سيريا ديلي نيوز - سليمان أمين

 

إن كل ما قيل سابقاً عن الوضع المتردّي في مديرية الآثار والمتاحف لم يلقَ آذاناً صاغية، ولم تجد المشاكل العالقة في دروب التراث السوري طريقها إلى الحل، بل تزايدت وتراكمت وتفاقمت أمام أعين المسؤولين، وبات الحل أشبه بالمعضلة، كما أضحت تعقيدات ما يجري أحجية من الوزن الثقيل لا يقدر على حلّها إلاّ أصحاب القرار، ولكن بقرار يتطلّع إليه ملايين المتضررين في الوطن.

عبثٌ وتحدٍّ و ارتكابات:

مدير أوحد للتنقيب والدراسات الأثرية منذ مطلع القرن الواحد والعشرين وحتى العام 2012 حيث غادر معززاً مكرّماً إلى فرنسا رغم أن مهمته الأساسية كانت تحويل التنقيب إلى جملة معزولة معرفياً و معلوماتياً، وترحيل نتائج التنقيبات إلى الخارج عبر الخارجين عن القانون السوري من بعض الأجانب المتربصين شرّاً بالشرق، وبعثرة معطيات المواقع الأثرية في الداخل، وعرقلة مشاريع النشر الأثري الوطنية مهما كان الثمن، ولم يكن أحد يجرؤ على مساءلته أو سؤاله عن التراخيص التي يمنحها لجهات يعرفها جيداً، وفيما لو اعترض أحد على ذلك فإن منظومة كاملة ضمن وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف كانت تتصدى للمعترض وتعمل على تشويه سمعته بأسلوب متفق عليه وهو نعت المعترض بأنه يكتب التقارير، ثم اتهامه بتخوين الآخرين والإساءة إلى "الذمم الوطنية"...!...وهذا الأسلوب المتفق عليه –والذي يتم تلقينه لكل مسؤول ثقافي جديد- إنما يعتبرونه قميص نجاة وقفلاً مُحكماً لأية مخالفة!

أما التراخيص التي كان مدير التنقيب الأوحد يمنحها لجهات مغرضة، فقد كانت تسمح لتلك الجهات بمسح وتصوير الأراضي السورية سطحاً وعمقاً، برّاً وجوّاً، ومنها تراخيص تجعل من بعض المعطيات الأثرية السورية مُلكاً (علمياً) ونشرياً حصرياً لبعض الجهات الأجنبية وحكراً عليها، مما عرّض تلك المواقع في كثير من الأحيان للاستغلال البشع بتوظيف معطياتها لصالح إيديولوجيات مرفوضة وطنياً...فما هو رد مدير التنقيب وكل من كان معه ولا زال –مثلاً-على نشاط البعثة الأميركية في موقع تل موزان في الحسكة"أوركيش القديمة"...وهل اطّلع المدير المذكور على ما نُشر وينشر في العالم عن تل موزان ومحاولات ربطه بما يسمى "بإسرائيل القديمة"بترخيص منه؟!...وما هو رأيه بنشاط الباحث الفرنسي "بنيامين ميشوديل" في مجال القلاع والحصون السورية كافة، وهل فاتته استضافة هذا الباحث في الفضائية السورية حين تحدث عن قلاع إسلامية وصليبية وإسماعيلية في القطر، وهل يرضى مدير التنقيب –حتى تاريخه- على هذا التقسيم الخطير لقلاع القطر...؟...كما نسأله عن رأيه في الخريطة التي نُشرت في مجلة الحوليات الأثرية السورية -والتي يعتبر مسؤولاً عنها في الشكل والمضمون- تلك الخريطة التي تسمي "إسرائيل" بدلاً من فلسطين على حدود سوريا الجنوبية وتقصي الجولان ولواء اسكندرون منها...ونسأل المديرية أيضاً عن الخريطة التي وضعت "إسرائيل" و"يهودا" إلى جانب ممالك سورية القديمة، ونسأل عن مصير قطع أثرية ذهبت بترخيص من "التنقيب" إلى "التنظيف والترميم والدراسة"...

ونسأل مدير التنقيب أيضاً عن شهاداته العلمية: هل كانت تخوله المسؤولية عن وحدانيته في النطق باسم تراث سوريا وتاريخها، ولماذا لم يكن يقبل دخول حَمَلة شهادات الدكتوراة في التاريخ والآثار إلى مديرية التنقيب؟

إن ما جرى في مديرية التنقيب في السنوات السابقة قد يعادل في الخراب الحاصل ما تم تدميره ونهبه من الآثار في العراق وسورية من قبل عصابات القتل والتدمير والسطو والسرقة، ويرى الباحثون أنه لا فرق بين تدمير الموقع الأثري بصاروخ  أو لغم، وبين ترخيص رسمي يزيل ويشوِّه أهم معطيات هذا الموقع إلى الأبد.

