سيريا ديلي نيوز- يزيد جرجوس

 

منذ اللحظة الأولى للأزمة في سورية التي صارت حرباً واسعة بكل المقاييس، دأب الإرهابيون مهما اختلفت تسميات تنظيماتهم فكلها تسميات لنفس المكون الفكري والسياسي لمجموعات من المسلحين الذين جمعهم الإرهاب والتبعية العمياء للمخطط الصهيوني في المنطقة على أحسن تقدير. دأب هؤلاء على مهاجمة رجال الأمن والشرطة وحتى شرطة المرور الذين استشهد عدد كبير منهم على نواصي مدينة حمص خلال الأسابيع الأولى للأحداث، حتى قبل أن تأخذ مسارها الواضح كحرب ضروس.
شاهدنا خطف الشبان وتقطيعهم والتمثيل بجثثهم، شاهدنا خطف النساء واغتصابهن ومن ثم قتلهن ببرودة أعصاب.. لقد كان التمثيل بـ (نضال جنود) وهو حي وأمام الكاميرات في «احتفالية» دموية لا تمت لما سمي «الربيع» بصلة، بل على العكس تعبر عن نقيضه تماماً، كان مشهداً دامغ الدلالة على ما كان يحدث في سورية، ليس بذاته التي تشكل حدثاً وليس ظاهرة على أكثر تقدير، ولكن بتكراره في مجمل مواضع خريطة الإرهاب على الجسد السوري، فلقد شاهدنا مباشرة وانطلاقاً من تلك الأيام قطع رؤوس رجال الشرطة والأمن وشيّهم في جسر الشغور، وشنق موظف مدني والتمثيل بجثته في حماة مع تقطيع ورمي جثث في نهر العاصي، ورمي مواطنين وموظفين أحياء من شرفات وأسطحة عدد من المباني في عدة مناطق سورية.. أمثلة وأمثلة إضافة إلى أنها شكلت الظاهرة الحقيقية للأحداث، ولكنها اكتسبت بعداً آخر يؤكد هذه الحقيقة، وهو تجاهل وسائل الإعلام العالمية لها.. كل ذلك حدث قبل أن نسمع بمصطلحات مثل «الجيش الحر» أو «جبهة النصرة» أو «داعش» مؤخراً وغير ذلك من المجموعات الإرهابية، ولكنه استمر بالحدوث مع دخول هذه المصطلحات حيز التغطية. فأسلوب القتل الوحشي لم يتغير ولم يبتدئ مع مرحلة ما من الأحداث، ولم يأت كنتيجة لتطور ما، ولكنه كان عملاً ممنهجاً منذ البداية يسعى مرتكبوه ومن وراءهم إلى نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار.
إذاً فإن أبشع ما تقوم به «داعش» هي أمور ارتكبتها العصابات الإرهابية في سورية مراراً من قبل، فما الجديد في مسألة «داعش» إذاً، ولماذا يغرق البعض في تصويرها على أنها «الطرف الأكثر دموية» من كل تشكيلات المجموعات الإرهابية التي اجتاحت الجسد السوري؟! وهل بالفعل يراد من خلال «داعش» الترويج «لمسلحين معتدلين» كما يظن البعض، لإعطاء هؤلاء مشروعية ما، إن وجدوا، وهم غير موجودين على كل الأحوال.
إن التغطية هي الفارق الأول في الموضوع، وهي أمر متعدد التموضعات والأسباب والانعكاسات. التغطية الإعلامية المسيسة هي التي خلقت المراحل العسكرية بمسمياتها وراياتها المختلفة وكل عناصرها على الساحة السورية، فالقنوات هي التي كانت توحي للإرهابيين على الأرض و توجههم لرفع راية ما، تماماً كما كانت توجههم باتجاه مناطق بعينها، وهي التي أطلقت عليهم التسميات المختلفة، فلقد ظهر مصطلح «الجيش الحر» مثلاً في صباح يوم 9/1/2012 فجأة ومن دون مقدمات بعد إنكار دام قرابة السنة لوجود هؤلاء الإرهابيين، ولكن خدمة المرحلة والهدف السياسيين هي التي كانت تحكم سلوك الإعلام وتالياً تؤثر في شكل وأحداث الميدان.
واليوم الإعلام هو من يعمل على «داعش» بصورة مختلفة، فبالوقت الذي كان يتعامى عن جرائم المراحل السابقة، هو اليوم يروج لارتكابات «داعش» بغية تحقيق الصدمة والترويع اللذين فشل العدو في تحقيقهما حتى اللحظة في سورية، ولكن الترويج لـ«داعش» يقتضي ذلك أيضاً وليس فقط التأثير في معنويات الشعب السوري. اليوم يراد تصوير «داعش» كقوة مخيفة، أو على الأقل ما هو أكثر من تنظيم. تماماً كما يبدو من سلوكها هي وفي السياق نفسه فبالوقت الذي كانت جرائم العصابات الإرهابية في السابق تأخذ طابع الغريزة نشر العنف، بدا سلوك «داعش» أكثر تنظيماً وتهديفاً باتجاه تصويرها كقوة منظمة وكجسد متماسك قابل للتمدد لتشكيل بديل سياسي ما.
كل ذلك يأتي في سياق واحد لتصوير «داعش» على أنها كيان واحد، وهو أمر نشكك فيه بشدة، ونرى أنها وإن كانت تشكل شيئاً شبيهاً في منطقة ما بين العراق وسورية، ولكنها لا تخرج عن إطار المراحل السابقة في الحرب النفسية الإعلامية، فالإعلام قال إن هناك شيئاً اسمه «الجيش الحر» كجيش «موحد و متماسك ويتبع هرمية قيادية» والحقيقة كانت أنه مجرد مجموعة كبيرة من العصابات الإجرامية الخارجة على القانون، تقوم بتصوير نفسها وإرسال الصور لوسائل إعلامية كانت هي التي تطلب و توحي بذلك، ليصار إلى استخدام الصور لأغراض تخدم المخططات المرسومة.
ولكن الفرق الواضح اليوم أنه يبدو فعلاً أن الغرب هنا والآن يريد أن يوحد هذه العصابات ويصنع منها كياناً فعلياً ربما يستطيع تحقيق ما عجز المخطط عنه خلال سنوات ومن منطلق كونها كياناً متخلفاً جداً يناسب وجوده الغرب و«إسرائيل» ولا يثير أي قلق، إضافة إلى أن تصويرها «كأرض خلافة» سيسهل استجلاب «المجاهدين» من أصقاع الأرض. هذه عناصر في الموقف اليوم يجب أن تؤخذ بالحسبان وتوضع في أولوية سلم التعامل مع الأزمة ومواجهتها، فمرحلة «داعش» هي مرحلة متطورة من العدوان على سورية.


 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات