تعرضت مجموعة من قطّاع الطرق إلى (وائل) الذي هرب من داريا وسكن في منطقة صحنايا مع عائلته، اختطفته و(باعته) بخمسمئة ألف ليرة إلى تنظيم (جبهة النصرة) الإرهابي في منطقة زاكية قرب الكسوة حين كان ينقل الشواحن والليدات ويبيعها في المناطق المجاورة،

يحكي عن تجربته المريرة حيث تم تعليقه من معصميه طوال أربع عشرة ساعة في اليوم مدة شهرين من تاريخ اختطافه، وفي الساعات المتبقية من نهاره كان يقوم بقطاف البازيلاء، والقيام بأي عمل يطلب منه مقابل لقمة طعام تبقيه على قيد الحياة، آثار التعذيب على جسده لاتزال شاهدة على إجرام العصابات المسلحة التي لم يكن هدفها المال بشكل عام وحسب، بل جمع النساء والمتاجرة بهن، وائل لم يكن بوسعه إلا انتظار، شيوخ العشائر في المنطقة ممن يطلقون على أنفسهم «الواسطة» حاولوا إخلاء سبيله مقابل سيارته ومليون ليرة للتنظيم الإرهابي، الذي حكم عليه بمئتي جلدة وثلاثة أشهر من الأشغال الشاقة، والتهمة أنه يقيم في منطقة يسيطر عليها الجيش العربي السوري.. كُتب لوائل عمر جديد ولكن الكثير من المخطوفين لم يعودوا إلى ذويهم الذين لم يتركوا باباً إلا طرقوه ولا وسيلة إلا لجؤوا إليها كي يعرفوا ولو قليلاً عن مصير أبنائهم، هل هم حقاً مخطوفون أم مفقودون أم أحياء في مكان ما؟

يوميات مخطوف

قصة (طلال. س) أكثر مأسوية، تحدث عن عملية اختطافه من منطقة عدرا العمالية عام 2013 ولاحظنا حفظه للتواريخ، وكأن كل يوم كان مأساة حقيقية لا يعلمها إلا الله، قال: بقيت مخطوفاً حتى 2-2-2015، وكانت الجهة الخاطفة هي مايسمى (لواء الإسلام) الإرهابي،417 يوماً لن ينساها، بل ترسخت في ذاكرته، تساءل هل طائفته كانت السبب في جعله ضحية الخطف أم لأنه لا يزال على رأس عمله ولم يرضخ «لثورتهم الملعونة»! معاناة لم يشهد لها مثيلاً في حياته، اختصرها بكلمات (جوع وقرف وعطش)، وأقل مقومات الحياة الإنسانية، كنا محرومين منها.

يتابع حديثه عن يوميات اختطافه : قمنا بحفر الأنفاق وكلفنا بمهمات صعبة لايمكننا القيام بها على خطوط (الجبهات) داخل دوما، لم أكن وحدي بل مع مجموعة كبيرة من المخطوفين في المدينة، نبدأ العمل بعد إخلاء المدينة من المواد التموينية من المنازل والمحال الخاصة والمؤسسات التجارية، في إحدى المرات تم نقلنا بتاريخ 15-5 -2014 إلى عربين مع مجموعة مسلحة تسمى «الاتحاد الإسلامي» وعدد من المساجين الأطفال والنساء، نقلنا، وبقينا في (قيادة الاتحاد) بالسجن المركزي لديهم حتى 28-6- 2014 ثم نقلنا إلى دوما حيث قامت هذه المجموعة الإرهابية بتقسيم الأسرى إلى فصائل تابعة لها، ثم تم نقلنا إلى بناء مفرزة أمن الدولة في دوما مقابل جامع العمران، كنا نعاني الأمرين لكون الإمداد توقف عن هذه المجموعة الإرهابية من الدول الداعمة وصارت تفكر بطرق بديلة لتحقيق المكاسب التي تغنيها عن بقائنا لديها.

ويتابع: المجموعات التي تقاسمت الأسرى من المدينة هي (لواء الإسلام) و(الاتحاد الإسلامي) و(حركة أحرار الشام) وهي نفسها (جبهة النصرة)، وكل قيادة لها فصائل، لا أحد يعرف عددهم، بعد كل هذا العذاب تحرر طلال بالإفراج عنه بشروط، مقابل 800 ألف ليرة وبقي في الغوطة الشرقية لكي يبقى تحت سيطرتهم، لكنه استطاع أن يهرب إلى مخيم الوافدين ومن هناك تم تسليمه للجنة المصالحة الوطنية ثم إلى مركز الإيواء بضاحية قدسيا حيث بقي فيها يوماً وليلة من دون هوية أو أي شيء يدل على شخصيته، إلا ورقة تنقله ضمن المناطق التي يطلقون عليها اسم (المناطق المحررة).

