عندما أعرب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين عن قلق بلاده من الأنباء التي تحدثّت عن تدريب مسلحين سوريين ممن يقاتلون ضد نظام الرئيس بشار الأسد في الأراضي الليبية بدعم من الحكومة في طرابلس. وتحدث تشوركين عن انباء تصل موسكو بشأن إنشاء مركز خاص لتدريب من يطلق عليهم "الثوريين السوريين" في الأراضي الليبية وبدعم من السلطات، مضيفاً ان المسلحين بعد الخضوع لدورة تدريبية في هذا المركز يتوجهون الى سورية للمشاركة في العمليات القتالية ضد الحكومة. طبعاً تصريح تشوركين على اهميته يبقى واحداً من الأمثلة عن عملية "تدفيق" المسلحين من جنسيات مختلفة بما فيها الأوروبية الى سوريا للمشاركة فى عملية إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وليبيا في وضعها القانوني الآن الضائع بين مرحلتي القذافي والمجلس الوطني تعتبر الأنسب في أداء هذا الدور باعتبار ان الفوضى السائدة في الأراضي الليبية والتي اتاحت اطلاق قطار تقسيمها تتيح للمجلس المتولي السلطة حالياً ان يتنصل اذا اراد من اي تبعة او مسؤولية تجاه دمشق، طالما ان الدولة الليبية الجديدة لم تبصر النور بشكلها النهائي، وطالما ان بسط سلطانها لم يشمل جميع الاراضي الليبية حتى الآن. وبالتالي يمكن للاطراف الخارجية التي تريد ان تحفظ خط الرجعة مع الرئيس الاسد أن تتكئ على ليبيا في اداء هذه المهمة في الوقت الضائع، مع الاشارة الى ان مجاهرة بعض الدول العربية وفي مقدمها السعودية وقطر بضرورة دعم المعارضة السورية بالمال والسلاح، والمعلومات التي تتناقلها أكثر من وسيلة ومصدر إعلامي موالٍ للمسلحين عن نقل اسلحة من السعودية الى المسلحين السوريين عبر الأردن وغيره، تعطي تصوراً كاملاً عن الرغبة الجامحة في شحن الأزمة السورية بما أمكنها من عناصر التوتر واستمرار المواجهات والاشتباكات والفوضى الامنية، وبالتالي سقوط المزيد من الضحايا، ما يعمق الهوة بين مكونات المجتمع السوري، ويدخله في حرب أهلية يكون من الصعب وقفها، لا سيما مع الباسها ثياباً طائفية ومذهبية كفيلة بتعميق الجرح وهدم الثقة بين المكونات السورية، وزرع الخوف والشك والقلق من المستقبل، ليؤدي كل ذلك الى اقامة خطوط تقسيم نفسية فضلاً عن خطوط التقسيم المذهبية المناطقية. وطبعاً هذه تعد اللبنة الاساسية لأي عملية فرز مستقبلية، وهو ما يكمن في خلفية الحديث عن مناطق آمنة وممرات انسانية، ومخيمات لاجئين في دول الجوار وبينها لبنان، ما يؤسس لفكرة التقسيم لاحقاً، وهي بالمناسبة مصطلحات استخدمت في العراق والسودان. وعليه فإنه ومع مرور الزمن يتضح ان المخطط المعد لسوريا يتجاوز اسقاط حكم الرئيس بشار الأسد الى اسقاط مشروع الدولة السورية وزرعها بالفوضى والحرب الأهلية تمهيداً لتقسيمها، وهي نظرية بات بامكانها تفسير الحراك الغربي ـ العربي ضد دمشق في ظل العجز المعلن عن النيل من قوة نظام الرئيس الاسد، وهناك وقائع ومعطيات كثيرة تنبئ عن رغبة الغرب في تقسيم سورية، وبعض السياسيين يتحدث علناً عن هذا الامر، ومنهم النائب وليد جنبلاط، إذ انه ووفقاً لصحيفة "الاخبار" اللبنانية في عددها الصادر في السابع من شهر آذار الجاري، وقبل سفره الأخير إلى لندن، جمع عدداً كبيراً من كوادر حزبه، ومنهم بعض من ابتعدوا عنه منذ نهاية الحرب الأهلية، وقال لهم "إن موقفه من الاحداث في سوريا مرتبط بقناعته بأن الرئيس بشار الأسد لن يبقى في الحكم، وأن سوريا ستُقسَّم إلى دولتين، واحدة سنية وأخرى علوية، ودروز سوريا سيكونون في بحر من السنة".
 ـ إن الهدف الرئيس للاستراتيجيات، المحلية والإقليمية والدولية ضد دمشق، ليس الإطاحة بالنظام، الذي إذا ما كان قادراً على تحديث نفسه فإن بإمكانه لعب دور اعتدالي بين الفئات المختلفة في البلد وفي منطقته، وإنما الهدف هو اختفاء نموذج المجتمع السوري.
وهناك ايضاً خلاصة مماثلة انتهت اليها دارسة فرنسية نشرت قبل شهرين في كانون الثاني الماضي في باريس وانجزت بتنظيم من "المركز الفرنسي للأبحاث الاستخبارية"، و"المركز الدولي للأبحاث والدراسات حول الإرهاب ومساعدة ضحايا الإرهاب"، وتولاها وفد دولي من الخبراء سافر إلى سوريا من 3 إلى 10 كانون الأول عام 2011 (قبل اربعة اشهر) لـ"تقييم الوضع هناك بشكل مستقل ونزيه ومقابلة الفاعلين في هذه الأزمة". وأنهى الوفد مهمته التقييمية بلقاءات مع مختلف الممثلين للمعارضة السورية في الخارج، إضافة إلى هيئة من الخبراء بشؤون الشرق الأوسط من أوروبا والعديد من المواطنين السوريين الذين اجابوا عن أسئلة الوفد، إضافة إلى الموظفين الديبلوماسيين العرب والأوروبيين، ورؤساء الوكالات الاستخبارية، وأعضاء المنظمات الإنسانية وصحافيين من الصحافة الدولية أجريت مقابلات معهم. الدراسة اعتبرت "أن خطر اندلاع مواجهة طائفية ومذهبية شاملة، ولبننة وحرباً أهلية كاملة ليسا بالأمر المحتوم"، وهذا الامر الجيد الذي كونه فريق البحث، لكن المخاطر المحدقة بالنموذج السوري التعددي اوجزها الباحثون في خلاصة من ثلاثة احتمالات باعتبار "ان الجماعات المسلحة لن تلقي سلاح حربها، مع ما هو معلوم من انخراطها الآن في دوامة العنف الجارية، حيث ان هذه الجماعات تعتمد على تدخل المجتمع الدولي، بشكل مشابه لما حصل في ليبيا". وعليه فان التغييرات المحتملة التي وضعتها الدراسة الميدانية يمكن أن تقود إما إلى : 1ـ تقسيم وتطهير إثني ومذهبي ( مشابه لاتفاقية دايتون في يوغوسلافيا السابقة)؛ 2ـ حل على النموذج الليبي يقود إلى رحيل جماعات الأقليات إضافة إلى طوائف أخرى إلى لبنان؛ 3ـ محاولة للإصلاح وتأسيس نظام طائفي تعددي مقارنة باتفاق الطائف ( 1989 في لبنان).
ـ تقسيم اليمن إلى أربع دويلات نشرته وزارة الدفاع الأميركية ووضعت خريطة ضمت الشرق الأوسط الكبير الذي يقوم على تقسيم الدول العربية وإضعافها حتى لا تكون هناك دولة قادرة على أن تتخذ موقفاً قوياً يوماً ما ضد "إسرائيل".
وختمت الدراسة تقييمها للازمة السورية بعبارة لافتة جاء فيها "إن الهدف الرئيس لهذه الاستراتيجيات، المحلية (قوى معارضة)، الإقليمية والدولية، المنفذة ضد دمشق، ليس الإطاحة بالنظام، الذي إذا ما كان قادراً على تحديث نفسه فإن بإمكانه لعب دور اعتدالي بين الفئات المختلفة في البلد وفي منطقته، وإنما الهدف هو اختفاء نموذج المجتمع السوري". وهذه الجملة هي الاطار التفسيري العام لكل هذا التحرك الاقليمي ـ الدولي ضد الرئيس بشار الاسد، الذي يتجاوز عنوان اسقاط نظامه، الى جعل هذا الاسقاط ان حصل نافذة لتغيير جذري في هوية الدولة السورية، بما يجردها من قوتها التي شكلت ـ ولا تزال تشكل رغم كل الحرب المفتوحة عليها ـ عنصراً حاسماً واساسياً في المواجهة بين قوى المقاومة و"اسرائيل". لكن الدراسة الفرنسية تبشر بصعوبات في تنفيذ هذا المخطط عندما تقول إن تونس، مصر، ليبيا، اليمن وسوريا تمر كلها الآن بمراحل من التحول ستدوم لفترة طويلة من الزمن. ورغم أن هناك تشابهاً بين بلد وآخر، إلا أن الأوضاع المختلفة تتحدى وتقاوم التعميمات السهلة ومقاربة "حجم واحد يناسب الكل". ونظراً لتاريخ سوريا، ونموذجها الاجتماعي ـ الديني ومحيطها الاقليمي، فإن هذا البلد يقاوم تعميمات من هذا النوع بشكل أكبر حتى. ما تقدم يشير الى مسار عام يقوده الغرب في الشرق الاوسط حالياً، ومنه ايراد اليمن ضمن اسماء خمس دول تمر بمخاضات مختلفة. فهذا البلد الذي كان سعيداً ذات يوم، واصبح واحداً من افقر بلدان العالم، يعاني هو الآخر من عوارض تقسيم كبيرة، حيث انه في الواقع حالياً مقسم الى أربعة اجزاء لم تتخذ بعد اسماء دول او دويلات، انما تحظى بانواع من الادارة الذاتية تتولاها كل جهة في منطقتها، مع احتفاظ السلطة المركزية بعنوانها الرئيسي في صنعاء. فالحراك الجنوبي عاد ليرفع صوته عالياً بالانفصال عن الشمال المتهم بتحويله الى أرض خصبة للفقر والعبث والسيطرة على الموارد وترك الجنوبيين لحال من البؤس لم يألفوها في زمن انقسام اليمن الى دولتين، مع الاشارة الى ان عمر الجمهورية اليمنية هو عقدان من الزمن فقط، لم يؤهلاه لبناء نموذج يحتذى في الاتحاد الفعلي في بلد متعدد الانتماءات المذهبية والقبلية والمناطقية، ويقع في منطقة جغرافية تجعله محط اطماع اطراف اقليمية ودولية كثيرة. وهناك ايضاً محافظة أبين التي اعلنها تنظيم القاعدة امارة اسلامية ويمارس نفوذه داخلها، ويواظب على الاشتباك مع القوى الامنية الرسمية على تخومها.
ـ تتقاطع نتائج البحث حول خرائط التقسيم المعدة للسعودية الى ثلاث دول: شرقية بترولية في "الإحساء"، ووسطية رعوية في"نجد"، وغربية دينية في "الحجاز" حيث الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
اما في صعدة فان الحوثيين يديرون امورهم بانفسهم بعد جولات من المواجهات العنيفة دخلت فيها السعودية طرفاً مباشراً قبل ان تهدأ الجبهة هناك. وعليه تبقى دولة الشمال التي هي الاخرى يتم التصارع عليها بين اطراف عدة لاخضاعها لنفوذه. وبحسب الخطاب السائد في اليمن فان الولايات المحدة تسعى الى تقسيم هذا البلد الى اربع دويلات وفق مخطط أميركي كانت قد أعلنته وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، ووفقاً لرجل الدين الشيخ عبد المجيد الزنداني (أحد أهم المطلوبين للإدارة الأميركية بتهم تمويل "الإرهاب" وأدرج اسمه ضمن 19 شخصية على مستوى العالم في قائمة للأمم المتحدة عام 2004) فإن مخاطر التقسيم قائمة، وقد أعلنته رايس باسم "الفوضى الخلاقة"، و"نحن الآن نعيش بداية الفوضى". وأوضح أن تقسيم اليمن إلى أربع دويلات نشرته وزارة الدفاع الأميركية التي وضعت خريطة ضمت الشرق الأوسط الكبير الذي يقوم على تقسيم الدول العربية وإضعافها حتى لا تكون هناك دولة قادرة على أن تتخذ موقفاً قوياً يوماً ما ضد "إسرائيل". وفي الادبيات المنشورة عن الاشارات المتعلقة بتقسيم اليمن وخلفيات المشروع يُستشهد بكلام للسفير الأميركي السابق "أدموند هول" ضمنه إشارة فهمت على أنها ضوء أخضر للبدء في مخطط التقسيم حيث قال في إحدى زياراته لحضرموت، وفي أثناء اجتماعه بأعيان حزبيين واجتماعيين في المنطقة، "انّ حضرموت تمتلك مقدرات دولة". اما في الخلفيات فترد معطيات مثل "أنَّ يمنًا موحَّدًا بكثافة سكانية كبيرة، وأرض شاسعة، وسواحل طويلة تمتد إلى 2400 كم، على بحر العرب، وخليج عدن، والبحر الأحمر، ومتنوّع الثروات، وتتنامى فيه الحالة الإسلامية، وتتحكم فيه أعرافٌ قبلية ذات نزعة محافظة وداعمة لقضايا الأمة الإسلامية، وتنطلق منه مواقف مؤثرة إقليميًّا وعالميًّا مناهضة للمشروع الأمريكي الصهيوني لا يمكن أن يُطمئن المشروع الغربي المخرّب في المنطقة". وليس بعيداً عن هذا البلد، وطالما ان الامر منوط بوزارة الحرب الاميركية، فإنه ترد دائماً اشارة الى المخططات التي ظهرت عبر البنتاغون بعيد هجمات الحادي عشر من ايلول عام 2001 عن السعودية، الجار الاكبر لليمن، والتي تحدثت عن تقسيم المملكة الى ثلاث دويلات، وبرزت حينها الخطة التي اعدتها مؤسسة "راند" للابحاث التي قدمتها للبنتاغون في حينه، واثار نشرها جدلا واسعاً وذلك بعد اتهام المملكة بالمسؤولية ولو غير المباشرة عن الهجمات.

وفي اي عملية بحث عبر شبكة الانترنت تتقاطع النتائج حول خرائط التقسيم المعدة للسعودية الى ثلاث دول: شرقية بترولية في "الإحساء"، ووسطية رعوية في "نجد"، وغربية دينية في "الحجاز" حيث الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وبين الاسماء الاميركية اللامعة في رسم خرائط تقسيم السعودية يبرز اسم"ماكس سينجر" مؤسس معهد هدسون الذي تقدم بخطة للمسؤولين في البنتاغون حول تقسيم المملكة السعودية التي تعرف عواقب ما تقوم به من دور سلبي ضد سوريا، مع انها كانت ولا تزال في مرمى نيران التقسيم الاميركية.

وكالات

سيريا ديلي نيوز

التعليقات