عدنان فرزات

خرجوا وهم لا يحملون جوازات سفر، ويعيشون مثل كائنات غريبة في المناطق التي لجأوا إليها.

يكاد ينتابني يقين بأن المتنبي حين كتب بيت الشعر الشهير: «فصرتُ إذا أصابتني سهامٌ.. تكسرت النصال على النصال»، كان ينظر إلى حال الإنسان السوري اليوم، الذي تكسرت فوق جسده كل أنواع الأسلحة، من السكين فما فوق.

تحول الإنسان السوري منذ ما يقارب أربع سنوات إلى بضاعة رابحة بيد شتى أنواع التجار، من تجار القوارب غير الشرعية الذين أشبعوا أسماك البحار والمحيطات لحماً بشرياً، وصولاً إلى منتهزي الظروف الذين حاولوا أن يستغلوا ظروف النساء السوريات تحت غطاء شرعي، هو الزواج، وقبل هذه الأزمة لم يكن أحد من هؤلاء يحلم بأن يرى ظفر فتاة سورية، لأن مهرها لا يقدر عليه.

وآخر أنواع التجارة بالسوريين، هي تجارة جوازات السفر، فبعد أن حكمت الظروف بإغلاق العديد من السفارات في كثير من الدول، ظهرت طبقة تجار جديدة، يتمثل عملهم في جمع الجوازات المنتهية مدتها من الناس الذين يقيمون في الدول التي لا سفارات سورية فيها، ثم يأخذون هذه الجوازات إلى الدول الأخرى التي يوجد فيها سفارات، ويجددونها لهم بمبالغ لا يقدر عليها كثيرون، خصوصاً ممن لديهم عائلات مكونة من عدة أفراد.

ويبدأ مزاد هذه التجارة بمبلغ مقداره 500 دولار أميركي عن الجواز الواحد، ثم يصل المزاد إلى ضعف هذا المبلغ وربما أكثر، وذلك وفق المدة التي تريد أن تحصل فيها على الجواز، وهنا مشكلة أخرى، فالزمن الذي يستغرقه إنجاز الجواز «أبو الخمسمية» لا يقل عن شهرين إلى ثلاثة، هذا إن كان حظك جيداً، وهنا تبدأ المساومات، فإذا أردت الجواز بأقل من ثلاثة أشهر، فإن لذلك قيمة أكبر، وإذا أردته بأقل من شهرين، فلهذا قيمة أكبر وأكبر،أما إذا أردته مستعجلاً جدّاً، فتوقع أن يأتي إليك تاجر الجوازات عند تسلّم النقود منك، ومعه كيس فارغ.

والمساومات الأخرى تبدأ حين تصبح روحك بيد تاجر الجوازات، فأنت تتوسل اليه أن يحافظ عليه لأن ضياعه كارثة، وممنوع عليك أن تتصل به للاستفسار، خشية أن «تنكرزه»، وقد يفاجئك بعد حلول المدة التي حددها لك لانتهاء إجراءات التجديد بأنه لم ينته بعد، فتطلب منه أن يفي بالتزامه تجاهك، فيقول لك إن الأمر سيكلف دفعة إضافية من المال «للحلحة» الموضوع، فماذا بإمكانك أن تفعل وجوازك رهينة بيده سوى أن ترضخ وتستدين وتدفع لأن مستقبلك ومستقبل أولادك ومدارسهم وجامعاتهم ومشروعية حياتك كلها مرهونة بهذا الدفتر الصغير؟! أضف إلى ذلك أن كثيرين اليوم من الهاربين من جحيم الموت، خرجوا وهم لا يحملون جوازات سفر، ويعيشون مثل كائنات غريبة في المناطق التي لجأوا إليها.

لذلك، لا بد من إيجاد حل إنساني لهذه المشكلة، والتوقف عن تحويل الإنسان السوري بجسده وأوراقه إلى سلعة رائجة.

سيرياديلي نيوز


التعليقات