دفع طلال الفدية كاملة، استدانها أهله من الأقارب والجيران، وقال: يهددون بقتلي كل يوم لكي أؤمن لهم المبلغ بالكامل، نحن فقراء ولا نملك سوى رغيف الخبز الذي حرمونا منه، لدي أربعة أطفال، أعيش اليوم معاناة حقيقية لسداد المبلغ للناس، لأنني عندما عدت إلى عملي صدمت بأن أصحاب العمل عدّوني بحكم المستقيل وقدمت طلب إعادة للعمل ولكنه رفض، وفي تاريخ 17 -6 - 2015 عدت إلى العمل ولكن بعد أن طلبوا أوراقاً ثبوتية جديدة وكأني أتقدم للتوظيف من جديد رغم أني منذ 13 عاماً أعمل محاسب الرسوم القضائية.

يتكلم طلال عن بعض الأصدقاء الذين لايزالون مخطوفين، ويقول : وتيرة المفاوضات بطيئة جداً، وأحياناً لا جدوى منها، من خلال هذه التجربة أيقنت أن كل يوم أقضيه مع زوجتي وأولادي وأتجول بحرية لا يقدر بثمن، رغم أن الخسارة كبيرة، لكن كل الخسائر تهون لأجل سورية.

ماذا يقول القانون؟

ولأن بلدنا يحكمه القانون، اتخذت وزارة العدل مجموعة إجراءات بعد صدور المرسوم 20 لعام 2013 الذي تشدد في عقوبة الخطف بقصد الفدية، فقد وجهت وزارة العدل بضرورة التشدد بهذا الجرم لمحاولة قمع ظاهرة الخطف وأكد وزير العدل ضرورة معاقبة مرتكبي هذا الجرم في ظل الظروف الراهنة، بحسب المحامي العام بريف دمشق أحمد السيد الذي أشار إلى انخفاض عدد هذه الجرائم في الآونة الأخيرة مقارنة مع بداية الأزمة، وأن وزارة العدل تقوم بجميع الإجراءات اللازمة للحد من هذه الظاهرة.

وقال لقد بلغ عدد دعاوى الخطف بقصد الفدية في عدلية دمشق: في دوائر التحقيق بدمشق خمس دعاوى، وفي دوائر الإحالة بدمشق ثلاث دعاوى وفي محاكم جنايات دمشق خمس دعاوى، علماً بأن معظم هذه الجرائم منتشرة بشكل أكبر في الأماكن التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية المسلحة وهناك جدول بأرقام الدعاوى وأسماء الموقوفين بها.

مبيناً أنه تم تعميم المرسوم بعد صدوره والعمل به حيث كان الرادع الحقيقي لمرتكبي هذا الجرم ومعاقبتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وفي حال نتجت عن هذا الجرم وفاة المخطوف أو التسبب له بعاهة عوقب الخاطفون بعقوبة الإعدام.

وأضاف البكري: تمت مراسلة دوائر التحقيق التابعة لعدلية ريف دمشق وتبين أن مجموع هذه الدعاوى هو تسع عشرة دعوى لا غير مع العلم بأن معظم جرائم الخطف، وفي ظل الظروف الراهنة التي تمر فيها البلاد، تأخذ طابع الأعمال الإرهابية وبالتالي يكون النظر فيها من اختصاص المحكمة الخاصة بقضايا الإرهاب.