 وفوق كل ذلك يقول مدير التنقيب المذكور -المتواري في فرنسا- في حوار مع موقع "القنطرة" مطلع سنة 2014" : لقد دمَّر الجيش السوري من خلال قصفه وغاراته المتواصلة الكثير جدًا من المواقع الأثرية. ومن الممكن ملاحظة النتائج في كلّ من حلب وبصرى وفي قلعة الحصن وكذلك في شارع الأعمدة في تدمر. وكذلك لم يتبقَّ اليوم عمليًا أي شيء تقريبًا من بعض المواقع الأخرى، مثل مدينة حمص القديمة...ويبرّئ المذكور التنظيمات الإرهابية مثل داعش والنصرة من سرقة الآثار السورية بالقول: -مثل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو "جبهة النصرة"- تسيطر جزئيًا على حقول النفط في شمال سوريا. وبالتالي فهم يحصلون على المال بشكل أسرع بكثير من التجارة بالآثار.وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ هؤلاء الإرهابيين لا يرون في القطع الأثرية إلاَّ "أصنام الكفر"...

إن هذه التصريحات التي لم تعلق عليها وزارة الثقافة، إنما تذر الرماد في العيون، ذلك أن التنظيمات الإرهابية لا تدمّر الآثار السورية لأنها "أصنام كفر"، إنما بموجب مخطط مدروس تقف خلفه جهات صهيونية تستهدف الهوية السورية من خلال إبادة أدلّتها الأثرية.

- أما إدارة الآثار الحالية فمستمرةٌ –منذ عام 2012 وحتى تاريخه- بالتغطية على معلومات تخص حدوث مشاريع أجنبية تمت في حقول الآثار السورية لصالح جهات أجنبية تعمل بالوكالة عن مؤسسات معادية- علماً أن نتائج تلك المشاريع الخطيرة قد نُشرت في الغرب، وأحدثها نُشر بدءاً من عام 2011 بعد أن نالت كامل التراخيص المطلوبة من المديرية العامة للآثار والمتاحف بما انطوى على خداع كامل للدولة لعدم إشعارها بخطورة الجهات المنفذة وغاياتها من قبل مسؤولي المديرية، لاسيما وأن بعض تلك المشاريع والأنشطة يرتبط  بالمؤامرة على سورية.

وحول تصريحات وزير الثقافة لمختلف وسائل الإعلام –وآخرها للفضائية السورية في 30/9/2015- بأن الآثار السورية موثقة بشكل كامل وأن نسبة 98% من الآثار السورية بخير، وأن ملف الآثار يجب أن يُسحب من أيدي المعترضين(!) فبالإمكان التوجه إليه بالملاحظات والتساؤلات التالية:

