تكفي إشارة الرئيس الروسي فلاديمر بوتين عن دور الغرب في نشر الفوضى لفتح الباب أمام متغيرات كبرى، وتلاقيها على المقلب الآخر التسمية الصريحة من قبل وزير خارجية تشيكيا لقطر والسعودية في دعم الإرهاب حين تميط اللثام عما كان مسكوتاً عنه على مدى الأشهر الأخيرة، وبعضه على مدى سنوات طويلة. فيما الضفة الأخرى تشهد تقاذفاً في المسؤوليات وتسابقاً في تسجيل نقاط الابتعاد والاختلاف، فإن تكثيف التفاصيل يمهد إلى افتراق واضح في المقاربات التي كانت نسخاً مطابقاً لأمر العمليات الأميركي وتنفيذاً حرفياً، وما نراه تغريد خارج السرب وعشوائية في السيمفونية التي اعتدناها على نسق واحد ومرجعية واحدة، مما يشي بتبعثر يقود للتشظي!!‏‏ وإذا كان من المبكر الحكم على النتائج والتداعيات، فإنه من غير الجائز التأخر في البناء على ذلك استباقاً لمحاولات واضحة باقتناص الفرصة لتمييع المشهد وإعادة خلط الأوراق، وإحداث التشابك الخاطئ بين أطراف المعادلة على قاعدة الابتعاد أو الانتظار لما ستؤول إليه تلك المقاربات بأشكالها المختلفة.‏‏ محاولة الغرب خلق الفوضى ليس إفشاءً لسر متداول ومعروف، بقدر ما هو توصيف وضع، ليس بمقدور أحد المجادلة فيه، وبات من المُلح وضع الإصبع على الجرح النازف، ودور قطر والسعودية في تمويل الإرهاب وتسليح الإرهابيين في سورية لم يعد تخمينات ولا استنتاجات بقدر ما هو معطيات وأدلة وقرائن، ومهمة تركيا في احتضان الإرهاب ورعايته لم تعد خافية ولا هي خلف الكواليس.. فيما ملامح الابتعاد في حسابات المصالح وتموضع الأدوار بين الغرب الداعم والمخطط والموجه وبين الأدوات المنفذة والممولة والحاضنة للإرهاب تبدو أكثر وضوحاً فيما التعابير الغربية التي اعتادت الشطط والمبالغة والتهويل تتخلى عن بعض غلوائها وصلفها.‏‏ اليوم كل هذا يجري تحت الضوء.. وتعبر عنه مواقف مسؤولة لدول وازنة وأساسية في المشهد الدولي ويتم في زحمة المواقف والمنابر التي أفسحتها الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة، وفي حضور مؤثر للقاءات الجانبية والهامشية أو الموازية، وما يضاف إليه ما تشهده كواليس المنظمة الدولية من اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية وجماعية للكتل الإقليمية والدولية ومن تنسيق لتحالفات قائمة أو مستجدة في ضوء المتغيرات التي تعصف بالمشهد الدولي كما عصفت التطورات بالمواقع والأدوار في المنطقة.‏‏ قائمة المسكوت عنه تطول، والمسكوت عليه تبدو أطول بكثير، وإن المتسترين على الاثنين ما زالوا في مواقعهم وأدوارهم وأمكنتهم ليبقى المسكوت عنه مخفياً، والمتستر عليه مستتراً؟!!‏‏ لا نعتقد أن أحداً في العالم لا يدرك خصوصية المشهد الدولي وتوازناته وحساباته التي تزداد فجاجة.. لكن وبالقدر ذاته لم يعد مسموحاً ولا منطقياً استمرار المفارقة الناتجة عن ذلك المسكوت عنه وعليه داخل الغرف المغلقة وحتى خارجها.‏‏ ما يجري اليوم توثيق لذلك المسكوت عنه، وتوضيح للمسكوت عنه وهو ليس سوى البداية.. وما فاض من أحاديث وانطباعات ومداولات قد لا يكفي للتأسيس لتغيير في المقاربات الأساسية.. لكن مع المتغيرات ومناخ التبدل فإن ما أخفته السنوات العجاف في النظام العالمي بقطبيته الأحادية، تظهره نيات وإرادات التوجه نحو نظام عالمي متعدد، وما أملته الهيمنة على مدى عقود خلت سيفضح المتسترين عليه.‏‏ فهل ملامح الافتراق بين الغرب بمواقفه المتراجعة، وعدم تغطيته لمواقف أدواته.. هو المقدمة لسياسة النأي عن العواقب والابتعاد عن تحمل المسؤوليات والنتائج؟!‏‏ هنا لن نستعجل الإجابة.. ولن نبني على الاستنتاج.. لكن لن نتردد في المتابعة.. ولا في الدفع بالمواقف لتكون أكثر وضوحاً.. والأهم في الملاحقة السياسية والقانونية والأخلاقية والإجرائية.. وهذا دورنا.. ولم نعتد التراخي أو التقاعس, خصوصاً حين يكون ملحاً ومفصلياً على نحو ما تشهده مواجهة اليوم ومناخ الحروب الكونية المشتعلة!! سيريا ديلي نيوز - الثورة

التعليقات