في عالم السياسة لا مكان للشخصنة لكن دوماً الاستثناء العربي موجود حتى في المفاهيم العامة. فما يحدد السياسات العربية-العربية شخصي إلى حدود بعيدة. لكن دمشق تحاول الخروج من هذا المفهوم لتبني علاقات عربية "جديدة" تقوم على مبدا المصالح بغض النظر عن العلاقة الشخصية مع زعيم هذه الدولة أو تلك. وفي هذا الإطار توضح مصادر مطلعة أن دمشق تتجه لإعادة "ترميم" الجسور المتضررة مع دول الخليج العربي نتيجة أزمتها الداخلية باستثناء قطر، ليس لشيء شخصي (بعد أن كان قادتها أقرب أصدقاء سوريا "والعتب ليس على قدر المحبة هنا")، إنما لأن قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي دعت جهاراً لتدخل عسكري خارجي في سوريا، أي دعت برأي فريق من السوريين "تحديداً السلطة ومؤيدوها" إلى احتلال بلادهم من قبل قوة أجنبية وهو أمر لم يعرف تاريخ السوريين تسامحاً معه مهما كانت مبرراته. وحتى تثبت دمشق ان الأمر لا علاقة له بالشخصنة تستشهد بالعلاقة مع الرياض والتي تشهد علاقة شخصية بين زعماء دمشق والرياض بلغت حد "التنافر" مؤخراً على الأقل من الجانب السعودي، إلا أن سوريا أعلنت استعدادها لمواصلة العلاقة الطبيعية مع الرياض بغض النظر عن العلاقة الشخصية بين الزعماء لأن سقف التدخل السعودي بأزمة سوريا لم يبلغ حد الدعوة لدخول قوات أجنبية واحتلال أراضي سورية. ويجزم مسؤول لبناني بارز أنّ النظام السوري قد تجاوز مرحلة الخطر واستعاد زمام المبادرة على الصعيد الداخلي، وبات الجميع ينتظرون ما ستؤول اليه خطة الموفد الاممي ـ العربي كوفي أنان لحلّ الأزمة السورية، في ضوء ما تتعرض له من تشكيك لدى بعض الدول الداعمة للمعارضة، على وقع تبادل اتهام بخرق وقف النار. في غمرة التشكيك بنجاح مهمة أنان، وفي ظل التقدم الميداني الذي أحرزه النظام في مواجهة خصومه، الى جانب التقدم على الصعيدين السياسي والديبلوماسي، ثمّة اعتقاد بدأ يسود مختلف الأوساط التي تتعاطى الشأن السوري، ومفاده أن سوريا تتجه الى مرحلة جديدة تتجسد في "أزمة تتعايش مع النظام ونظام يتعايش مع أزمة"، في انتظار توافر الحل الناجع لها. ويردّ سياسيون متابعون للوضع السوري ذلك التشكيك الذي يعبّر عنه بعض الدول إزاء مهمة أنان منذ انطلاقتها، وبعد وصول طليعة فريق المراقبين الدوليين الى دمشق ومباشرتهم مهماتهم في انتظار استكمال عددهم، الى شعور هؤلاء المشككين في أن النظام تجاوز مرحلة خطر السقوط، لتبدأ بعدها مرحلة يحاول معها كل طرف، يتعاطى أو يتدخّل في الأزمة السورية، أن تكون له حصة في التسوية التي ينبغي ان تفضي اليها مهمة أنان بعد حوار يجري بين النظام والمعارضة في رعاية أنان والقيادة الروسية. ويشير هؤلاء الى ان النظام أظهر، ولا يزال يُظهر، تماسكاً لم يكن متوقعاً لدى خصومه، فيما المعارضة تثبت يوماً بعد يوم أنها مفككة أكثر فأكثر ولم تنجح كل المؤتمرات واللقاءات التي عقدت حتى الآن في تمكينها من توحيد صفوفها، وهناك محاولة جديدة في هذا الاتجاه عبر القرار الذي اتخذته اللجنة العربية الخاصة بالأزمة السورية خلال اجتماعها في قطر امس الاول، وكلّفت بموجبه الامين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي دعوة أطراف المعارضة الى الاجتماع لتحديد صفوفها. ويستدلّ هؤلاء السياسيون على تجاوز النظام خطر السقوط من خلال انشغال القوى الدولية الكبرى الداعمة للمعارضة في شؤونها بما يمنعها من القيام بأي تصعيد ضد دمشق، ففرنسا منشغلة في انتخاباتها الرئاسية والتي يبدو ان حظوظ الرئيس نيقولا ساركوزي ضعيفة فيها، والولايات المتحدة الاميركية هي الأخرى منشغلة في انتخاباتها الرئاسية التي تشهد تنافساً حاداً بين الحزب الجمهوري وبين الحزب الديموقراطي الطامح الى انتخاب الرئيس باراك اوباما لولاية جديدة. وفي هذا السياق يستبعد هؤلاء السياسيون حصول أي تطورات جدية على مستوى المواجهة مع النظام السوري، أو على مستوى توافر حل نهائي للأزمة قبل إنجاز هذين الاستحقاقين الاميركي والفرنسي. ولذلك توَلّت روسيا والصين مهمة معالجة الأزمة السورية عبر دعم مهمة أنان ومن خلال ديبلوماسية هادئة ناشطة في اتجاه طرفي هذه الازمة، اذ بدأتا استقبال شخصيات من النظام والمعارضة على حد سواء، وينتظر ان تتوسع دائرة النشاط الديبلوماسي الروسي والصيني في اتجاه دول الخليج العربي الداعمة للمعارضة، وذلك عبر موفدين سيجولون قريبا على هذه الدول، بغية تمكين انان من النجاح في مهمته. ويلاحظ هؤلاء السياسيون أن الجانب القطري بدأ "يتفرّد" في الموقف المشكّك في نجاح خطة أنان، متهماً النظام السوري بعدم التزام موجباتها، فيما بقية دول الخليج تلتزم الصمت. ويردّ البعض هذا الصمت الخليجي الذي تخرقه مواقف الدوحة الى أن دمشق أبدَت استعدادها لإعادة مَد الجسور مع كل دول الخليج، باستثناء قطر.     سيريا ديلي نيوز

التعليقات