينات»، وتابع: «إن لم توجد تلك الأوراق يوقف صاحب المنشأة».

وبجولة بسيطة على بعض المنشأت المرخصة في دمشق، لم يحمل أي طفل بطاقة عمل، ولم يسجل لا الكبار ولا الصغار في التأمينات الاجتماعية!؟

سيريا ديلي نيوز


التعليقات