لم يفشل كوفي عنان في مهمته التي كلف بها لقصور في أدائه أو عدم تمتعه بالحنكة السياسية والخبرة في الملفات الشائكة, بل ربما كانت مواصفاته تلك هي التي جعلته يتخلى عن المهمة لإدراكه أن اللعبة أكبر بكثير مما كان يتصور, وأن ما خفي منها هو أعظم مما هو معلن,
وهنا ومن هذه النقطة بالذات تبدأ خطوات النجاح للإبراهيمي، أي إن معرفته بمن هو ممسك أو متحكم بخيوط اللعبة وخطوط سيرها, وهو ما يوجب على كل القوى المعنية والمنخرطة بالأزمة اتخاذ مواقف عملية واضحة تسهم في نجاح مهمته, فلا يكتفى بالإشادة بكفاءته السياسية وخبرته الدبلوماسية والدعاء له بالتوفيق والنجاح فهذا شيء وواقع الحال شيء آخر, فالأزمة في سورية تجاوزت مرحلة التوصيف والتكييف, ولم يعد حلها لغزاً أو رجماً في الغيب, وإنما قضية تحتاج إلى إرادة صادقة ونيات حسنة تتبعها أفعال تجد مرتسماًتها على الأرض وعنوانها الأول: وقف العنف بكل أشكاله ومظاهره وهذا مرتبط بتجفيف منابعه ومصادره وهي بالتأكيد ذات أشكال تتوزع بين مال وعتاد وتحريض إعلامي وتحشيد مذهبي وطائفي وديني, تتولاها دول وتنظيمات وقوى عابرة للدول والأقاليم، وتدير البعض منها شبكات متخصصة في العنف والإرهاب وتجارة السلاح وتمويل الإرهاب وغيره من أشكال اقتصاد الحروب والنزاعات الداخلية.
إن حل الأزمة في سورية كثير الشبه بعملية هندسية معقدة يحتاج كل مقطع فيها إلى جهد وتركيز خاص وعمل على أكثر من جبهة يوصل بالنتيجة الى مشهد كلي متكامل, ولعل السبب الرئيس الذي يكمن خلف ذلك هو ما أشرنا إليه سابقاً، أي تعدد أوجه الأزمة وكثرة القوى الداخلة على خطوطها والمؤثرة في إحداثياتها على جميع الصعد الداخلية والإقليمية والدولية. فهي أكبر من أزمة سورية وربما كانت أخطر أزمة تواجه العالم منذ نهاية الحرب الباردة, هذه الطبيعة المركبة للأزمة يمكنها أن تكون ورقة ضغط يستخدمها الإبراهيمي بمواجهة القوى الإقليمية والدولية لتعدل في مواقفها بشكل حقيقي وتضغط على اللاعبين المحليين بمنع المال والسلاح عنهم ما يساهم في تخفيف دوامة العنف بداية ومن ثم الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني.
إن عملاً وجهداً يبذلان على التوازي مع كل الأطراف وتقوم به أكثر من جهة إلى جانب فريق عمل يمكن للإبراهيمي أن يستعين به يشكلان قاعدة صالحة لعمل ناجح له خلاصاته العملية على الأرض, وهذا يحتاج أولاً إلى عملية جس نبض للأطراف كلها للوقوف على حقيقة مواقفها وحسن نياتها, وهو ما يعود تقديره للممثل الأممي, ولعل خبرته ودرايته وتمرسه في الملفات الشائكة تجعله قادرٌ على تحديد فرص النجاح أو الإخفاق وبالتالي حسم خياراته باتجاه الاستمرار في مهمته أو التوقف في بداية الطريق, حتى لا تتحول الأزمة في سورية إلى تمرين سياسي لدبلوماسيين لهم خبرتهم وتجربتهم وقاماتهم السياسية التي لا تسمح لهم بالتفريط بها في أزمة داخلية اختطفت ووظفت لتكون غطاء لصراع مشاريع إقليمية ودولية في لعبة الأمم.
سيرياديلي نيوز - د.خلف علي المفتاح-إضاءات
2012-09-18 14:58:40
صديق الليل