مشكور المبعوث الدولي أن مشاعره تجاه السوريين هي التي تدفعه لقبول مهمته كوسيط دولي في الأزمة السورية، ولم يكن بحاجة لأن يقرن مشاعره الطيبة تلك بالكثير من اليأس، لأن المهمة شبه مستحيلة! هناك من سيقدم له هذا اليأس دون أن يتفضل هو فيشعرنا بأنه خطوة إلى الوراء وخطوة إلى الأمام. سبق لهم أن وضعوا المبعوث الذي سبقه «كوفي أنان» أمام الاستحالة النسبية شبه الكلية، فأعطوا له نسبة نجاح محتمل 3%. إلى الآن لم تكتشف مراكز البحث العلمي سر تلك النسبة؟! حصل ذلك على الرغم من أن «أنان» بدأ مهمته بكثير من النشاط والتفاؤل.‏‏ يعرف الإبراهيمي أكثر مما يعلن، هو محق في تقديره لصعوبة المهمة التي جعلها تقرب من الاستحالة، وما لم يعلنه، لنفسه على الأقل، فالمهمة مستحيلة وليست شبه مستحيلة.‏‏ بقدر ما تبدو مهمة بدء وضع حل للأزمة في سورية صعبة، بقدر ما يخفي تعميم ذلك كحقيقة مطلقة من مكائد. صعوبة الحل إلى درجة الاستحالة، ليست بسبب السوريين ومواقفهم، بل هي أولاً بسبب المتدخلين في الشأن السوري، ووصايات الكثير منهم. إنه الانتقال بالمسألة من حالة العمل الوطني إلى حالة اللعبة الدولية.‏‏ الكثيرون من السوريين في المعارضة اليوم يريدون الحوار للخروج من المأزق، على قاعدة وقف العنف، وهناك من يرفض ذلك متمترساً خلف القوة العسكرية والتدخل الخارجي ل«إسقاط النظام» وهم بشكل عام التيارات الإسلامية من إخوان ومتطرفين وإرهابيين قادمين من الخارج، وإن استخدموا واجهات نخبوية. على هؤلاء تحديداً يجري الرهان الدولي والإقليمي والعربي غالباً، وبالتالي هو رهان على البندقية التي يمكن تسميتها البندقية الإسلامية.‏‏ أن يهجر الغرب كل المعارضات المستعدة للحوار والراغبة بالحل السياسي السلمي بحثاً عن الديمقراطية التعددية، ويراهن على البندقة الإسلامية! هو بصراحة أمر يخفي وراءه الكثير، وأكثر مما قيل وأعلن، بما في ذلك تخريب سورية وأولوية أمن إسرائيل.‏‏ الإبراهيمي يعرف جيداً هذه الحقيقة، ويعرف الترحيب الغربي والتركي والخليجي البارد الذي تلاقيه مهمته منذ البداية وربما قبل أن تبدأ.‏‏ وبالتقدير المنطقي نتوقع أن تضع الحكومة السورية المبعوث الدولي بحالة حرج في تسامحها واستعدادها للحل السياسي، عندها يكون أمام الإبراهيمي، إما أن يطالب القوى الأخرى بمواقف مقاربة تصل بأطراف الأزمة للقاء منتصف الطريق، وإما أن يعلن صراحة من الذي أعاق مهمته؟!‏‏ هذا إذا كان ما زال يشغله – ونحن مقتنعون بذلك – مصير الدم السوري.‏‏ من يقوم بمهمة الوساطة بين أطراف متنازعة في أزمة عويصة كما هي الأزمة في سورية، يجب أن يتمتع بالإرادة الجبارة، والوضوح في الرؤية، والعلاقات الطيبة أو المقبولة على الأقل مع كل الأطراف. إن كان ذلك صحيحاً فإن روسيا هي الوسيط الأفضل ، ونتمنى كل التوفيق للسيد الإبراهيمي في مهمته، وهي بالأصل قضيتنا.‏‏ سيريا ديلي نيوز - الثورة

التعليقات