في وقت ينفي و يؤكد فيه البعض وجود  الخطةB  , ويطرح المبعوث الأممي ورقته ذات الإثني عشر بندا ً , وزيارة السيناتور الجمهوري ريتشارد بلاك , ولا أشك أنكم تذكرون زيارة كولن باول إلى سورية في عام 2003 , فهل أتى السيناتور بلاك ليؤكد تقمص ستيفان ديمستورا و إعتماده أمريكيا ً كولن باول جديد ؟ , و ما هي وجهات النظر التي أتى لطرحها , وأي معلومات ٍ أراد الحصول عليها ؟

- مرحلة ما قبل باول ...

فبعد انتهاء حرب تشرين عام 1973, حدث ما لم يتوقعه العدو الصهيو- أمريكي , إذ أعطت العرب روحا ً وأملا ًوثقة ً جديدة بالنفس و السلاح كلغة وحيدة يفهمها العدو , فتصاعدت العمليات العسكرية في الداخل الفلسطيني , وفي القرى الحدودية اللبنانية , فيما اتجهت سورية للإعتماد على الذات بعدما قرأت قرب إنهيار الإتحاد السوفيتي, وتمتين علاقتها بإيران ما بعد الثورة , و لتحضن كل من اّمن بالسلاح و تمسّك بالحقوق , و بالتوازي مع استمرار العدوان الإسرائيلي واستمراره في سياسة التهويد و بناء المستوطنات و التهجير القسري والإنتقام من منفذي الأعمال "الجهادية" ضدهم , فكان أن قامت بإحتياح لبنان في عام 1982 على إيقاع الحرب الأهلية فيها , وإلهاء سورية بحرب تكفيرية إرهابية اعتمدت على تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي, في وقت ٍ أطلق الفلسطينيون إنتفاضتهم الأولى عام 1987, فكان لا بد للإدارة الأمريكية أن تسعى لكسب الوقت بما يتيح للصهاينة تحصين و تطوير قدراتهم العسكرية لتفادي الهزيمة القادمة ..فسعت ومن بوابة السلام إلى إنهاء الصراع المركزي والأساسي في المنطقة و تمكين الإسرائيليون من تثبيت ما إغتصبوه و انتزاع اعتراف العرب بدولتهم المزعومة.

فكان إختيارها توقيت طرح السلام دقيقا ً للغاية , اعتمدت فيه على لحظات عصيبة تخلخل فيها الصف العربي نتيجة خروج مصر من دائرة الصراع و توقيعها اتفاقية كامب ديفيد , كما اختارت شريكها الدولي والقطب المتهاوي الإتحاد السوفيتي الحليف والداعم الأول لسورية قبيل سقوطه الذريع .. فكان مؤتمر مدريد في تشرين الثاني لعام 1991, والتي حولتها إلى جولة تفاوض للتفاوض ليس إلاّ ..و استمر تدهور الأوضاع إلى أن انطلقت إنتفاضة الأقصى في العام 2000 , ومع تصاعد ضربات "مجاهدي" حزب الله اللبناني , و تبلور فكرة المقاومة بقيادة الدولة السورية و بدعم مطلق من الجمهورية الإسلامية الإيرانية , الأمر الذي أجبر الإسرائيليون على الإنسحاب من مناطق واسعة في الجنوب اللبناني في 25 أيار عام 2000.. في الوقت الذي أطلق ملك السعودية خلال القمة العربية في بيروت عام 2002 مبادرة السلام العربية الجديدة  في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين , والتي تهدف لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب العدو من هضبة الجولان المحتلة، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان, مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل.. و بذلك يكون قد نسف قاعدة مؤتمر مدريد للسلام و التي طرحت الأرض مقابل السلام.. واستبدلها بالأرض مقابل التطبيع والإعتراف بالدولة الإسرائيلية.

إذ أتت المبادرة العربية بعد أحداث أيلول الشهيرة عام 2001 , وبعدما قررت الإدارة الأمريكية التدخل المباشر في المنطقة , وأطلقت مشروعها لغزو العالم , بإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قرار الحرب, فإجتاحت العراق و إحتلته بشكل مباشر عام 2003 , و أرسلت وزير خارجيتها كولن باول الذي حمل مطالب إدارته بنكهة الوعيد والتهديد و التي لم تكن لتتعلق بالعراق نهائيا ً... وإنما لخصها بوقف العلاقة مع إيران وحزب الله وإقفال المكاتب الفلسطينية في دمشق وطرد قادتها.. لكنه سمع من الرئيس الأسد قوله : " لديكم مصالح في العالم ولدينا مصالح في منطقتنا " , " نحن لا نرى الموضوع بشكل إيجابي إلا إذا كان يمر عبر الجولان", " إذا لم يطرح موضوع السلام فلن نتخذ أية خطوات" ، " ليس هدفي أن أربح داخل الطبقة السياسية الأميركية وأخسر سورية", " لا نستطيع أن نطردهم، هذا كلام مرفوض".

- مرحلة ما بعد باول ...

أيقنت الإدارة الأمريكية أن محور المقاومة سيعرقل مشروعها في المنطقة , وأن تنامي قدراته و قوته ستشكل تهديدا ً كبيرا ً لأمن إسرائيل و ربما لوجودها , و كان لا بد لها من توجيه ضربات إسرائيلية استباقية للمقاومة الفلسطينية أو لحزب الله أو لسورية , فاستبقت العدوان بالتأمرعلى سورية عبر القرار 1559 و إغتيال رفيق الحريري , ثم شنت عدوانها على لبنان و المقاومة في 12تموز 2006 , و التي أدت لنتائج كارثية إذ تجرّع العدو الإسرائيلي مرارة الهزيمة النكراء.

لكنها عاودت الكرة وشنت عدوانا ً جديدا ًعلى المقاومة الفلسطينية في غزة عام 2008 – 2009 , و التي لم تسفر عن مكاسب عسكرية ميدانية سوى في تدمير البنى التحتية لقطاع غزة و إراقة دماء الشعب الفلسطيني على مذبح وحشية و همجية العدوان.. ولم يبق أمامها سوى شن الحرب مباشرة ً على الدولة السورية العتيدة و رأس حربة محور المقاومة, و صاحبة الجيش القوي والتحالفات القوية مع الدولة الروسية و إيران وغيرها.

 

إن سعي الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على العالم اعتمدت فيه على قوتها العسكرية , و إجبار العالم على السير وراء سياستها الخارجية , عبر مقايضة أمن الدول العسكري واستقرارها السياسي بعد هزّ و خلخلة أنظمتها السابقة , دون أي إعتبار للقانون أو الميثاق الدولي , و فرضت قواعد الشراكة " المتوحشة " إذ تضمن لحلفائها في أوروبا و تركيا و دول الخليج مكاسب سياسية و إقتصادية , مقابل دعمها لكسب معاركها العسكرية الممولة من جيوبهم .. و استطاعت إنزالهم في خنادقها بمالهم و مقدراتهم و رجالهم مع أحلامهم و أطماعهم , و نفختهم رياحا ً" ربيعية " مسمومة خلخلت أنظمة تونس و ليبيا ومصر خلال أيام و أسابيع , و استعاضت عنها بأنظمة ٍ متطرفة ٍ يقودها الإخوان المسلمون ( المرزوقي , مرسي ) , و أوحت لإخوان تركيا و سورية و الأردن و فلسطين و غيرهم بإنتهاء الفيتو على وصولهم إلى السلطة .. فتقدم أردوغان كقائد إسلامي إخواني , و لم يتأخر القطري و السعودي و حماس الفلسطينية و إخوان سورية والأردن طواعية ً لخدمة مشروعها الشيطاني , الذي لم يلبث أن تحول إلى مشروع إخواني – وهابي بقيادة قطرية و سعودية – تركية مشتركة .

ست سنوات للحرب على سورية و لم تتوقف عملية هز النظام السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي للدولة السورية في حرب ٍ لم يشهد التاريخ مثيلا ً لها , و لم تكن فيها سورية لقمة ً سائغة .. لكن الإدارة الأمريكية استطاعت إدخالها أتون اللعبة الدولية الحقيرة بأدواتها الإرهابية التكفيرية السعودية المنشأ و التمويل و التسليح الخليجي المشترك و خزانه البشري المتوحش من كافة أصقاع الأرض.. و أجبرت الدولة السورية على خوض صراع داخلي تحت عنوان " الثورة" والصراع على السلطة و بعنوان طائفي, وصراع إقليمي يتعلق بدورها السياسي في المنطقة, و دورها في الصراع المحوري المركزي في قضية فلسطين.

لم تستطع الإدارة الأمريكية كسر إرادة الدولة السورية و التفوق على حكمة و شجاعة و قوة الرئيس بشار الأسد و من ورائه الشعب الصامد والجيش العربي السوري القوي و تحالفات الدولة القوية مع روسيا الإتحادية و إيران و كافة منظومة المقاومة.. فأرادت القفز لحصد النتائج و للإبقاء على التفاصيل تحت صفيح ٍ ساخن , ساعية من خلال لقاءات جنيف و بالتوافق مع الروس القطب العائد لإحلال سلامها المشوه على الطريقة اللبنانية وفرض إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي في جولة ٍ جديدة يجري التحضير لها , و بدأت تفوح رائحتها , إذ تسعى لمقايضة بقاء سورية و رضوخها وقبولها السلام على أساس تبادل الأراضي و التطبيع الكامل و حل الدولتين حيث تُعطى الدولة الفلسطينية جزءا ً من سيناء و من صحراء النقب بالإضافة إلى غزة و بما يسمى غزة الكبرى , و الإعتراف بيهودية الدولة الصهيونية , و ترحيل عرب ال48خارجا ً.. خطة ٌ بدأت بإستبدال القيادة المصرية غير المؤثرة للعالم العربي ووضعه رهن القيادة السعودية , التي كان لزاما ً عليها الموافقة على إتفاقية كامب ديفيد , الأمر الذي حصل عبر مسرحية تنازل مصر عن سيادتها عن جزيرتي تيران و صنافير , وسط الحديث عن تتويج التآمر والعدوان السعودي الإسرائيلي على سورية والمقاومة و فلسطين , بإفتتاح السفارة السعودية في تل أبيب , و ما كان في الخفاء ها قد أصبح معلنا ً , الأمر الذي يفسر الضجيج الذي أحدثه نتنياهو و إعلانه ضم الجولان نهائيا ً في محاولة منه لرفع سقف التفاوض حول الجولان , يبدو أن رفض إستقبال المغرب القمة العربية و غضب مصر و إعلان موريتانيا نيتها استضافتها جاء على خلفية الصمود السوري و نجاحاته في الميدان و خاصة ً تحريره تدمر و القريتين , وعزمه التوجه نحو تحرير مناطق سيطرة الإرهابيين في مدينة حلب وريفها الشمالي .. الأمر الذي هدد الولايات المتحدة وتركيا والسعودية و توعدهم بالهزيمة الكاملة , مما أجبر وفد الرياض على الإنسحاب من محادثات جنيف سعيا ً منه لإفشالها , فيما أسرعت إدارة أوباما للتمسك بالهدنة و طلب المساعدة من روسيا و عولت على حكمة الرئيس الأسد , و صبر الشعب الحلبي الذي تعرض لمجزرة شنيعة سقط فيها أكثر من 110 شهيد و أكثر من 1000 جريح و مصاب ناهيك عن الدمار الهائل و الرعب و الهلع , جراء القذائف الصاروخية على الأحياء و البيوت الأمنة  بالأوامر التركية و السعودية التي لا تريد العودة إلى أروقة الحل السياسي ليقينها من الفشل , إن صمت الرئيس أوباما على ما ارتكبوه بحق أهالي حلب يؤكد نوايا إدارته في غرز سكينها من حلب إلى فلسطين كرمى لعيون إسرائيل.

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت لمدينة حلب أن تُذبح نحرا ً لتبقي الدولة السورية على صفيح ساخن و إجبارها على قبول المقايضة بين تقسيم سورية و تشظيها مقابل حل القضية الفلسطينية على طريقتها.. فيما أرادها " العرب" حربا ً للإنتقام من سوريا وفتح الطريق نحو تل أبيب , في وقت  ُأستغل فيه أردوغان كحمار أسفار و كقائد إخواني لمشروع ٍ إسلاموي على حدود أوروبا لن يرى النور مطلقا ً ...

وعليه نسأل السيناتور بلاك هل زيارتك إلى سورية تأتي في إطار إقناعها أن الحل الوحيد في يد العراب الجديد أو وزير الحرب الجديد و كولن باول الجديد المبعوث ديمستورا ؟ و أن كل ما جرى بعد زيارته الأولى يندرج في إطار الخطة B بامتياز.

إن ما لم تقبله سورية في مدريد 1991 لن تقبله اليوم , و ستخوض معركة حلب و ستجعلها مفصلا ً و مناسبة ً لقلب الطاولة و لن تسمح لسكين واشنطن أن تمتد من حلب إلى فلسطين, و لن يكون زماننا صهيو – أمريكيا ً , بل سيبقى سوريا ً أسديا ً مطرزا ً بألوان علم الجمهورية العربية السورية المقدس.

يثق السوريون عموما ًو الحلبيون خصوصا ً كل الثقة بحكمة وشجاعة الرئيس بشار الأسد و بسالة الجيش العربي السوري, و لن يقبلوا بعد صمودهم التاريخي المشهود إلا ّ نصرا ً كبيرا ً يوازي التضحيات ودماء الشهداء الأبرار.

 

المهندس : ميشيل كلاغاصي

 

المقالات الواردة في هذه الزاوية تعبر عن رائي اصحابها وليس بالضرورة أن تعبر عن رئي موقع سيريا ديلي نيوز

سيريا ديلي نيوز


التعليقات