يشكل تحدي الشتاء والبرد، من قبل الطلاب والتلاميذ داخل الصفوف المدرسية، هاجساً مؤرقاً ومعاناة، ليس للطلاب والتلاميذ فقط بل لذويهم أيضاً، وكما كل موسم مدرسي تتناقض التصريحات الرسمية مع الوقائع اليومية للطلاب.

واقع الحال يقول: أن هذا الموسم الشتوي لن يختلف عما سبقه من مواسم بالنسبة للطلاب، كما لن تتغير التبريرات والذرائع كما كل عام، اعبتاراً من عدم توفر المدافئ وجاهزيتها مع نقص مخصصات المحروقات، مروراً بعدم توريد الدفعات منها بالمواعيد المفترضة، وليس انتهاءً بقذف المسؤولية على فساد بعض الإدارات المدرسية وجزء من كادراتها، على الرغم من عدم نفينا لوجود بعضها، بمسعى لإبعاد المسؤولية عن الوزارة والمديريات، كما عن لجان المحروقات في المحافظات، باعتبار أن توريد المخصصات إلى المدارس يقع على عاتقها بالتنسيق مع مديريات التربية في كل محافظة.

تصريحات رسمية

في تصريح لوزير التربية قبيل افتتاح الموسم المدرسي لهذا العام، قال، عبر إحدى وسائل الإعلام: «وزارة التربية تعمل على الاستخدام الأمثل لإمكاناتها المتاحة، فتسعى جاهدة إلى تأمين المستلزمات للمدارس من تدفئة وغيرها»، معقباً: «والوزارة حريصة أيما حرص على التعاون مع الجهات المختلفة، لكشف أي خلل أو تقاعس، في أية مؤسسة تعليمية ولاسيما المجتمعات المحلية والأهل، ووسائل الإعلام».

في حين صرحت إحدى المختصات والمسؤولات في وزارة التربية، لوكالة «سبوتنيك» بتاريخ 11/11/2016: «يواجهنا حالياً تحدٍ جديد وهو موسم الشتاء القاسي، الذي لطالما تغلبنا عليه في أيام الدراسة للطلبة، وتحاول وزارة التربية جاهدة، تأمين ما يستلزم من الحاجيات الدراسية كلها، من لباس شتوي ومعاطف وأحذية شتوية للطلبة، غير مواد المحروقات للتدفئة، للمدارس كلها على مد مساحة القطر»، و«أن احتياطات المحروقات والقرطاسية واللوازم تم توزيعها بوقت سابق، على أعداد كبيرة من المديريات التعليمية مع المدارس».

المستغرب بهذا التصريح هي: المبالغة، فما قيل عن توزيع ألبسة شتوية ومعاطف وغيرها للطلبة، هي حالات قليلة لم تشمل إلا عدداً قليلاً من المدارس، وليس للطلبة كلهم، رغم حاجة الكثير منهم الفعلية لهذه الاحتياجات، بل وحتى المنظمات الدولية المعنية، لم يكن منها إلا مبادرة توزيع حقائب مدرسية مع بعض القرطاسية، بالتنسيق مع وزارة التربية، مع ما تبعها من أحاديث وتصريحات متناقضة مع الواقع أيضاً.

تفاوت يثير علامات استفهام

الثابت بالأمر أن هناك تفاوتاً في واقع التدفئة بين المدارس، فبعض الطلبة استمرت شكواهم من البرد داخل الصفوف، لانعدام التدفئة فيها بشكل نهائي، كما جرت عليه العادة في كل موسم، بينما انخفضت تلك الشكاوى في مدارس أخرى، على الرغم من عدم توافر التدفئة بشكل دائم فيها، واقتصارها على الأيام شديدة البرودة، وعلى الحصص الصباحية الأولى فقط.

هذا التفاوت يضع الكثير من علامات الاستفهام، بوجه الإدارات في بعض المدارس، بينما تتكاثر تلك الاستفهامات الموجهة لوزارة التربية ومديرياتها، لعدم توفير التدفئة بالشكل المطلوب والمستمر طيلة فصل الشتاء لكافة للصفوف والمدارس كافة.

والدة إحدى التلميذات قالت: «العمى ع هالسمعة، فوق الدروس الخصوصي وحق الدفاتر والكتب، بمدرسة بنتي بدهم الطلاب يجيبو مازوت للصوبا، شو بقي من المدرسة معناتها غير زرب الطلاب كم ساعة ورا المقاعد؟!».

تقنين على التقنين

بعض الإدارات المدرسية، صرحت عن وجود نظام تقنين على مخصصات التدفئة من مادة المازوت، وذلك بناء على توجيهات مديريات التربية والوزارة، وذلك بوضع 1.5 ليتر مازوت بكل مدفئة كل يوم، وبكل شعبة صفية، بالمقابل فإن كمية المخصصات المستلمة لا تكفي تأمين هذا النمط من التقنين في الصفوف كلها، مما يضطر هذه الإدارات إلى تنفيذ برنامج تقنين على التقنين، من أجل تحقيق نوع من العدالة على مستوى توزيع التدفئة في الشعب الصفية، مع زيادة الاهتمام بالصفوف الأولى من مرحلة التعليم الأساسي، كونهم أطفال وصغار بالسن، على حساب بقية الشعب الصفية في المدارس، وشكوى هذه الادارات، تتمحور حول عدم كفاية المخصصات لتأمين التدفئة للصفوف والشعب كلها.

