الحكومة السورية تمول نفقاتها بالعجز منذ عام 2006، حين بدأتر النفقات في الموازنات السورية تفوق الإيرادات المتراجعة، سواء من الضرائب، أو من الفوائض الاقتصادية للقطاع العام الاقتصادي، أو من عدم تطور عوائد المال العام من ملكية الدولة لحصص في قطاعات كالنفط الذي بقيت الشركات الأجنبية تنال 49% منه تقريباً، أو الاتصالات الخليوية التي لم تزدد حصة الدولة منها بشكل هام، على الرغم من أن العقود كانت تنص على انتقال العوائد كاملة إليها في نهاية العقد!.

3130 مليار.. خلال أعوام الحرب!

تفاقمت العجوزات، وبدأت تتراكم وتزداد نسبها خلال الأزمة تحديداً، حيث أصبح السحب من الاحتياطي هو وسيلة التعويض الرئيسية للتراجع الكبير في الإيرادات الحكومية.

وأصبح العجز التراكمي في سورية مقدراً بـ 3130 مليار ليرة، أي 12,5 مليار دولار، بسعر صرف الحكومة الرسمي المعتمد في موازنتها لعام 2016 (250 ل./$)، وهو مجموع العجوزات المسجلة في مشاريع الموازنات الحكومية تحت بند المسحوب من الاحتياطي، خلال أعوام الحرب من عام 2011 وحتى عام 2015، بالإضافة إلى العجز المتوقع للعام المالي القادم 2016.

العجز 335% من الاحتياطي النقدي!

بلغت النقود الاحتياطية في نهاية عام 2010: 934 مليار ل.س تقريباً، أي قرابة 20 مليار دولار، بسعر صرف (46.7 ليرة/$)، وذلك اعتماداً على بيانات المصرف المركزي، لصافي الموجودات الأجنبية، وصافي الموجودات المحلية.

أي أن العجز المتراكم البالغ 3130 مليار ل.س، يبلغ 335% من الاحتياطي النقدي عام 2010، وأكثر منه بمرتين وثلث تقريباً.

المقارنة مع الاحتياطي ضرورية نظراً لأن العجز يمول من الأموال المسحوبة من الاحتياطيات، حيث أن الأموال الاحتياطية المذكورة، تكفي لتمويل عجز عامي 2011 و 2012، وأقل من ثلث عجز عام 2013، فمن أين يتم تمويل العجوزات؟!

التمويل بالنقد المطبوع!

عموماً لا يستخدم الاحتياطي لتمويل العجز، بل يتم اللجوء إلى طباعة النقود..

إن مقارنة العجز المتراكم مع كل من الناتج والاحتياطي توضح أن طريقة التمويل بالعجز في سورية، تستمر دون أن تعوض بزيادة في الناتج، وأصبحت تفوق الاحتياطي النقدي منذ أكثر من سنتين، ما يدل على أنها تتم بمعظمها عبر طباعة النقود دون وجود إنتاج متوسع يدعمها، وهو ما يعتبر أحد أهم أسباب تدهور قيمة الليرة، وفقدانها لقدرتها الشرائية!.

حيث أن تضخيم الكتلة النقدية، وتحديداً في الظروف التي لا يتم فيها تحفيز وتوسيع الإنتاج بشكل منظم، وبعملية مدعومة بالاستثمار العام، وبتركه للسوق وقدراتها ورغبتها بالإنتاج في ظروف الحرب، فإن نتائج هذه الأموال شديدة التأثير على التضخم والمستوى العام للأسعار، وهي من المسببات الرئيسية لتدهور قيمة الليرة حالياً. 

العجز قياساً بالناتج 160%!

قد يبرر هذا العجز المتراكم إذا ما كان يعالج بين سنة وأخرى عن طريق توسيع جوانب الإنتاج الحقيقي، أما حالياً فإن العجز يتراكم ويتزايد بين عام وآخر، حتى أنه بات يضاهي الناتج الإجمالي في الأزمة، ولتقدير تفاقمه لا بد من اقترانه بالناتج، الذي لا تعلن الحكومة أرقامه.

آخر إعلان حكومي للناتج الإجمالي، كان في البيانات المالية لموازنة 2013، حين قدرت أن الناتج الإجمالي في 2012 يقدّر بـ2770 مليار ل.س، أي أن العجز المتراكم خلال عامي 2011 و2012 بلغ: 696 مليار ليرة تقريباً، وهي نسبة: 25% من الناتج. العجز المتراكم خلال عامين فقط، بلغ ربع ناتج في عام 2012.

أما آخر إعلان حكومي لنسب الانكماش كان في 9-2015، حين أعلن وزير الاقتصاد أن الناتج انكمش في 2013 بمقدار 30%، أي أنه بلغ وفق التقديرات الحكومية: 1939 مليار ل.س تقريباً في 2013، أما في العامين الأخيرين فقد تضاربت التصريحات الحكومية وصولاً إلى اعتبارها أن الناتج قد بدأ يشهد نمواً لا تراجعاً!..  وهو ما عزفت الحكومة عن تكراره بعدما لاقى نقداً واسعاً!

وبافتراض ثبات الناتج في عام 2015 مع عام 2013، أي اعتباره 1939 مليار ل.س، فإن العجز المتراكم يبلغ: 160% من الناتج المفترض ثباته! أي أننا نحتاج لتغطية العجز فقط إلى ناتج عامين، وربع العام! 

هل الإنفاق والعجز موجودان فعلاً؟!

 

تنبغي الإشارة إلى أن الحكومة تستخدم رقم العجز الكبير، لتبرر الكثير من السياسات والإجراءات التي منطلقها تخفيض النفقات الاجتماعية في الحرب، وأهمها تخفيض الدعم الاجتماعي باتجاه إلغائه، وعدم توسيع الإنفاق الاستثماري، والأهم أن أحداً لا يعلم إن كانت الحكومة تنفق فعلاً ما تعلن عنه في موازناتها، لتبقى أرقام العجز متوقعة، وقد تكون موجودة أو غير موجودة، فما من إصدار لقطع موازنات الحكومة، أي لا تنشر الحكومة حصيلة إنجازها الأساسية، لتبقى الأرقام المعلنة والمستخدمة هي أرقام التوقعات والتخطيط، دون إتاحة إمكانية التدقيق.. 

سيرياديلي نيوز


التعليقات