مع سريان تنفيذ شركة «سويوز نفط غاز» الروسية لأول عقد للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية الإقليمية لربع قرن قادم، تكون الحكومة قد وسّعت خياراتها الإستراتيجية لتصل إلى التحري العملي في “المياه المتوسطية الدافئة” بعد تأجيل وترحيل طويل، هدف إلى ترك هذا الحيّز المأمول لحين الحاجة الفعلية له وليس لمجرد “الطفر” الذي يقدم البلد في نادي الـ”أوبك”، وهذا ما ليس له مكان في التوجهات والسياسات الاقتصادية لبلد يعرف كيف يمسك بزمام موارده ويقودها بإدارة باردة وإرادة ساخنة تطبخ المقدرات على نار خفيفة ولو طال انتظار الطهي، فالمهم هو استثمار واستغلال وتوظيف الثروات تقنياً وتكتيكياً بشكل يحصّن مال الشعب ويحميه.
لا نأتي بجديد إذا كرّرنا أن الغنى السوري قائم على التنوع والتميّز الذي يعامل كل قطاع على أنه حلقة من سلسلة مترابطة تصبّ كلها في الناتج القومي “الثروات الباطنية” جزء مهم منها كما هو حال الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة والحرف والخدمات، ولكن ثمّة ما يجعل الخصوصية ميزة تفاضلية تعطي طمأنينة وأماناً أكبر ولاسيما في معارك السياسة والمواجهات العسكرية التي أول ما تستهدف البنى والركائز الاقتصادية كحامل أساسي في الصمود والمقاومة المجتمعية قبل الرسمية  والحكومية، وفي هذا السياق بالذات فاز العقل الإداري والتنموي المستند إلى “بحصة” الخبرة المعتّقة في تجارب الحصار والعقوبات والمقاطعات التي أدمت الهياكل الإنتاجية المحلية عبر عقود طويلة، ولكنها لم تستطع إخضاعها  وإفشال دورها السيادي والوطني الصرف الذي لا يقبل الوصفات الجاهزة ولا الاملاءات وشراكات الإذعان التي تضع موقعيها أمام محكمة الضمير المجتمعي في القادمات من الأيام.
في قراءة المشهد النفطي السوري هناك حقائق أظهرت وفق مراقبين قدرة على التحدي وصناعة الاختلاف وكسب الرهانات القائمة على الحكمة والعقلنة في الإدارة الرشيدة في أزمان العز، فكيف الحال ونحن في خامس سنة حرب في عقر الدار، وبدل الرسوب كان النجاح حقيقة ردّت السحر إلى السحرة والمشعوذين وأولئك “المستزلمين” على عتبات المنابر الاقتصادية التي تدّعي الغيرة على الموارد والثروات وعائدات الخزائن المالية، ومع عديد الأصوات التي تتهم وتشكك حتى في فترة ما قبل الأزمة لم يكن للدولة من هرولة للرد أو المناطحة التي تعطي المتحدثين قيمة، جاء الوقت لتعلن الحكومة أن أسلحة اقتصادية وريعية مكفولة مازالت موجودة.. واحتياطي إستراتيجي جاء زمان استخدامه في معارك الشعب مع “موجات الإرهاب”، وهنا كان لنفط وغاز البحر فرصة لم يوفرها صانع القرار بعد أن وصلت دفة الأزمة الاقتصادية إلى شاطئ التأقلم مع الظروف وليس التأثر السلبي كما افترض سابقاً!.
الجديد الذي يؤكد صوابية المرامي الآنفة ما تعكف عليه وزارة النفط من وضع تصورات لجذب الاستثمار في الخدمات النفطية في مجال التنقيب والاستكشاف والتطوير وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وشركات الدول الصديقة، ما يتيح تقليل أعباء الإنفاق الاستثماري الحكومي، والأهم إعادة إخراج وعرض العروض على المستثمرين لدعم حالة التعافي وتعويض خسارة نفط البر الذي يستبيحه الإرهاب الأسود!.

سيريا ديلي نيوز - البعث - علي بلال قاسم


التعليقات