لا أظن أن التعب سيبعدك عن مارهنت حياتك من أجله ...

هروبك سيكلفك جزء ثمين من هدفك ...فابتعد عنه أيضا....

ابقى كما بدأت .مثابر ,متمكن من نفسك ومتحكم بارادتك .....

الطريق طويل والعمر ليس باليد ....

ثق بما أنت تقوم به لاتدع شئ يؤثر فيك لأن الحياة موقف سيكتب بتاريخك....

هذا مافعلوه وكلفهم الكثير .فما أنت بفاعل ,هل ستكمل المسير لتقودنا للحقيقة ونكون معك بالروح ...

كل هذا وأكثر من خلال متابعة الجزء 32 من سلسلة حضن الشيطان للكاتب القدير يعقوب مراد وحصريا على سيريا ديلي نيوز/ الناشر .

 

 

في حضن الشيطان - 32

 

ابتسمَ البروفسور توماس بلُطفٍ بينما كان يصافحُ أحدَ الضيوف وقال لي: ـ تذّكر أنك جئتَ من أجل الحقيقة؛ وخضتَ كُلّ هذه المَشقّة والإمتحان من أجل الوصول إليها؛ وهاأنت تقفُ أمام بابها؛ وليست أيّ حقيقة بل الحقيقة السورية.. هل تطرقُه وتدخل أم تعود من حيث جئت وتنسى كل شيء!؟

سحَبْتهُ من يده بعيداً عن الآخرين وقلتُ له بغضب: ـ أرجوك لا تُدْخلني في متاهةٍ أُخرى.. أكادُ أفْقدُ توازني وصوابي؛ ولم يَعُدْ لديّ القدرةَ على تَحمُل المزيد.. أريدُ العودةَ لبيتي والنوم طويلاً؛ وسأعتبر أنّ كلّ مارأيته كان مجرّد حُلماً، حُلمَ ليلة صيف...

قال وهو يُرّبتُ على كتفي: كما تريد ياصديقي.. سنذهبُ الآن لتناول العشاء وغداً سنرى الشمسَ سويةً ونشربُ قهوةً سورية.. وتعودُ إلى بيتك ونُنْهي كل شيء هنا؛ وسأُخبرُ مريم أن لاتنتظرك.. ومشى..  لَحقتُ به.. أوقفته وسألته باستغراب: مَنْ مريم!؟

قال: وماذا يعنيك من أمرها.. أنتَ قررتَ الاستسلام والخروج من هذه الدوّامة  وتريد العودة إلى حياتك وعائلتك، ولم يَعُدْ يهمك أن تقرعَ البابَ وتدخل لتعرفَ حقيقةَ ماجرى في سورية!؟..

صرخت: هذا ليس صحيحاً.. وحين وجدت الآخرين ينظرون إليّ.. خفضْتُ صوتي وقلت له: هذا ليس صحيح.. أنت تعرفُ بأنني أريدُ الحقيقةَ منذ أن جئت إليك في مكتبك بالسويد وحدّثتني عن الفرومكا.. أتذْكُر!؟

قال ضاحكاً: أنا أذكرُ ياصديقي ولكن هل تذكر أنت!؟

قلت مؤكداً: طبعاً أذكر ولهذا جئتُ هنا لمعرفة الحقيقة..

قال: ولكنك الآن تريد الإنسحاب!!

قلت: لأني تعبت .. تعبت..

قال: كلنا متعبون وهاربون ومن أجل الحقيقة مُطارَدون ولكنّنا لسنا نادمون.. صمتَ قليلاً ونظرَ في عيني نظرةَ تحدي قائلاً: مثلك!!

قلت: أنا لستُ بنادمٍ ولكني مُتعَباً وأرى أني كُلما عرفتُ شيئاً جديداً أتعبُ أكثر.. هل المعرفة وجع!؟

قال: طبعاً.. المعرفة وجع؛ فكلما عرفْتَ أكثر كلما توجّعْتَ وتألمْتَ أكثر وأكثر..

سألته وأنا على مائدة العشاء: من هي مريم!؟

قال: استمتع بالعشاء الآن؛ وقرع كأس النبيذ فصمت الحاضرون؛ وقال: بصحتكم جميعاً وصحة صديقنا العزيز الذي سيُغادرنا صباحَ الغد..

فقاطعته قائلاً: ـ بصحتكم جميعاً؛ ولكن لن أُغادرَ قبل أن أعرفَ مريم من تكون!؟

فرفعَتْ إليزابيت كأس النبيذ قائلةً: بصحة مَنْ قرّرَ أن يبقى..

وبين أصوات قرقعة الكؤوس وضحْكَة إليزابيت وهي ترفعُ لي إصبعَ الإبهام؛ اتخَذْتُ قرارَ التّحدي: سأبقى وسأفتحُ البابَ بقوة لأعرفَ سرَّ مريم.... فمَنْ تكون!؟.....

كانت ليلةٌ عاصفةٌ بالمشاعر والأحاسيس، قويةٌ بالإصرار والتّحدي، غريبةٌ بالمُفاجآت الغير متوقعة،  حافلةٌ باللقاءات بشخصياتٍ كنتُ أقرأ عنها أو أراها على شاشة التلفزة أو في نشرات الأخبار؛ وهاأنا الآن أراهم هنا هاربون تخلوا عن كل شيء واحتفظوا بضميرهم وإنسانيتهم...

وليلة رائعة بلقائي مع عائلة جان بول وخاصةً زوجته التي جاءت تقول لي: هل عرفْتَ الآن لماذا كنت أشك دائماً برواية وفاة زوجي!؟

هزَزْتُ برأسي بالإيجاب واعتذرتُ من الجميع  وذهبت للنوم..

