دعنا من الأرقام والدراسات المحلية والدولية التي تشير لنسبة وحجم  البطالة في سورية حالياً، علما بأنها تخالف الأقاويل كلها التي تتحدث عن عدم وجود فائض عمالة (بطالة)، ولندخل صلب الموضوع مباشرة من أرض الواقع, لنرى إن كان هناك بطالة أم نقص عمالة.

 

قبل أن ندخل في تعريف البطالة وأنواعها؛ لابد من الحديث أولاً عن سوق العمل، وحين نقول سوق فهذا يعني بأن هناك بضائع للتبادل، وبالتالي فإن سوق العمل هو السوق الذي يتم فيه بيع وشراء البضاعة النوعية الوحيدة في هذا السوق وهي (قوة العمل) وهذا يوضح بأن قوة العمل مجرد سلعة تخضع لقوانين السوق، أي العرض والطلب، فإن كان العرض أعلى من الطلب فإن سعر السلعة سينخفض، وإن كان العرض أقل من الطلب فإن سعر السلعة سيرتفع, وطبعاً فإن سعر قوة العمل هنا هو الأجر الذي يعطيه الطرف الشاري للطرف البائع مقابل قوة عمله التي يملكها، سواء كانت عضلية أم ذهنية.

 بديهيات

كي نصل لما نحاول شرحه فسوف نعكس العملية، أي أننا سنحاول معرفة نسبة العرض والطلب على قوة العمل من سعر السلعة (الأجر)، فإذا كان الأجر أعلى من القيمة الحقيقية (للسلعة) فإن الطلب على قوة العمل أعلى من العرض، والعكس صحيح، فإن أسقطنا هذه العملية على أرض الواقع وسألنا السؤال ما هو متوسط الأجور الحالي في سوق العمل؟ فسنجد بأنه لا يتعدى في أكثر الإحصائيات تفاؤلاً  بضعة آلاف ليرة شهرياً، فهل هذا الأجر (سعر قوة العمل شهرياً) أعلى أم أدنى من القيمة الحقيقية له؟.

(ما بدها كتير ...)

إن قيمة أي سلعة تحددها الكلفة الضرورية اللازمة لإعادة إنتاجها، وقوة العمل واحدة من هذه السلع، ولذلك تحدد قيمتها بمجموع ما تحتاجه من أجل إعادة إنتاجها مجدداً، وتلك الحاجات هي نفسها وسائل العيش الإنسانية الطبيعية، من غذاء ودواء وسكن ونقل ولباس وتعليم، وقد وصلت كلفة هذه الحاجات وفق الدراسة الاقتصادية الدورية لجريدة (قاسيون) للربع الثالث من السنة الحالية هي 290 ألف ليرة للأسرة المكونة من خمس أفراد، فحصة الفرد الواحد 58 ألف شهرياً، أي أن متوسط الأجور 40 ألف هو أقل من كلفة معيشة فرد واحد فقط ( فكيف إن علمنا بأن الفرد العامل بسورية يتكفل بمعيشة أكثر من فرد) وعليه فإن سعر قوة العمل أقل من قيمتها الحقيقية، مما يشير إلى أن العرض أعلى من الطلب بنسبة كبيرة جداً، وحين نقول بأن العرض أعلى من الطلب في سوق العمل، فهذا يعني وجود بطالة، بل بطالة سافرة لأنها أدق.

بطالة عن بطالة (بتفرق)

تتعدد أنواع البطالة وفقاً للتصنيف المتفق عليه، فمنها السافرة والمقنعة والاحتكاكية والهيكلية والاختيارية ..الخ، ولا يخلو أي مجتمع من هذا النوع أو ذاك، ولطالما كانت نسب البطالة بأنواعها المختلفة هي أحد المؤشرات الأساسية لتقدم المجتمعات وتحضرها، ولمنسوب العدالة الاجتماعية ..الخ، وسنقف هنا عند نوعين: 

أولهما: البطالة السافرة، أي حالة التعطل الظاهرة بجزء من قوة العمل المتاحة، وبمعنى آخر وجود عدد من الأفراد القادرين على العمل والراغبين به والباحثين عنه عند مستوى الأجر السائد دون جدوى، وهذا النوع من البطالة لم يفارق بلادنا منذ عقود وبنسبة عالية، خاصة بعد إغراقنا في وحل السياسات الاقتصادية الليبرالية.

وأما الثانية، فهي: البطالة الهيكلية، وهي بطالة نوعية، أي تصيب قطاعات اقتصادية محددة دوناً عن غيرها، مثال على ذلك: فائض عمالة (بطالة) في صفوف العمال الزراعيين بسبب سنين الجفاف، وفي الوقت ذاته يكون هناك نقص عمالة في قطاع الصناعات الإنشائية.

إنها نقص عمالة تخصصية

ينطلق البعض من تبني الفكرة التي تقول بأن هناك نقص عمالة، وبأن نسبة البطالة صفر، وبأن مظاهر البطالة التي تظهر بالمجتمع هي بطالة اختيارية محضة من ظاهرة بدأت بالظهور أواخر العام 2013، حيث بدا واضحاً النقص التدريجي والمستمر للعمالة الفنية والتخصصية المهنية، خاصة في منشآت القطاع العام، وما لبث أن لحق به القطاع الخاص، وهذه حقيقة تعود أسبابها لعوامل عديدة أهمها: السلوك الحكومي بإدارة الملف الاقتصادي والمالي والمعيشي خلال الأزمة، الذي أفقر العاملين بأجر وأفقدهم القيمة الشرائية لأجورهم ورفع عنهم الدعم المباشر وغير المباشر، فانتشروا في الأرض طلباً للرزق يسعون في مناكبها داخل الحدود وخارجها، ونعود لنؤكد بأن هذا النقص لا ينفي البطالة بل يجب القول بأن هناك نقص عمالة تخصصية، لا أن نبني تصورنا لسوق العمل بناءً على أن هناك مئتي شاغر لفنيين ومهنيين في القطاع العام والخاص.

بالإعادة إفادة

سبق وأن عالجنا على صفحات (قاسيون) وبأكثر من مناسبة موضوعة البطالة، وصوبنا الموقف الطبقي الموضوعي في وجه تلك الأصوات التي تخرج من هنا وهناك، وبمناسبة وبغير مناسبة، والمدعية بمجملها سهواً أو عمداً الفكرة القائلة بعدم وجود البطالة، وبأن لا عمالة فائضة في البلاد، وبأن الأزمة الكارثية الشاملة فعلت فعلها وامتصت فائض العمالة الذي كان يجثو على صدور السوريين واقتصادهم ( القوي الصاعد والمقاوم) قبل الأزمة، وأشرنا أن تكون هناك رؤية تحدد الموقف من تلك القضايا المتعلقة بالأجور والبطالة ومسبباتها، فكل من يدّعي نظرية نقص العمالة يقصد بأنه لا داعي لزيادة الأجور، ولا داعي لرفع نسبة الأجور من الناتج المحلي، وبالتالي لا داعي لأي تغيير جذري للسياسات الاقتصادية (فعمالنا بألف خير والشغل على قفا مين يشيل) ونحن نعقب: بهكذا أجور لا تطعم أسرة العامل خبزاً وبصلاً, تكون نسبة البطالة في سورية 100%.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات