رأت غرفة تجارة دمشق في دراسة حديثة لها أن المجتمع السوري له خصوصية في الاستهلاك، وقد تأثر سلوك الاستهلاك لدى المواطن السوري بشكل كبير نتيجة الأزمة، 

وهو سلوك طبيعي بسبب ارتفاع أسعار النقل وتغيرات سعر الصرف التي أدت إلى ارتفاع سعر السلعة بنفس النسبة ولكن في بعض المنتجات كان الارتفاع أكبر حتى من نسبة ارتفاع أسعار النقل وتغيرات سعر الصرف وهي مفارقة غير منطقية حيث إن المنتج يتكون من الكثير من العناصر التي لم يرتفع سعرها.

 
وأخذت الدراسة بالعوامل النفسية التي تتعلق بالمستهلكين السوريين الذين لديهم ميل نحو التخزين ما ساعد في رفع الأسعار إضافة إلى عامل آخر يتعلق بعدم ارتباط الأسعار السورية بالأسعار العالمية، ويعود ذلك إلى طبيعة الاقتصاد الكلي في سورية والسياسة المالية التي تتبعها الحكومة والتي لا تربط الإنفاق الحكومي بالمستوى العام للأسعار إضافة إلى عدم وجود عمليات للسوق المفتوحة.
مشيرة إلى مفارقة أخرى وهي أن انخفاض أسعار حوامل الطاقة على المستوى العالمي في مقابل ارتفاعها المتزايد في سورية.
 
وبينت أن القرارات الحكومية التي تضمنت رفع أسعار حوامل الطاقة مثل البنزين والمازوت والغاز يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق والخدمات بنسبة 100% حيث إن الأسعار سترتفع بدءاً من أجرة السرفيس ولا تنتهي بقلم الرصاص.
 
تجارة :الترشيد غير مدروس
ووصفت الدراسة سياسة ترشيد الاستيراد التي تعلنها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بغير المدروسة ولا تعتمد على معرفة حاجات ومتطلبات السوق الحقيقية، حيث يستدعي الأمر وضع سياسة تؤدي إلى معرفة حاجة السوق عبر اتباع سياسة تجارة خارجية واضحة المعالم واعتماد إجازة استيراد واضحة وممولة حسب طبيعة المادة (أساسية غذائية أو مادة أولية تدخل في الصناعة المحلية).
 
الأسعار: قصة التفاوت
بمقارنة أسعار السلع بين عام 2015 وعام 2016 والأخذ بمتوسطات الأسعار لسلة المواطن السوري الغذائية والمقارنة بينهما سجلت الدراسة ومن خلال المعطيات المدروسة تفاوت كبير في معظم الأسعار مقارنة بجميع السلع الأساسية. وعلى صعيد الخضار والفواكه التي تشكل الجزء الأهم من مائدة المستهلك في سورية، فقد شهدت ارتفاعاً كبيراً أثار حالة من عدم الثقة لدى جميع فئات المجتمع وخاصة في الارتفاع الأكبر وغير المسبوق لمادتي الموز والليمون مع الإشارة إلى أن الليمون إنتاج محلي وليس مستوردة وهي تعتبر من المواد الغذائية الأساسية.
وأشارت الدراسة إلى مادة السكر الأكثر استهلاكاً من الناس وتدخل في مختلف أنواع الأغذية بشكل أساسي وتدخل أيضاً في عدد كبير من الصناعات الغذائية وتعتبر مادة أولية فيها حيث ارتفع سعر الكيلو بنسبة تجاوزت 220% بين عامي 2015 و2016
ومما ساهم في ارتفاع سعر هذه المادة بشكل كبير هو توقف توزيع السكر المقنن منذ أكثر من عام رغم أنها تمول بشكل كامل من مصرف سورية المركزي وكانت من ضمن المواد التي تعمل الحكومة على تثبيت سعرها من خلال القرارات التي أصدرتها.
تجارة
 
واقع سعر الصرف
وبمقارنة سعر صرف الدولار بين عامي 2015 وعام 2016 وصفت الدراسة عام 2015 بأنه عام سيئ على الليرة السورية مقارنة بباقي سنوات الحرب إذ ارتفع الدولار مقابل الليرة السورية بأكثر من 85.7%، مقارنة بنحو 44.8% في عام 2014 ونحو 55% في عام 2013 حيث تراوح سعر صرف الدولار فيه بين 210 ليرة للدولار بداية العام إلى نحو 390 ليرة، كما وأصدر مصرف سورية المركزي ما يزيد على 285 نشرة خاصة بالمصارف وشركات الصرافة خلال عام 2015 رفع فيها سعر صرف الدولار أمام الليرة بأكثر من 70%.
 
ووصفت الدراسة عام 2016 بالكارثة الحقيقية على الليرة السورية فقد وصل سعر صرف الليرة السورية إلى 650 للدولار الواحد وبنسبة زيادة عن عام 2011 وصلت إلى 1200% وهو رقم كبير جداً وبنسبة زيادة 66% عن عام 2015 ورغم أنها أرقام السوق الموازية إلا أن هذه الأرقام كان لها التأثير الحقيقي على جميع نواحي الحياة الاقتصادية في سورية فكل الفعاليات الاقتصادية كانت مضطرة للتعامل مع هذا الارتفاع غير المسبوق وغير المتوقع.
 
وبالرغم من هذا التأثير الكبير لأسعار السوق الموازية إلا أنها ارتأت الاعتماد في هذه الدراسة في المقارنة على سعر الاستيراد في صرف الدولار وليس سعر السوق السوداء لكون سعر السوق السوداء جزء منه هو ناتج عن عمليات المضاربة
 
حيث كان سعر الاستيراد في عام 2015 هو 353 ارتفع الى600 ليرة عام 2016 أي إنه ارتفع بنسبة 70% ثم عاد وانخفض إلى 470 ليرة قبل شهر رمضان المبارك أي بنسبة ارتفاع 34% الأمر الذي يستدعي أن ترتفع الأسعار بالنسبة لجميع المواد المستوردة بهذه النسبة حتى يستطيع المستورد بالحد الأدنى تعويض رأسماله.
 
الغرفة تقترح
قدمت الدراسة عدة مقترحات لتخفيض الأسعار تحتاج إلى قرارات حاسمة أهمها تثبيت سعر صرف الدولار للمستوردات لمدة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة وعدم ترشيد الاستيراد على حساب توفير البضائع في الأسواق المحلية،
وأن تعمل دوريات التمويل بشكل مهني بهدف ضبط الأسعار وذلك بعد تحديد تكلفة البضائع بشكل حقيقي لكل مادة مع ضرورة قيام الحكومة وعبر مؤسساتها مثل مؤسسة التجارة الخارجية والمؤسسة العامة للخزن والتبريد وغيرها بالتدخل الإيجابي إما من خلال قيامها بالاستيراد المباشر ومن خلال بيعها للسلع الأساسية بسعر التكلفة.
 
لغز اقتصادي
وفي تعليق على الدراسة رأى الدكتور غسان إبراهيم من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أن القدرة الشرائية لم ترتفع والعملة الوطنية بقيت على حالها والأجور والرواتب لم ترتفع بما يتناسب مع الأسعار أو التضخم الحاصل ومستوى المعيشة بقي على حاله إن لم يكن انخفض بشكل كبير.
وأوضح أن ارتفاع الأسعار أو التضخم يكون دائماً أكبر من الزيادات على الرواتب والأجور ولم تكن القدرة الشرائية موازية في أي يوم من الأيام لمستويات التضخم التي تحصل لا في هذه المرة ولا في المرات السابقة وهو لغز من ألغاز الحياة الاقتصادية.
مضيفاً: إنه عندما ترتفع الأسعار تلحقها الحكومة برفع الأجور والرواتب التي لا ترتفع بنفس النسبة وغالباً تكون عملية رفع الأجور أدنى من ارتفاع الأسعار.
ولفت إلى أن التغيير يجب أن يحصل من خلال وضع خطط اقتصادية كلية واقعية جديدة تأخذ بعين الاعتبار تردي وانهيار المستوى المعيشي للمواطن إلا أن ذلك لم يجر فالنهج نفسه والآليات ومنطق التفكير في البحث عن الحلول نفسها والأجهزة الحكومية غائبة عن واقع السوق وتشهد الحياة الاقتصادية والأسواق أسعار حرة كما في أي بلد لكن بلا رقابة.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات