خاص- سيريا ديلي نيوز

حين كتبت عبارتي الشهيرة: //...المجتمع المتخلف.. هو المجتمع الذي يعترف بالحبّ كوسيلة من وسائل الحياة العصرية.. ولا يعترف بفشل هذه العلاقة.. بحيث يُبرئ الرجل، ويحمّل المرأة المسؤولية، ويجعلها وحدها التي تدفع ثمن الفشل..// وكان ذلك في بداية الثمانينات تعرضت وقتها لانتقادات شرسة من الذين كتبوا، وكان أغلبهم من الرجال، شعرت يومها.. وكأنّني أسبح وحدي عكس التيار في بحر هائج.. ومتلاطم.. ومليء بالحيتان والأفاعي الذين يرفضون أن يمرروا أي شيء ينتقص من كرامتهم ورجولتهم المنحصرة بكلمتهم، مهما كانت صح أم خطأ.. وذهب ببعض الحيتان إلى التشكيك بأنّ من كتب هذه العبارة ليس رجلاً.. وعندما أكدت له بأنّي رجل، وأطلب للمرأة ما أطلبه لأمي أو أختي، لم يصدق كلامي، وأصرّ أن يقابلني، ودعيته لمقابلتي بمكتبي في شارع بغداد بدمشق.. ومرّت الايام، وكدت أنسى الموضوع تماماً، حتّى كان ذلك اليوم الذي فوجئت برجل يقتحم المكتب، رغم توسلات السكرتيرة بأنّها يجب أن تخبرني أولاً، إلّا أنّه فتح الباب، ونظر إليّ قائلاً: أها أنت هو يعقوب مراد!!؟؟.. فوقفت مدهوشاً وأومأت له بالإيجاب، وأشرت له أن يجلس، إلّا أنّه ضحك ضحكة مجلجلةً وقال: الآن عرفت لماذا تدافع عن النساء؟ لأنّك بالأصل مثلهن بلا شوارب، وخرج من المكتب كما دخل وصوته وضحكته تعمّ المكتب كلّه، وفوجئت بعد أيام برسالة تقول من يدافع عن المرأة بأن تتكافئ مع الرجل كمن يطلب من المرأة أن تزني.. وكفاك اللعب بالنار وإلّا ستحرق نفسك أولاً.. لا أنكر أنّني خفت.. فالحياة ليست لعبة لنغامر بها كيفما كان، وقررت المجابهة بأسلوب آخر، ولكن لن أتراجع عما أنا مؤمن به، وفي منتصف الثمانينات سافرت للسويد، واستمريت بكتابة مواقفي وآرائي التي أؤمن بها، ومنذ يومين نشرت عبارتي نفسها في الفايس، وانتظرت ردود الفعل.. في البداية وصلني عبر الايميل استفسارات حول ما أقصد من الجنسين فعدت وأوضحت كلامي بما يلي: للذين اتصلوا أقول نحن نبارك لاثنين أحبّوا بعض وخطبوا بعض، ونعترف بهما وبحبّهم، ولكن إذا اختلفوا وافترقوا؛ الرجل ممكن يحبّ ويخطب من جديد..عادي، بينما أيّ رجل يتقدم لخطبة الفتاة التي كانت مخطوبة سيجد الأهل والمجتمع كلّه ضدّه لأنّه سيتزوج من فتاة سبق وارتبطت وأحبّت و.. و.. وسينسحب وتظلّ عانس؛ تدفع ثمن علاقة اعترف بها كلّ المجتمع، ولكنّه لم يعترف بفشل العلاقة، وجعل المرأة وحدها تدفع الثمن، مجتمع يدّعي المساواة.. مجتمع متخلف..// وانتظرت... كنت أريد أن أعمل مقارنة مابين ردود الفعل اليوم، وأيام زمان خاصةً بعد مرور ربع قرن تقريباً، وأشياء كثيرة تغيّرت، ووسائل اتصال حديثة أصبحت في متناول اليد، ومنها المحطات الفضائية..والموبيل..والفاكس..والكمبيوتر.. والفايسبوك.. وكلّ أنواع الاتصالات التي تتعلق بالشات، وبتحرر وتتطور المجتمعات المغلقة ولو بدرجات متفاوتة.. ولم يمضِ يومان.. حتّى فوجئت بعشرات الرسائل في بريدي إضافةً لبعض التعليقات على الفايسبوك، وفي مقارنة بسيطة وسريعة وأولية أجد أن أغلب الذين تواصلوا معي هم من النساء والقلة من الرجال، ولكن في أغلبها قصص محزنة جداً؛ تصل لدرجة الماسأة الحقيقية، وشعرت للوهلة الأولى وكأن هذه القصص حدثت في زمن العثمانيين أو زمن باب الحارة إلّا أنّ الأحداث للأسف جديدة جداً!!!.. فما معنى هذا ..!؟ ألم تؤثر فترة ربع قرن من الزمن بتغير بعض العادات والتقاليد التي مازالت تتحكم بالمجتمع!؟ ألم تؤثر كلّ وسائل الاتصالات الحديثة والمباشرة بسلوكيات هذا المجتمع إلّا بالظاهر فقط!؟ وإلّا هل يُعقل أن تعامل المرأة كتابع فقط ..!!؟ وأنّها انتهت، وأصبحت كأيّ قطعة أثاث بالبيت لمجرد أنّها خطبت، وخطيبها لسبب ما تركها!!.. أكاد لا أفهم تكوينة هذا المجتمع.. وماذا يريد!؟.. ولماذا يصرّ على تحميل المرأة كلّ سلبيات الحياة اليومية.. فيما الرجل بريء تماماً!!؟؟ لماذا يحق للرجل أن يأخذ فرصته الثانية، والثالثة، والرابعة، وأكثر دون أن تشوبه شائبة، والمرأة تحترق من فرصتها الأولى دون أن تُمنح فرصة ثانية وثالثة!!؟؟ أنا قلت خير للإنسان أن يحبّ ويفشل أكثر من مرّة، من أن لايحبّ أبداً.. نحن بشر خُلقنا بالأساس من الخطيئة، والطبيعي أن نكون معرضين للغلط والفشل؛لأنّنا غير معصومين عن الخطأ.. عظيم.. فإذاً لماذا لايكون هناك تكافؤ بالفرص!؟.. فكما يحقّ للرجل بأكثر من فرصة لما لايحق للمرأة كذلك، خاصةً إذا توفي زوجها فهذا ليس بيدها، ولا بسببها فلماذا يحجر عليها وكأنّها انتهت!!؟؟ قد يقول قائل: هنالك الكثير من النساء أخذت فرصتها بالزواج أكثر من مرّة في مجتمعنا.. وأقول هذا صحيح.. ولكنني أتكلم بالعموم، عن الاغلبية، وليس عن حالات.. أتكلم عن أمراض مازالت تعشعش في عقلية مجتمع ذكوري يرفض حتى الاعتراف بأبسط حقوق المرأة، ولديَّ أمثلة كثيرة، وكثيرة جداً، أفكر بسرد بعضها، وإطلاع الآخرين عليها، ولكن هذا لايعني أنّه ومن جانب آخر هناك نساء أثبتن وجودهن العلمي والوظيفي، ومكانتهن خلال الفترة الأخيرة، فهذا يشرف، ويدعو للفرح والبهجة والاطمئنان لمستقبلٍ الكلّ فيه شركاء في الوطن والعائلة والحياة... ولكنّنا حين نذهب للطبيب نذهب من أجل ألمٍ ووجعٍ في جزءٍ صغيرٍ في جسدنا، وأنا أتكلم عن الجزء المؤلم والموجع في جسد مجتمعنا، وللأسف فهو كبير.. وهذه أمثلة سريعة جداً، سأعود إليها فيما بعد بالتفصيل ومنها: *سميحة تزوجت وتوفي زوجها، وعادت لبيت أخوها الكبير؛ فجعل منها رهينة في بيته، وأصبحت مربية أولاده وخادمة طيلة 22 عاماً، يرفض أن تخرج من البيت أو أن تحضر أيّ عرسٍ أو مناسبةٍ عند أهلٍ أو جيرانٍ، بحجّة أنّها أرملة وأنّ أهل الحارة والمجتمع لا يرحمون، وإن هي عصت كلامه؛ فإنّه سيذبحها كخراف العيد، ولهذا استسلمت له خائفة.. *ياسمين تزوجت من ضابطٍ استشهد في حرب لبنان؛ فعادت لبيت أهلها، وبعد أربع سنوات تزوجت مرّة ثانية، ولكنّها كانت تعيش الجحيم كلّ يوم لأنّ زوجها الثاني كان دائماً يسأل عن زوجها الأول، وكيف كان؟؟.. وهل كانت تحبّه، وهل تحبّه هو مثلما كانت تحب زوجها الأول؟؟.. عشرة أشهر وعادت لبيت أهلها مطلّقة بعد ليلة عراك استوجبت نقلها للمشفى إثر الكدمات والجروح التي أحدثها مطلقها، ومن يومها لم تسمع سوى كلمة ممنوع.. ممنوع الخروج.. ممنوع الكلام.. ممنوع الاختلاط..ممنوع.. ممنوع.. *نوال تزوجت ثلاث مرّات للخليج، وفي المرات الثلاث كانت برغبة والدها من أجل المال.. وبعد طلاقها للمرّة الثالثة لم يجرؤ أحد على طلبها للزواج، ومازالت تسقي الياسمين في بيت والدها، وتهتم بالبركة والطيور ونفس الأركيلة داخل البيت، وتعيش قصص الحبّ مع المسلسلات التركية.. *أحلام تبكي حظّها فهي قد كتب كتابها فقط ومن ثم تمّ فسخه، وكلّما تقدم أحد لخطبتها يسأل عن سبب فسخ كتب الكتاب؛ فيقولون بأنّ الشاب كان مدمن مخدرات، ويسألون عن اسمه، ويذهبون ويسألونه، ثمّ لايعودون أبداً، ثمّ تقول: إنّها سمعت بأنّ الشاب تزوج مرتين، وطلّق، ولم يعيبه شيء رغم إدمانه، وهي أصبحت مستعملة في نظر المجتمع لمجرد أن أبوها رفضه لأنّه شخص غير مناسب فما هو ذنبها!!؟؟.. *سميرة تقول: بأنّ أمها كانت تجبرها على الخدمة كلفاية في البيوت من صغرها، وكلّ من يعرف بأنّها كانت تدخل البيوت، وتعمل كخادمة كان يرفض الزواج منها، والآن أصبحت في39 ولم تتزوج وتتمنى لو كان عندها ولد واحد *فاتن كانت مدلّلة أبويها الذين توفيا بحادث سيارة، ثمّ تركا لها ثروة تتمثل في بيت وسيارة ومطعم، وكانت في التاسعة عشر من عمرها حين أجبرها عمها وجدها أن تتزوج ابن عمها السي الصيت والمعشر، وبعد أن استولوا على كلّ ماتملك بدأت معاملتها بطريقة سيئة جداً، وكانت تعود كلّ يوم بكدمات إثر عراك افتعله زوجها، فكان عمها يقول: على المرأة أن تتحمل زوجها، ولكن زوجها لم يتحملها فطلّقها، ولم تجد مكاناً تعيش فيه، فأصبحت عاهرة تنام في الشقق المفروشة، ثم تركت عملها، وعملت كممرضة، ومازالت حتى اليوم.. *حياة تقول: إنّها ولدت في أسرة غنيةً جداً، وكانوا أهلها أغنياء القرية الوحيدين؛ كانوا إقطاعيين، ومصيبتها أنّه كلّما تقدم شخصٌ لها في البداية كانت تراه غير مناسب أو يراه أبوها ليس من مستواهم أو يرفضوه أخوها لأنّه حشرة أو يرفضه أحد من العائلة لأنّه طامعٌ بمالهم.. ومرّت الأيام، وأصبحت في الأربعين دون زواج، وتقول: كلّ شيء في البيت أهم مني، لو احترق قلب البراد أو التلفزيون أو الغسالة اتصلوا بالكهربائي، وجاء ليكشف عن القلب المحروق، ولكن أن يحترق قلبي كلّ يوم، ويذوب شبابي، وتتكسر مشاعري وأحاسيسي، فليس هناك من يسأل أو يهتم.. وحين تجتمع العائلة والأولاد يسخرون مني لأنّي لم أتزوج، ولم أنجب، وأحياناً أتساءل لماذا أعيش!!؟؟.. هذه بعض الأمثلة القليلة من الردود الكثيرة.. الكثيرة، التي سأعود إليها ذات يوم لأصوغها بشكلٍ مفصلٍ.. وحتّى نرى المجتمع برمته رجالاً ونساءً يتحملون المسؤولية مناصفةً، بحيث يُعاقب المذنب أيّاً كان، ويحمي ذلك قوانين وأنظمة جديدة تنصف المرأة كإنسانة، وتُعطي الجميع الحقّ بفرص جديدة مع كلّ إشراقة شمس من أجل حياة كريمة ومحترمة وسعيدة للجميع، وطالما ذلك لم يحدث، ولم يتغيّر أيّ شيء بعد؛ سأبقى أردد عبارتي المؤمن بها وهي: //.. المجتمع المتخلف.. هو المجتمع الذي يعترف بالحبّ كوسيلة من وسائل الحياة العصرية، ولا يعترف بفشل هذه العلاقة، بحيث يبرئ الرجل، ويحمّل المرأة المسؤولية، ويجعلها وحدها تدفع ثمن الفشل..// .... ولكن يبقى ثمة سؤال.. ـ إلى متى ستبقى المرأة تدفع وحدها ثمن فشل علاقة، ليست وحدها مسؤولة عنها..!!!؟؟

سيريا ديلي نيوز


التعليقات


ياسر شيخاني
مجتمعنا بلا شرف، فمجتمع يفاخر في القرن الواحد والعشرين بمسلسات رجعية متخلفة من أمثال باب الحارة وأهل الراية التي تعيد إحياء تقاليد يفترض بأننا تجاوزناها من أمثال “الشخت على البلوعة” ومعاملة المرأة كحرمة يحرم عليها أن يكون لها كيانها المستقل. ويهلل لهذه المسلسلات مدعياَ أنها تستعيد القيم العربية الأصيلة، وتتحدث عن المروءة والرجولة. هو بالتأكيد مجتمع بلا شرف. شيئ محزن فعلا ان نقرء مثل هذا الحالات المؤثرة جدا ولا نستطيع فعل شيئ المرأة هى النصف الجميل والرقيق فى حيات اى رجل ولا ننسى ان وراء كل عظيم امرأة والمرأة اراها انا شخصيا كالمياة التى لا يقدر ان يستغنى عنها اى انسان فى الدنيا شكرا أستاذ يعقوب على هذا الموضوع الرااائع