جملة من المعطيات التي طفت على السطح مؤخراً، دفعت إلى الواجهة مرة أخرى فكرة المصرف الوطني الشامل التي سبق لها أن طرحت منذ سنوات تصل إلى الخمس أو الست، والتي قامت على دمج مجموعة من المصارف العامة مع بعضها البعض، قيل وقتها أنها تضم التجاري السوري والعقاري والتوفير أو الصناعي حسب سيولة كل منها وقتذاك- ليكون الناتج مصرفاً وطني عاماً وشاملاً لمختلف أنواع النشاطات التجارية والإسكانية والاستثمارية والصناعية بينما اعتبر يومها تجاوزاً للعقوبات المفروضة على التجاري السوري أكبر المصارف السورية.
اليوم، ومع القيود التي باتت تفرض تباعاً على المصرف العقاري بدأ البعض يعيدون طرح تلك الفكرة في الأوساط المالية تأسيساً- وفق بعض الآراء- على تحويل جملة المصارف ذات الوضع المتشابه إلى كيان مصرفي جديد، بالرغم من أن أي جهة معنية لم تبد معرفتها بالمسألة، أي إن جهة معنية لم تطرح الأمر.
مصادر المصرفين (العقاري- التجاري السوري) تحدثت عن هذه المسألة مبينة أن الفكرة طرحت منذ سنوات عده يوم كانت الأوضاع تسمح بذلك، ومع ذلك لم يوفق هذا المشروع بالنظر إلى عوامل عدة، أبرزها أن لكل مصرف من المصارف نظام عمليات خاص به، وبرمجيات خاصة به، ناهيك عن مشكلاته الخاصة مع القطاعات التي يتعامل معها من إسكان ودخل محدود واستثمارات ما ينفي بشكل حكمي أي إمكانية لتطبيق هذه الفكرة، بالنظر إلى أن الأزمة التي تمر بها سورية نتيجة الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على شعبها وإجرام وتخريب المجموعات الإرهابية المسلحة، أفرزت مشاكل جديدة لكل مصرف من المصارف تضاف إلى ما سبق منها، فالمصرف العقاري يعاني حالياً من مشكلة الأقساط المترتبة على المساكن المشتراة بقرض منه في المناطق التي تضررت من الإرهاب، والتسليف الشعبي يعاني عدم تجاوب المحاسبين في الجهات العامة باقتطاع قيم أقساط القروض من رواتب المقترضين، وكذلك حال مصرف التوفير، وبالتالي فإن تجميع هذه المشاكل لا يعني حلها، بل على العكس من ذلك، لجهة أن تجميع هذه المشاكل سيعزز مشاكل جديدة يعجز المصرف الجديد عن حلها، بعد أن عجزت المصارف المكونة له عن حلها منفردة ومنفصلة.
وتشير المصادر إلى أن الحل الأفضل حالياً هو دعم المصارف لحل مشاكلها منفردة، حتى تصبح في وضع دون مشاكل أو مشاكل بسيطة، مع الأخذ بالحسبان إمكانية أن تبادر الجهات الوصائية إلى إقامة نوع من التحالف بين كل مصرف، وجهة رابحة تتمكن من تمويل حل هذه المشكلات العالقة، على أن تكون هذه الجهات قطاعات عامة غير مصرفية لخلق حلول للصعوبات وليس خلق صعوبات ومشكلات جديدة، تكون شبيهة بكرة من العقد لا تعرف بدايتها من نهايتها.
وتضيف المصادر المصرفية بأن أحد هذه الحالات المقترحة، خلق شراكة بين المصرف العقاري – مثلاً- والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لكونها رابحة، لحل مشكلة القروض المتعثرة في منطقة ما تضررت من الإرهاب، عبر شراء هذه القروض على شكل سندات، تكون فيها الملكية أو جزء منها لمصلحة التأمينات، تبعاً لمقدار التزام المقترض وأقساطه التأمينية وراتبه التقاعدي المترتب عليها.
وعن ذريعة أن ما من مصرف تخصصي في العالم، بل هناك مصارف شاملة، كمنطلق لطرح فكرة المصرف الوطني، قالت المصادر المصرفية إن فكرة المصارف الشاملة برزت نتيجة الأزمة المالية العالمية والتي سببت انهيار الكثير من المصارف الصغيرة قبل أن تمتد للكبيرة منها، فكانت النتيجة جمع المصارف الصغيرة لتكون مشكلة كبيرة ككرة الثلج أطاحت بما تبقى من إمكانية لتفادي أسباب إفلاسها وانهيارها، وبالتالي فإن جمع بضعة مصارف سورية بمشكلاتها يعني خلق كتلة من المشكلات قادرة على سحق المصارف المندمجة مع بعضها البعض.
وحسب المصادر المصرفية فإن إيجاد كيان مصرفي على شكل مصرف وطني شامل يكون ممكناً في حال استقرار الأمور وإيجاد الحل لمشكلات كل مصرف على حدة، لأن الهدف الرئيسي لهذا المشروع هو فتح آفاق جديدة للعمل المصرف السوري، على حين أن الحظر المفروض عليه يقيد عمله الحالي، وبالتالي من الأنسب للمصارف السورية تسوية أوضاعها من حيث الديون والتعاملات مع الزبائن والسيولة ورأس المال قبل أن تفكر في الاندماج.

التعليقات