وماإن ألقيتُ بجسدي المُنْهك على السرير انهالت على  رأسي المُثْقل بالأحداث والمُفاجآت كلّ الهواجس التي حملتها معي في رحلةٍ لم أتوقعْ أحداثها ولم أتخيّلْ مشقّتها؛ كنت أعلم صعوبةَ المهمة إلا أنني تعثّرتُ بقسوة البحث عن حقيقةٍ أدْغمَتها أصابعُ الشيطان في فحم خُبثها وقتلت بريقها الماسي في سواد مكرها، وهنا أغمضتُ عيني كطفل أنهكه مسير يومٍ طويل؛ وأتعبَ قلبه النابض بالحياة هَوْلَ المفاجآت... لتستفيض روحي بفيض حنين أشعلته ذاكرتي التي حملت صورة وطني المُنهك المُكابر على أوجاعه بالصمود.... لأجد نفسي في ربوع محردة البلدة الوادعة في قلبي ووجداني.. محردة التي استقيت من نبعها معاني الجمال وقداسة العشق ومعنى الحياة... غفوتُ على نسمات ذاكرتي واسترخيتُ على دفء وطني وأنا أُردّدُ ما كنت أقوله في غمرة التعب:

عاشرت الصبر وعاشرني

كرهته... ولم يكرهني.. وعندما كبرت ..

وأدركت أن عقل الإنسان في الصبر

فهمت لعبة القدر.. فشكرته؛ ولم يشكرني

بل أفهمني؛أن أشكر محرده مدينتي

لأنّها أول من علمني

أبجدية الصبر....

 

      

مرمريس فندق لازور بلازا الساعة 11 صباحاً..

جلَسْتُ في بهو الكافيتريا أتناولُ فطوري وأقرأُ لمحةً عن تاريخ الجزيرة حين وصلَ البروفسور فريدريك وإليزابيت وأخبرتهم أنّ مالفتَ انتباهي في تاريخ هذه الجزيرة ليس الحضارات المتعاقبة التي مرّتْ عليها مثل حضارة الفرس ومقدونيا والرومان والبيزنطية والسلجوقية وآخرها العثمانية؛ بل حضارة المماليك السورية التي تركت بصمتها على هذه المدينة..

فقال فريدريك مؤكداً: طبعاً.. ألم نتفق بأنّ سورية هي مهد الحضارات الإنسانية؟.. إشرب قهوتك ياصديقي واستمتع بأشعة الشمس؛ وسنتحدث بهذا بعد الغداء.. قلت مستفسراً : ومريم !؟

قال : مريم ستحدثك بنفسها.. سألته: أين!؟  ومتى!؟

قال: قليلاً من الصبر ياصديقي.

قلت له وأنا أُغنّي أم كلثوم: للصبر حدود ياحبيبي.. وضحكنا وذهبنا لغداء عمل حضَرهُ جان بول والبروفسور توماس والبروفسور فريدريك وإليزابيت وفيفي والكسندر..

وبعد حديثٍ استمر لأكثرَ من ساعة تقرّرَ أن أعودَ إلى جزيرة رودوس لأُكملَ ماتَبقّى من إجازتي بهدوء لتكون فترة للراحة والاستمتاع بالشمس والبحر، وأن يغادر البرفسور توماس وإليزابيت إلى السويد، وفيفي والكسندر إلى أوروبا لتحضير لقائي مع مريم.

 

مرسيليا ـ فرنسا..

وصلتُ مطارَ مرسيليا صباح 18 تموز، وأخذتُ تاكسي مباشرةً لفندق هوليدي آن إكسبرس؛ وجدتُ حجزاً بإسمي لمدة يومٍ واحدٍ؛ فأدركتُ أنّ زيارتي قصيرة جداً.. ورسالةً صغيرةً.. أوصيتُ فنجانَ قهوة وصعدتُ إلى غُرفتي وقرأتُ الرسالةَ: ـ الحمدلله على السلامة.. نحن في انتظارك الساعة الواحدة في هذا العنوان: Notre-Dame de la Garde Rue fort du Sanctuaire - 13281

قبلَ الموعد المحدّد غادرتُ غرفتي وسألت الاستعلامات عن العنوان فنصحني أن أستقل قطار السوّاح بالقرب من الميناء.. وهذا ماحصل ووصلت إلى قمة القلعة بعد طريق ساحلي جميل لأجدَ كنيسة أحدَب نوتردام الرائعة.. وتجوّلتُ في كل الإتجاهات فلم أجدْ أحداً بانتظاري..

بعدَ ساعة من الإنتظار المُملّ رغْمَ المشاهد الرائعة من سفح القلعة باتجاه البحرعُدْتُ إلى الفندق وأنا في حَيْرةٍ من أمري؛ وصعدْتُ غرفتي لأجدَ مفاجأة غير متوقعة !

 

*ملاحظة : انتهى الجزء الاول مع هذه الحلقة والى اللقاء في الجزء الثاني والأخير مع صدور الكتاب وشكراً .

 

ـــــــــــ . يعقوب مراد . ــــــــــــ

 

- يمكنكم قراءة سلسلة "في حضن الشيطان" من البداية على الرابط التالي: يعقوبيات مغترب

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات


ياسر شيخاني
ماأجمل تلك المشاعر التي خطها لنا قلمك الجميل هنا لقد كتبت وابدعت كل التقدير والاحترام لك أستاذ يعقوب ..