يومان من الجدل والمماحكات بين السوريين في مؤتمر الحوار الوطني الذي نظمته ودعت إليه وزارة الخارجية الإيرانية وشارك فيه الوزير شخصياً على مدار يومين وطوال الجلسات والحوارات الماراتونية والخلفيات المختلفة والمتباينة.. أسماء أحزاب سورية، وأمناء عامون وأمينات عامات وائتلافات وثنائيات حزبية ومستويات متباينة في الفكر والتفكير.. كان من الصعوبة بمكان حفظ أسماء الأحزاب كما كان من الصعوبة حفظ كافة أسماء أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي توالدت أحزاباً بلغت أكثر من عشرة أحزاب تشابكت أسماؤها وأهدافها كما تشابكت أسماء الأمناء العامين فيها على الرغم من الإعلام والأخبار والاجتماعات والصور والمهرجانات والخطب.. ومع أنني حاولت الحصول على بطاقات الأحزاب وبطاقات عدد من الأمناء العامين الجدد فإنني أعترف بصعوبة التمييز بينها وبينهم وبينهن والمفارقة العجيبة.. الغريبة.. أن عدداً من الأمناء العامين للأحزاب الجديدة كان كادراً من كوادر حزب البعث لكنه لسبب أو لآخر ارتأى تأليف حزب جديد وأطلق عليه اسماً جديداً لا يخلو من الإشارة إلى الشباب وتطلعاتهم المستقبلية.. تنقصهم جميعاً التجربة النضالية المُكلِفة والتي تحتاج إلى صقل سياسي، وإرادات أكثر صلابة، وفكر أكثر معاصرة، ورؤى أكثر وضوحاً. أحاول فيما أقول تجنّب الإساءة في فهم ما أرمي إليه، فاحترام الكل واجب وطني وأخلاقي وتربية بعثية في الأساس.. فالحزب أسس جبهة وطنية صارت في مفهوم الجميع أنها جبهة تتقاسم الأهداف وتلتقي عند مشتركات تصب في مصلحة سورية، لكنني أود القول إن الأحزاب الجديدة على عددها وعديدها تحتاج إلى إطار فكري واضح ومعلن أكثر مما هي عليه الآن، كما تحتاج إلى كوادر جديدة ليست من كوادر حزب البعث المتسربة أو المنقطعة عن الاجتماعات أو التي تخاذلت في مهمة أو في ظرف.. أو تثاءبت عند منعطف أو طمحت ولم تَنلْ.. أو تردّدت ولم تعزم أو تعتزم.. كوادر من الشباب الذين أهملهم أو تجاهلهم أو لم يستطع البعث الوصول إليهم أو معالجة مشكلاتهم علّ الأحزاب الجديدة تلبي طموحاتهم وتطلعاتهم وتسلط الضوء على دورهم في صناعة مستقبل سورية الديمقراطي الواسع الطيف والأهداف. في مؤتمر طهران انصهر الجميع في قاعة فندق الاستقلال.. لعل في اسم الفندق للأحزاب الجديدة المعارضة التي شاركت نصيب.. الاستقلال بالتوجه والقرار وأسلوب النضال في إطار الحفاظ على الاستقلال الأكبر والأهم لسورية وشعبها. شيء من التوافقات على القواسم الوطنية المشتركة تحقّقت بالحوار.. والدليل.. والحجة.. والبرهان فكانت شخصية معارضة من مثل السيد فاتح جاموس شخصية ديمقراطية متفهمة بكل المقاييس الأمر الذي مكّن الرجل من احترامه وتقدير فكره وتجربته النضالية والسياسية معاً. قد يسيء إطرائي كبعثي للرجل.. وقد يتهّمه أصدقاؤه ومناصروه بما لا أدري من اتهامات لكنني أردت تسجيل ظاهرة من ظواهر مؤتمر طهران، فقد سعى الرجل ومن معه من فرقاء سياسيين على التركيز والتأكيد على القواسم الوطنية وإعلانها واتفقنا معه على ترك المسائل الخلافية إلى ما بعد المؤتمر أو إلى ما بعد الأزمة.. تلا الرجل البيان، وفي المساء شاهدته يدلي بتصريح للتلفزيون السوري وفي هذا ديمقراطية للإعلام لم تواكب ديمقراطية الحوار في المؤتمر.. وللمصادفة أو بالتخطيط لا أدري فقد تجاهل التلفزيون السوري وخاصة القناة الإخبارية كل من شارك من "الموالاة" وتركزّت تغطيتُها على المعارضة في مبالغة لا مبرر لها ولاهي مطلوبة قياساً على أهمية الرأي والرأي الآخر فاهتمّت القناة بالرأي الآخر.. دون الرأي.. ويبدو أن فريق القناة الإخبارية افتقد إلى التوجيه السياسي فاجتهد ولم يصب كما يجب. فريق مجلس الشعب المشارك في المؤتمر ضمّ شخصيات تجاوزت انتماءاتها الحزبية لتمثل الشعب السوري بتنوعه وشرائحه وانتماءات محازبيهم السياسية فكان الفريق بحق فريق عمل شعبي متماسك وموحّد انطلاقاً من مقولة إن أي عضو في مجلس الشعب يمثل الشعب.. وإن الفريق المتعدد الانتماءات تحوّل إلى فريق لا بل ورشة عمل دفاعاً عن مصلحة الشعب.. كل الشعب.. أبرز ما في نتائج المؤتمر ليس البيان الختامي على أهميته وهو حصيلة هامة لمؤتمر الحوار تؤسس أرضية صلبة لمؤتمرات الحوار القادمة وبخاصة مؤتمر حوار دمشق الذي من المفترض أن يطلق عملية سياسية يقودها السوريون بأنفسهم - كما نصّ البيان- دون تدخل خارجي تحت أي شعار أو أي هدف.. الأبرز هو هذه الصداقات.. وتلك العلاقات البينية التي نشأت وتعمّقت بين المؤتمرين من مختلف الاتجاهات السياسية وهذا يعني ويؤكد أن الحوار المسؤول والحقيقي يؤسس لمستقبل سورية على وجه حضاري وإنساني في آن.. شكراً لإيران شعباً وحكومة، وشكراً للسيد وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي على رعايته المؤتمر وعلى اتساع صدره وانفتاح عقله والأهم دبلوماسيته الرائعة والأنيقة في آن.. وشكراً للأصدقاء الجدد سواء كانوا من المعارضة الوطنية المخلصة للوطن أم من المستقلين الشرفاء.. د. فايز الصايغ   سيريا ديلي نيوز.

التعليقات


دعد قنوع
حقا فاتح جاموس ظاهرة متجددة تعكس أزمة الواقع السوري بكل التفاصي وبدقة وموضوعية..تحية للكاتب ذو الحدس الذي لا يجوز القفز فوقه..