  1. على أية مستندات بنى الوزير تصريحاته، وأي علم أفضى إلى هذه النسبة المئوية؟ وهل بإمكانه استعراض برنامج توثيق معلوماتي واحد مكتمل للآثار والمتاحف؟...على سبيل المثال الفسيفساء الأثري السوري(وخاصةً فسيفساء معرة النعمان وآفاميا والمدن المنسية في الشمال السوري، ومحافظة السويداء...)، الإيقونات(وخاصة إيقونات معلولا وبعض القلاع{على سبيل المثال نشر موقع مديرية الآثاربتاريخ 21/12/2014–ثم جريدة تشرين- خبر اعتزام مديرية الآثار إنشاء قاعدة بيانات للإيقونات الأثرية الخاصة بكنائس القطر وأرشفتها (من خلال كوادر وطنية مدربة ومؤهلة وذلك بالتعاون ما بين مديريتي المباني والتوثيق الأثري والمخابر في المديرية العامة للآثار والمتاحف.)!...فهل ينطبق ذلك مع الحديث عن أن الآثار السورية موثقة بشكل كامل؟...يضاف إلى ذلك أنه –وقبل أسبوع فقط- صرّحت دائرة آثار اللاذقية لتلفزيون الخبر أنها الأولى والوحيدة التي أنجزت توثيقاً لآثارها!فكيف يتطابق هذا الكلام مع تصريحات سابقة تخص توثيق "كل" الآثار السورية؟!}، الجداريات المنتشرة في عدة مناطق، المنحوتات الحجرية، الألواح المسمارية (وخاصةً العائدة إلى إيبلا وأوغاريت وماري وقطْنا وتل براك وغيرها...كل الألواح المسمارية السورية المكتشفة، أين توثيقها؟...هناك لوائح أجنبية لبعض الألواح المسمارية السورية التي لا يوجد لها بيانات في مديرية الآثار رغم أنها مكتشفة نظامياً!)، التلال الأثرية التي تعد بالآلاف، المواقع الأثرية بتنقيباتها ومكتشفاتها(معلولا على سبيل المثال، ماذا تملك مديرية الآثار من توثيق لها ولآثارها من بيوت وكهوف ومغاور ومكتشفات؟ وكذلك الأمر "دورا أوروبوس، أين التوثيق الخاص بها وبمكتشفاتها؟...هذه أمثلة بسيطة وليست حصرية)ف تم تقييم درجة الخطر التي تعرض ويتعرض لها الإرث السوري من قبل المعنيين والمؤتمنين عليه ولماذا قالت بوكوفا " مديرة اليونسكو" في منتصف 2012 بما معناه" أن الخطر الذي يتعرض له الإرث السوري يشكل كسرا نفسيا مباشرا للهوية السورية" هذا الحديث قبل أكثر من سنتين ونصف تقريبا فماذا نقول الآن..؟؟؟إذا لم يكن الإرث السوري حدثا منسيا بالنسبة للعالم والصحافة والإعلام العالمي" كثير من التقارير تحدثت عن الجرائم المرتكبة بحق هذا الإرث " وسؤال برسم المديرية العامة للآثار والمتاحف – أين القائمة الوطنية بما حدث وتذكيرا لهم بأنها – أي الآثار السورية- لم تكن حدثا منسيا أو عابرا فكيف سميتوها بالضحية المنسية؟؟!!!، المباني الأثرية، القطع الأثرية المخزّنة في المستودعات (مستودعات المتاحف، الخانات...لأن أي برنامج توثيق للآثار السورية يجب أن يشمل كل القطع الأثرية التي بحوزة السلطات الأثرية، وليس فقط تلك المعروضة في المتاحف، وهل تم توثيق كل معروضات المتاحف ؟...وهل يمكن استعراض برامجها التوثيقية، وما هو مستوى تلك البرامج؟؟؟)، الآثار السورية المعروضة في المتاحف العالمية(هل هناك برنامج توثيق خاص بها؟)
  2. على سبيل المثال لا الحصر أين برنامج توثيق آثار الرقة التي سُرق جزء هام منها من مستودعات الرقة وتم تهريبها خارج القطر؟
  3. ما هي قواعد البيانات المنجزة في الآثار والمتاحف؟ يجب بيان ما قامت به المديرية العامة للآثار والمتاحف من ناحية التوثيق الأثري المعلوماتي في اتجاهين: 1- البنى البرمجية وعلاقاتها ببعضها.. 2- المحتوى- بالاستناد إلى علم البيانات المقارن-وذلك بهدف معرفة ما تم توثيقه فعلاً وقيمته المعرفية وقدرة تلك المعلومات على حفظ هذا التراث من الضياع.
  4. الاحتكام العلمي له ضرورة قصوى في مسألتين 1- حقيقة إنتاج المؤسسة الأثرية وخاصة في مجال التوثيق المعلوماتي  2- العمل الأجنبي وخاصة في مجال قواعد بيانات النشر الأثري والمنشورات المتمثلة بالكتب والدوريات...ماذا تعرف عنها مديرية الآثار وهل وثّقت شيئاً منها؟ف تم تقييم درجة الخطر التي تعرض ويتعرض لها الإرث السوري من قبل المعنيين والمؤتمنين عليه ولماذا قالت بوكوفا " مديرة اليونسكو" في منتصف 2012 بما معناه" أن الخطر الذي يتعرض له الإرث السوري يشكل كسرا نفسيا مباشرا للهوية السورية" هذا الحديث قبل أكثر من سنتين ونصف تقريبا فماذا نقول الآن..؟؟؟إذا لم يكن الإرث السوري حدثا منسيا بالنسبة للعالم والصحافة والإعلام العالمي" كثير من التقارير تحدثت عن الجرائم المرتكبة بحق هذا الإرث " وسؤال برسم المديرية العامة للآثار والمتاحف – أين القائمة الوطنية بما حدث وتذكيرا لهم بأنها – أي الآثار السورية- لم تكن حدثا منسيا أو عابرا فكيف سميتوها بالضحية المنسية؟؟!!!
  5. ما هو مدى اطلاع وزير الثقافة على قواعد البيانات الأجنبية عن الآثار السورية والتي نُفذت في السنوات العشر السابقة، والتي تحتاج إلى فريق علمي كامل لمراجعتها وتدارك خطورتها؟(قواعد بيانات جامعة توبنغن الألمانية نموذجاً)
  6. هل من المقبول التوجه إلى الشعب عبر الإعلام بمعلومات غير دقيقة، بل لا أساس لها من الصحة، بالإضافة إلى اللكنة التهديدية والقمعية لمن يطالب بتصحيح مسار الآثار والمتاحف؟
  7. ملف الآثار هو ملف وطن تعرض لمؤامرة، ولا يمكن إغلاقه ضمن مزاد التعيين في مناصب أو الاستمرار فيها...وهو ليس لفرز "الوطني" أو "اللاوطني"، فالجانب العلمي فيه يؤكد تعرّض سورية لخطر كبير يجب تداركه.

 

سيريا ديلي نيوز - سليمان أمين


التعليقات


Samir Mouammar
A very fair and accurate report. Thank you.

نبيل نوري
شكرا لكاتب المقال...بحث هام جدا جدا

نبيل نوري
شكرا لكاتب المقال...بحث هام جدا جدا