سيريا ديلي نيوز - د .م . محمد غسان طيارة

 كتبت عدة مرات بأنني أرفض التحليل السياسي ولا أثق بالمحللين السياسيين واعتبرهم مخللين للسياسة, وهذا يعود إلى أن التحليل السياسي يتطلب معرفة كاملة بموضوع التحليل ولدى المحلل السياسي مركز بحوث ومعطيات كافيه لاقتراح سيناريوهات مختلفة للحالة الواحدة وجمعيها معللة ومدعومة بوثائق كافية تؤكد إمكانية حدوث أحدى هذه السيناريوهات, وهذا لا يتوفر في جميع القضايا المطروح على الساحات العربية المتصارعة ولا على الساحات الدولية المتآمرة. ومن الأمثلة الواضحة تصوير ضرب الحوثيين في اليمن على أنه انتصار للسنة ضد تمرد الشيعة الحوثيين على الشرعية, فعدد الحوثيين في كل اليمن لا يزيد على 30% من سكان اليمن وقبيلة علي عبد الله صالح ليست شيعية والجيش الذي يقاتل ضد عبد ربه منصور هادي هو من الجيش اليمني الذي كان خلال حكم علي عبد الله صالح واستمر مع حكم عبد ربه, كما أن الرئيس الحالي هو من رجال صالح الذي اشترته السعودية ليقف ضد ولي نعمته كم فعل غيره في سوريا والعراق ومصر وليبيا..., فإذا كان الحوثيون ومؤيدهم قلة فكيف حققوا كل هذه الانتصارات؟. فمن المفروض أن يكون معهم الجزء الأكبر من قبائل اليمن حتى تتحقق تلك الانتصارات وبهذه السرعة القياسية. ولهذا ليس لديَّ أي تفْسير منطقي لهذه الحرب العبثية ضد اليمن وأضع أمامي مجموعة من الخيارات في مقدمتها: اعتبار هذه الحرب العبثية امتحان لموقف إيران من هذه الحرب فإذا شاركت ربحت إسرائيل وفشلت المباحثات النووية بين إيران والخمسة زائد واحد بل وتوقف السير فيها, وقد تكون واشنطن قد خططت لهذه الحرب كقنبلة اختبار للنوايا الإيرانية في جدية التزاماتها بعد توقيع اتفاق الإطار مع 5+1. وإذا لم تشارك إيران في هذه الحرب فتكون واشنطن وحلفائها الغربيين قد أدبت الثورة اليمنية ( ولا أعرف من سيؤدب من, قد يتمكن اليمنيون من تأديب مملكة الرمال). من جهة أخرى هل تدخَّلت إيران في ثورة الشعب البحريني وخاصة أن نسبة الشيعة هناك تقارب 70% من عدد سكان مملكة البحرين؟, ونعْلم بأن ثوار البحرين لم يطلقوا رصاص واحدة ضد القوات الحكومية والسعودية وكل حركتهم كانت سلمية ولم يطلب ثوار البحرين أي دعم إيراني. كما أننا لم نسْمع من قائد الحوثيين أنه طلب مساعدة من إيران أو من غيرها وكل ما فعله هو دعوة الشعب اليمني للاستنفار للدفاع عن نفسه, وإن استمرار الحرب ضد اليمن يجعل أمام اليمينيين كل الخيارات مفتوحة مما فد يفهم على أنه تهديد مبطن لمملكة الرمال في عقر دارها. ولهذا احتمال تدخل إيران ضعيف جداً. والسؤال الأصعب: ألن يؤدي إضعاف الحوثيين ومن يؤدهم من قيادات عسكرية ومن حزب المؤتمر ومن بعض القبائل إلى زيادة قوة القاعدة وداعش التي تبنت تفجير مساجد في صنعاء. ولمصلحة من ستعمل القوة المتعاظم لهذين التنظيمين؟, مع السعودية والبلاد المتحالفة معها أم ضدها؟, ومن يقْدر على ضبط إيقاعها؟, ومن سيجيب على السؤال وتفرعاته؟. قد تؤدي مجريات الحرب إلى مضاعفات غير محمودة ولهذا فهي حرب غير مضمونة النتائج لمفتعليها وهي حرب عبثية بشعة في مقدماتها والله يعلم نتائج نهايتها القريبة والبعيدة. هذا الكلام يرجعنا إلى التاريخ غير البعيد: فالسودان تلقت مساعدات مجزية من إيران وقد ضربت إسرائيل مركز تخزين بعض هذه الأسلحة وكانت إيران دائماً تعوض عليها خسارتها. ولهذا يقدم رئيس السودان مكافئة على شهامة إيران بأنه لن يسمح باستغلال إيران له وإنه قد يشارك لمنع إيران من السيطرة على مضيق باب