بالمقابل هناك بعض المدارس التي وجدت من برنامج التقنين، وتناقضه مع كمية المخصصات المستلمة، ذريعة لتبرير سوء استخدام هذه المخصصات، واحتكارها في بعض المدارس، على مستوى غرف الإدارة وقاعة المدرسين، دوناً عن الطلاب وصفوفهم، فيما يتحكم أيضاً بهذه الكميات بعض المستخدمين بالمدارس أحياناً.

لدرجة تقوم بعض الإدارات بغض الطرف أحياناً، عن بعض الطلاب الذين يجلبون «حرامات وأغطية» إلى المدارس، بظل عدم مقدرتها على تأمين مصادر تدفئة لهم.

محافظة دمشق تشتكي أيضاً

شكوى الطلاب وذويهم من التقصير على هذا المستوى، ومعاناتهم المستمرة منها ليست بالجديدة، كما أنها ليست تجنيّاً، لا على الوزارة، ولا على مديريات التربية وغيرها من الجهات المعنية، بدليل أن مجلس محافظة دمشق كان قد ناقش واقع تأمين مياه الشرب، ومازوت التدفئة للمدارس، وذلك خلال دورته السادسة لعام 2016 بتاريخ 13/11/2016، عبر مداخلات بعض الأعضاء، ما يشير إلى وجود مشكلة على مستوى مدارس دمشق بهذه الخدمات، بعد شهرين على بدء الموسم المدرسي، باعتبار أن المدارس قد انطلقت بتاريخ 18/9/2016.

لكن، وعلى الرغم من مضي شهر على تلك الجلسة أيضاً، إلا أن واقع هذه الخدمات ما زال على حاله، سواء على مستوى التدفئة، وتأمينها بالمدارس، أو على مستوى مياه الشرب أيضاً، حيث تعاني بعض مدارس العاصمة من عدم توفر مياه فيها، لا للشرب، ولا للمغاسل ودورات المياه، ما يعني جحيماً حقيقياً بالنسبة للطلاب بالنتيجة، برغم أن مجلس المحافظة جهة تنفيذية ومعنية أيضاً، ولكنه على ما يبدو سينضم إلى الطلاب وذويهم بالشكوى!.

4 ملايين طالب  معرضون لبرد الشتاء ومرضه

حسب البيانات الرسمية هناك بحدود أربعة ملايين تلميذ وطالب بالموسم المدرسي لهذا العام، موزعين على مختلف مراحل التعليم، بما فيها مرحلة رياض الأطفال، استقبلتهم بحدود 15 ألف مدرسة بالقطر، وحسب التصريحات الرسمية قبل بدء الموسم المدرسي بأن هذه المدارس بحالة جهوزية تامة، وهي مستعدة لكل طارئ.

وبناءً على هذه البيانات والتصريحات، فمن المفترض أن تكون مخصصات مازوت التدفئة للمدارس، ضمن حدود الجهوزية التامة، التي تم الحديث عنها، كما أن من ضمن الجهوزية: التنسيق مع لجان المحروقات في كل محافظة من أجل حسن توريد الكميات المخصصة، بشكل لا تؤدي لانقطاع مادة المازوت عن المدارس، الأمر الذي لم يكن على المستوى المطلوب تنفيذياً حتى الآن.

هذا يعني، أن أربعة ملايين طالب وتلميذ معرضون لبرد الشتاء وأمراضه، بظل ما يحكم أمر تدفئتهم من تناقض بين الواقع والتصريحات، إن لم يتم تدارك هذا الأمر قبل شهور البرد القارسة القادمة، وذلك باجراءات عملية وتنفيذية تقع على عاتق الحكومة، وليس على عاتق وزارة التربية فقط، وخاصة بالنسبة لزيادة المخصصات من مادة المازوت، للمدارس كافة، وحسب الاحتياجات الفعلية لكل منها حسب تعداد الشعب الصفية فيها، مع اجراء الصيانة اللازمة لوسائل التدفئة المتاحة بكل منها، والتنسيق مع لجان المحروقات بوضع برنامج توريد يتناسب مع واقع كل مدرسة واحتياجاتها وسبل تأمينها.

تنويه

من الهام أن نذكر المعنيين بالوزارة ومديريات التربية، بما جرى العام الدراسي الماضي، وما سبقه من أعوام، من انقطاع بعض الطلاب عن المدارس بسبب البرد القارس والأحوال الجوية، لعدم وجود مصادر تدفئة بالمدارس، كما من المفيد تنبيههم أيضاً من خطورة بقاء المدارس دون تدفئة، وما يحمله ذلك من عواقب وآثار سلبية على صحة وسلامة الطلاب والتلاميذ، جراء أمراض الانفلونزا والرشح والسعال والتهاب القصبات وغيرها، بما في ذلك من عوامل مساعدة لانتقال الفيرسات والأمراض بين الطلاب، نتيجة الاكتظاظ بالصفوف المدرسية، ناهيك عن عدم التركيز كنتيجة سلبية مباشرة يحصدها الطلاب جراء شعورهم بالبرد ومعاناتهم معه، خلال الحصص الدرسية!

سيريا ديلي نيوز


التعليقات