تجار الحرب إلى أين؟

في منطقة معربا اختطف ثلاثة أشخاص منذ ثلاث سنوات، أحدهم كان رئيس بلدية استدرجوه لمكان في دمشق وخطفوه وطلبوا فدية، كانت مليوناً ونصف المليون ليرة، أخذوا المبلغ، ولم يعد المخطوف، وفي مشهد آخر رأيت امرأة أمام أبواب وزارة المصالحة الوطنية، كانت تسأل عن حال أخيها أهو ميت أم حي، تم اختطافه منذ عامين وثلاثة أشهر، كان يقود سيارة الأجرة في الثامنة مساء، في منطقة المزة بساتين، قالت: طرقت أبواب محكمة الإرهاب والمحكمة القضائية، لكي أتأكد أنه ليس مشتبهاً به أو مطلوباً لأي جهة أمنية، سمعت الكثير عمن يستغلون الناس ومنهم من طلب مني 100 ألف ليرة لكي أراه، 9 أشهر وأنا أبحث عنه دفعت المال من دون جدوى، عينت له محامية، ووضعت اسمه لدى لجان المصالحة الشعبية للبحث عنه، وهنا يقول مؤسس اللجنة المركزية للمصالحات الشعبية الشيخ الدكتور جابر محمود عيسى: نعرف عدد المخطوفين من خلال مراجعة المواطنين إلى مكتبنا لبيان مصير أبنائهم الذين لا يعلمون عنهم شيئاً ليتم التأكد من أي مكان تم اختطافهم، عندها نقوم بتوثيق جميع المعلومات المتوافرة ورفع لوائح إلى وزارتي العدل والمصالحة وترفع إلى الأمن الوطني لبيان مصير المفقودين خلال مدة لا تتجاوز الشهر، بعد ذلك يأتي الرد إن كان هؤلاء لدى الدولة أم غير موجودين لدى الجهات المعنية وهنا يتم إبلاغ الأهل بذلك.

حفاظاً على السرية

كان في ودنا إجراء مقابلات شخصية مع الخاطفين والموجودين في قبضة العدالة والذين ينظر القضاء بقضاياهم لكن المحامي العام بريف دمشق أحمد السيد اقترح تأجيل ذلك الى ما بعد صدور أحكام بحقهم حفاظاً على سرية التحقيق وعدم وصول أي معلومات إلى أي شخص له علاقة بالجريمة، خشية أن يتوارى عن الأنظار قبل إلقاء القبض عليه وإحالته للقضاء العادل.

متاجرة بأوجاع الناس!

حدث خلال هذه الحرب شرخ وفوضى بين أبناء المجتمع، وظهرت مجموعات باسم المصالحة عملت على المتاجرة والسمسرة في أوجاع الشعب، وهي غير موثقة أو تابعة لأي جهة كانت، كما كثرت اللجان منها تتبع لوزارة المصالحة ولجان تتبع لمجلس الشعب وغيرها ومنها للأحزاب المرخصة وغير المرخصة ما أدى إلى فوضى عامة في عمل المصالحة، هذا ما صرح به عيسى مطالباً خلال مؤتمرات اللجنة المركزية للمصالحات الشعبية بتشكيل هيئة تضم العاملين في مجال المصالحات يرأسها وزير المصالحة حتى يتم ضبط العاملين في هذا المجال، لأن الفوضى أدت لتحقيق المآرب الخاصة لأصحاب النفوس الضعيفة إن كانوا من الدولة أو خارجها، المشكلة ليست في الشعب بل في المتاجرين الذين يسعون إلى الابتزاز والتلاعب بالمعلومات الواردة إليهم.

مصالحات شعبية ولكن!

ويضيف عيسى: بادرنا إلى تشكيل اللجنة المركزية للمصالحات الشعبية في سورية، وشكّلت لجان في سائر المحافظات والمناطق السورية، وتم توثيق هذه اللجان من خلال وزارة الدولة لشؤون المصالحة الوطنية وعممت على جميع المسؤولين في المحافظات وهي هيئة مستقلة لها نظامها الداخلي الخاص بها، ولا تتبع لأي جهة وإنما توثق وتنسق من خلال وزارة الدولة لشؤون المصالحة في جميع أعمالها.

يضم فريق المصالحة الشعبية جميع الأطياف من رجال دين وسياسيين واقتصاديين وفلاحين أي كل طبقات المجتمع السوري، ما يميزنا عن اللجنة الوطنية أننا نتمتع بحرية التحرك والتواصل مع جميع أطياف المعارضة المسلحة.

ولكن يجب على وزارة المصالحة الوطنية القيام بتشكيل هيئة من جميع لجان المصالحة الوطنية والشيوخ والوجهاء في كل المناطق والمحافظات، لضبط حركة المصالحات على أرض سورية، ومنع تفشي العمل العشوائي الخارج عن عمل اللجنة.

إطلاق سراحهم بالتبادل

إن سماسرة الخطف يتكاثرون، وتوصيف الواقع بات مريباً، يهدد هدوء مجتمع ذاق مرارة الحرب، فكان من معوقات المصالحة وجود سماسرة من أبناء الدولة والشعب من جهة ومن المسلحين الذين يرتبطون بدورهم مع السماسرة ولا يرتبطون مع المصالحة الوطنية من جهة أخرى، فيقومون بابتزاز المخطوفين من أبناء المجتمع، وخاصة أبناء الجيش، من الناحية المادية وذلك بالسماح للمخطوف بإجراء اتصال مع ذويه أو الحصول على فيديو مصور للمخطوف مثلاً كي يستعطف أهله، وهنا يقول عيسى: إن طبيعة عمل المصالحة بمنزلة ميزان لخدمة المخطوف والموقوف من خلال تبادل الأشخاص وليس من خلال الأموال، وبتوجيه من السيد الرئيس يمكننا تبادل الموقوفين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء مقابل المخطوفين المدنيين والعسكريين من الجيش العربي السوري على أراضي الجمهورية العربية السورية.

ويكشف عيسى عن 3600 من المخطوفين لدى المجموعات المسلحة، وهذه الأسماء موثقة لدى اللجنة، وقال: حصلنا على أسمائهم من المجموعات الإرهابية المسلحة ثم أطلق سراح أكثر من 1640 مخطوفاً مقابل التبادل على 2000 موقوف لم تتلطخ أيديهم بالدماء، مبيناً أن تبادل المخطوفين لا يشجع على الخطف، فالقانون يقف بالمرصاد أمام هذه الحالات.

انتحال صفة

يقع الكثير من أهالي المخطوفين في فخ الذين ينتحلون صفة المصالحة، لذا لابد من ضبط هؤلاء الأشخاص حرصاً على المواطنين السوريين من الوقوع في فخهم، ففي تاريخ 1- 8 -2014 شكلت لجان في جميع المحافظات والمناطق تعتمد على الوجهاء الفاعلين في مجتمعهم، ولكن هناك من انتحل صفة المصالحة الشعبية، ففي هذه المرحلة الزمنية ظهرت عصابات تعمل على الخطف بقصد الفدية، وقد تم ضبط عدة حالات من خلال فروع الأمن الجنائي في المحافظات لا علاقة لها بالنزاع القائم وإنما غايتها السلب والنهب وابتزاز المواطنين السوريين، وحالياً منذ أكثر من شهر عمم وزير المصالحة الوطنية كتاباً إلى جميع الجهات ووزارة الداخلية لإلقاء القبض على أي شخص يعمل في مجال المصالحة وهو غير موثق رسمياً لدى الدولة، وخلال هذه المدة أحيل حوالي 30 شخصاً إلى فروع الأمن الجنائي والمحاكم المختصة بجرم انتحال صفة المصالحة والسمسرة بحسب عيسى.

ما خفي كان أعظم!

يبين عيسى أن الحالات الخارجة عن العرف والأخلاق والقيم مورست ضد الشعب السوري في مخيمات لبنان وتركيا والأردن وقد تم توثيق هذه الحالات كاغتصاب القاصرات السوريات، ونحن نملك أشرطة فيديو لعدد من الضباط الأتراك وأمثالهم يغتصبون فتيات لا تتجاوز أعمارهن 15 عاما، وسنقوم بتسليمها لجمعيات حقوق الإنسان لفضح وتعرية مرتكبيها.. وأشار عيسى إلى أن للجنة المصالحة الشعبية مكاتب في تركيا والأردن ولبنان يوثقون هذه الحالات، كما بين عيسى أن اللجنة تهيب بجميع أبناء الشعب السوري، العودة إلى وطنهم، وهي على استعداد لتسوية أوضاعهم، وإرسال التسوية لهم إلى بلاد الاغتراب من خلال أجهزة التواصل معهم، وبما يضمن عودتهم وعدم المساس بهم.

رجال المصالحة

أكثر من 5 آلاف عضو في لجان المصالحات الشعبية،في تلك المحافظات عليهم أن يتحلوا بصفات رجل المصالحة الوطنية، حسبما أوضح عيسى، وأن يسقط حقوقه تجاه الآخرين، وأن يكون من وجهاء قومه، وذا كلمة مسموعة ومطاعة لدى أهله، وأن يكون صادقاً، وأن تكون غايته من البداية وحتى النهاية حقن الدماء وحماية بلده ونصرة جيشه، وإذا لم تتوافر فيه هذه الصفات فسيتحول إلى تاجر وسمسار بين قومه.

سيرياديلي نيوز- تشرين


التعليقات