أصيح بالخليج: يا خليج /ياواهب اللؤلؤ والمحار.. والردى/ فيرجع الصدى كأنه النشيج...
تلك هي صرخة الفكر العربي النهضوي، بتجلياته واستشرافاته منذ أكثر من نصف قرن لما سيؤول إليه تحالف البترودولار والرجعية العربية ضد منجزات حركة الاستقلال، والفكر النهضوي العربي.
ولم تكن هذه المنجزات بعيدة عن حركة التحرر الوطني الخليجية بتياراتها المعروفة، ورجالاتها الوطنيين والعروبيين الذين لايزالون الى الآن يخوضون صراعاً مريراً ضد أنظمته الأوليغارشية والثيوقراطية.ضد سياسة السيف أو الذهب بأبشع صورها التقليدية والموروثة من عهود الانحطاط.
لكن هذه الأنظمة اليوم تتمدّد وتتورم وتهرم وهي تعيث فساداً ودماراً محلياً وإقليمياً وعربياً وإسلامياً، وباستقوائها بالإدارة الأمريكية تؤدي دوراً قاتلاً يقوم على الاستبداد والإقصاء ومصادرة الوعي، واستدعاء الأجنبي بصيغته الاستعمارية القديمة لترسم ملامح واقع عربي قاتم، ومستقبل مؤلم يضمر بذور الشر والانحطاط، ولاسيما أن بعض الحكومات العربية الجديدة بدأت تئن تحت وطأة هذه الأنظمة.
والآن يقوم الخليج الجيوسياسي بسرقة وتحوير وتدمير نزوع الأجيال العربية نحو التحوّل الديمقراطي الحداثوي المشروع، وذلك بانقضاضه السريع والفتّاك على ماحققه العقل والفكر والتنظيم السياسي العربي الحديث بتياراته الدينية والقومية والليبرالية واليسارية، يساعده المال السياسي، والمراكز الاستخباراتية الغربية، وبعض اللاوطنيين الجاهزين للارتزاق والخيانة والذين رأى بعضهم في حواضر الغرب وفي الوهابيّة وقطر وتركيا واحةً للديمقراطية والتقدم والتحرر.
فمن منا جميعاً لايعرف حقيقة كذبة العصر في أن مايسمى «الربيع العربي» هو نتاج رعاية سفاح المصالح الاستعمارية القديمة «العثمانية» والجديدة «الغرب» والرجعية ومرتزقة الداخل الذين استرخصوا الشرف والانتماء والقيم؟! ومن منّا لايعرف أن هذا هو «ربيع الخراب والآتي أعظم» الذي لايمكن أن يجد له مكاناً لائقاً أبداً في الحياة السياسية والأدبية والفكرية والفنية العربية المعاصرة، لأنه نتاج نفاق وعمالة وتكفير وقتل على الهوية؟! وسينجلي عن قريب أثر التيارات الوصولية والانتهازية والأصولية فيه، والمدفوعة بمركزية استخباراتية غربية معلنة، وبمال سياسي قذر تحدّث عنه بالأمس الرئيس اليمني السابق، وتعرف خفاياه كل القوى السياسية في المنطقة والعالم.
وبالمقابل فلن تكون الأحزاب والمنظمات الوطنية والعربية بمنأى عن الاعتراف بقصور العامل الذاتي، ولن تغفر لها مفاجأتها بعجز المجتمع السياسي العربي عن التعامل مع هكذا مشهد، وعن خسارة كبرى سيصعب تعويضها ونحن نرى نخباً وجماهير تتوافد وتتداعى نحو أحابيل هذا التحالف -كذبة العصر الكبرى. إن هذا مؤلم حقاً، وسيكون مثار نقد ومراجعة ومحاسبة مستقبلاً. فكيف تمكّن التحالف الخليجي الغربي من تجييش مشهد احتجاجي عربي لا ينكر حضوره واتساعه وقوته؟!
وإنها لمهمة عسيرة وشاقة، بل دامية تلك التي ستُلقى على عاتق القوى والتيارات الوطنية والقومية، وهي تواجه الآثار التي خلّفتها الوهابية والعثمانية والحَمديّة القذرة في المجتمعات العربية، وفي الدولة العربية التي يعمل ربيع الخراب على إنتاجها. إنها خسائر فادحة تلك التي سيدفعها الشعب العربي مجدداً، وهي لا شك أكبر مما دُفِع في معارك الاستقلال العربي في القرن الماضي.
وهؤلاء الذين خلّفوا الدمار والتفتّت وضرب العيش المشترك والوفاق الوطني والهوية، وشوّهوا الحقائق لن يتمكنوا أبداً من إعادة تشكيل الواقع العربي شعبياً ولا رسميّاً، لأنه صار من الواضح أن ما أنجزوه في هذا السياق هو هدم لمفهوم وبناء الدولة العربية الحديثة التي تحقق بعضها جرّاء معطيات النهضة العربية المعروفة. وأن الانتخابات المزعومة في بعض البلدان لم تقم في أسبابها ونتائجها إلا برعاية مالية خليجية، وسياسية غربية. فشعبنا العربي يدرك حجم التزوير والتدخل فيها، ويدرك أنها ستسفر -كما يرمي التحالف الخليجي الغربي- عن أنظمة ستصادر الوعي والانتماء لتتجه مجدداً نحو التبعية والاستبداد والابتزاز.
والمشكلة الكبرى اليوم أن المال والإعلام الخليجي الذي خرس أيام توهجّ الحركة الوطنية العربية، قادر اليوم على التأثير الشعبي والرسمي، وأن يتجاوز الحدود المحلية والإقليمية ليتوجّه عابراً الحدود نحو الجهادية العالمية، ولينتج أصولية سياسية تدعمها عواصم الغرب، فيبعد أذاها عن الداخل الذي يغلي ويُقمع بضراوة ليصدّرها شروراً الى الشرق لتدمّره، والى الغرب القادر على توظيفها.
إنه المال السياسي الخليجي العابر، والمدّمر، والموظّف امبريالياً ضد العروبة والإسلام، والذي سيجعل أجيال اليوم والمستقبل تفتقد الأمان والاستقرار، ومعهما جماليات الحياة، ومطلع النص الشعري الذي افتتح السيّاب قصيدته: عيناك غابتا نخيل ساعة السحر / أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر. وإنها لمناشدة للمفكرين والسياسيين العرب، وللأحزاب والمنظمات كي لايُترك الخليج يحترق... ويحرق.
سيريا ديلي نيوز - البعث
2012-09-06 17:03:31