المندب, وقال بعض السودانيين بأنهم وقفوا مع صدام في احتلال الكويت فخسروا كثيراً ولهذا وتعويضاَ عن خسارتها السابقة عليهم المشاركة في هذه الحرب العبثية ضد اليمن. هل يعلم رئيس السودان بأن تعويض بعض الخسارة يؤدي إلى حقارة. إن سوريا وإيران فقط هما الدولتان الوحيدتان اللتان رفضتا تقسيم السودان وكان ذلك قراراً عربياً في جامعة الدول العربية, وآخر رسالة وقعها عمرو موسى قبل مغادرة مكتب الأمانة في الجامعة العربية هي تهنئة رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير بالاستقلال وينتظر منه الانضمام إلى جامعة الدول العربية. فجاء رد سلفا كير على هذه الرسالة سريعاً بسفره إلى إسرائيل ليشكرها على دعمها اللا محدود لجنوب السودان حتى حصلت على استقلالها. وبهذه المناسبة وبحسب المعلومات المتوفرة فإن الجهة التي درست سد النهضة في إثيوبيا هي شركة إسرائيلية صهيونية والجهات التي تريد تنفيذ هذا السد هي تجمع شركات صهيونية ولبنانية, والتمويل سعودي, وهذا ليس ببعيد على مملكة الرمال فقد مولت سد اتاتورك على نهر الفرات ومن حظنا بأن وصوله إلى الساعة التخزينية التصميمية سيؤدي إلى انهياره وسيغمر أراض شاسعة في تركيا وسوريا والعراق. وحتى هذه اللحظة لا نعرف فيما إذا تم تخفيض السعة التخزينية التصميمية لسد النهضة حتى لا يتحول نهر النيل العظيم إلى ساقية ( ترعة كما يقول أبناء النيل) ضمن مصر. لم أخرج عن الموضوع فالحرب ضد اليمن فتحت الآفاق واسعة أمام احتمالات كثيرة ستدور في المنطقة محورها الحرب بين العرب لإراحة بال إسرائيل ومن دون مشاركتها المباشرة. من التاريخ القريب أيضاً سمعت وقرأت بعض ما قاله السيسي لخادم الحرمين المتوفي بأنه لا ينسى دعم السعودية لمصر خلال العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وقد عشنا نحن أبناء سوريا تلك الفترة بكل حواسنا ونتذكر صوت المذيع المصري عندما قال: هنا القاهرة من دمشق, كما أعرف بعض الضباط السوريين المتخرجين من الكلية البحرية المصرية في الاسكندرية عندما شاركوا في القتال إلى جانب القوات البحرية المصرية واستشهاد البطل جول جمال الذي قام بتفجير المدمرة فخر البحرية الفرنسية جان برت, وأذكر أيضاً كيف شاركت السعودية بدعم آخر أئمة اليمن الإمام بدر في قتل الجنود المصريين الذين أرسلهم جمال عبد الناصر لدعم الثورة اليمنية بقيادة المشير عبد الله السلال. إن مشاركة مصر في هذه الحرب يعني أن رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي قد أضاع البوصلة وبذلك يكون قد باع دور مصر الريادي في الوطن العربي وتنازل عنه إلى مملكة الرمال لقاء حفنة من الدولارات, وهذه نتيجة أولية لمشاركة مصر في هذه الحرب المجنونة ضد اليمن. لنتذكر يأن الطيارات الأميركية من دون طيار قصفت اليمن لسنوات عديدة وقد أحدثت دماراً باليمن ولكن لم تتمكن من ردع القاعدة كما لم تؤثر على قوة الثوار أنصار الله. إن القصف الجوية لن يؤثر على قوة الشعب اليمني في الدفاع عن أرضه وعزته وكرامته ولهذا يبقى أن نتساءل عن مصير الحرب البرية ضد اليمن وما هو مصير اليمن, وطبعاً من دون تحليل أو استنتاج, بل من معطيات تعرفت عليها خلال زياراتي لليمن في تسعينات القرن الماضي: ـــ جميع سكان اليمن مسلحين ولدى القبائل مدافع متنوعة ودبابات متطورة ولا فرق بين رجل وامرأة في اقتناء السلاح. ـــ اليمن من جهة سعيد وجميل ومن جهة أخرى صحاري وجبال وعرة ووديان عميقة وطرقها متشعبة ومنحدرة أو شديدة الصعود يصعب حتى على أحسن الآليات قطعها. هذه المناطق هي تورا بورا اليمن. وبهذه المناسبة سألت أحد مشايخ العشائر عن رأيه بالرئيس علي عبد الله صالح, فكان جوابه بأنه جيد كرئيس للدولة ولكن يأخذ عليه بأنه لم يسمح للعشائر شراء طائرات حربية. وعلمت أنه مسموح التجوال في السلاح نهارا وليلاً على كامل التراب اليمني باستثناء مدينة صنعاء من المساء حتى الصباح, وقد شاهدت ذلك وعرفت ذلك وتمَّ تفتيش سيارتنا كوفد ليلاً كأي سيارة تعبر شوارع صنعاء ليلاً. ـــ وأتساءل: ماذا سيحدث عند دخول قوات مسلحة من دول العربان وداعميهم إلى الأراضي اليمنية ضمن غابة الأسلحة؟. والجواب كان وما زال لدى القوات الغازية لأفغانستان وللعراق ولدى من تابع أحداث دخول القوات المصرية إلى اليمن في سنة 1962. هل انتصرت أمريكا وحلفاؤه على طالبان, أو على العراق؟, لا اعتقد ذلك كما لم تنتصر القوات المصرية في حربها في اليمن, صحيح ساعدت الثورة بثمن باهظ وما أن خرج المصريون حتى اتفق اليمنيون فيما بينهم وتحولت اليمن من إمامة إلى جمهورية. لا أعرف كيف تناسى السيسي التجربة المصرية في حربها ضد الإمام بدر فمن لا يأخذ الدرس من التاريخ لا يصلح أن يكون رئيساً لمصر الشقيقة الكبرى في الوطن العربي. رئيس دولة عربية كبرى يدوخ مع حفنة الدولارات, (زغللة عيون على رأي المصريين) ـــ اليمنيون قد يتقاتلون مع بعضهم لأتفه الأسباب ولكنهم يتحدون ضد أي دخيل حتى ولو كان يتكلم اللغة العربية باللهجة السعودية أو المصرية. والسعودية تعرف ذلك جيداً ولهذا اشترت بالمال بعض الرؤوس الفارغة من دون الدخول ولو شبر واحد داخل الأرض اليمنية. ودليل آخر على الحمية اليمنية الصراع بين الجنوبيين والشماليين الحاد الذي يخمد فور حدوث تدخل خارجي. ـــ لقد عمد التحالف ضد ليبيا إلى إيصال الليبيين إلى طريقٍ مسدود, والدور اليوم على الشعب اليمني المقهور لإيصاله إلى طريقٍ مسدود كما هم يحاولون إيصال السوريين والعراقيين إلى طريق مسدود. المشكلة في فهم تلك الدول التي تسير بالريمونت كونترول للطريق المسدود الذي لا يقبله أي شعب مقهور. ـــ مصير اليمن مثل مصير أي شعب حي لن تقهره دبابات ولا جنود غرباء ولو تكلموا العربية ولا سلاح متطور. سينزف الشعب اليمني من جروحه وستبكى النساء وسيموت أطفال وشيوخ وستُدمر بُنى تحتية وأبنية أثرية حجرية وطينية ملونة ولكن سينهض الشعب اليمني ليضمد الجروح ويواسي الأرامل وسينفض عنه أنقاض الدمار ليعود للتاريخ ويبني الوطن مجدداُ. ــ الحديث عن حرية الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر يسقط مع هذه الحرب فمن الخيارات المفتوحة أمام أنصار الله خلق حالة من الذعر في المضيق وفي البحر الأحمر بقذيفة صغيرة موجهة حتى في السماء. لقد تعلمنا من التاريخ بأن من يبدأ الحرب في توقيت محدد لا يمكنه تحديد نهايتها. ومن لا يتعظ من التاريخ لن تفيده حفنة من الدولارات. وللقيادة المصرية أقول: عودي إلى نتائج الحملة المصرية في سنة 1962 حتى لا أقول: من جرب المجرب عقله مخرب أو لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين. وبعد قرار الجامعة تشكيل قوة عسكرية عربية لمحاربة الإرهاب والحفاظ على الشرعية فمن الطبيعي توجيه السؤال التالي: أين القضية الفلسطينية من كل هذا؟. وأقول "للمناضل" محمود عباس الذي وقف مع محاربة اليمن: دع المكارم لا ترحل لبغيتها....وأقعد فأنك أنت الطاعم الكاسي!. هزلت ببيع العروبة بحفنة من دولارات عربان الخليج.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات