لم ينتهِ حصاد الكذب.. وفي بعضه لم يبدأ حتى الآن.. مانراه وما نشاهده ليس سوى عينات متواضعة من ارتدادات ترتسم على الجدران الخارجية التي تهتز بفعل التموجات العميقة الناتجة عن التأزم الداخلي بعد الصدمات المتتالية في السياسة والإعلام وعلى الأرض. من التهديد التركي لميليشياته بوقف الدعم إذا ما استمرت بنشر صور جرائمها!! إلى الوعيد الفرنسي بقطع اتصالاتها مع المرتزقة مروراً بحالة التأفف من ممارسات الإرهابيين التي تبديها باستحياء المنظمات الدولية. ينفرط العقد المحكم بين أطراف وقوى ومرتزقة وأجراء.‏ والانفراط.. ورغم أنه ليس الأول، لم يصل لمرحلة التحول النوعي، لكنه بالتأكيد يؤسس لترجمة حالة التشرذم على المستويات المختلفة والتي برزت بشكلها الواضح في الاحتجاجات داخل المخيمات التركية والأردنية، والتي تنذر باتساعها، وقد تكون أيضاً في تحييد غير معلن لمجلس اسطنبول مقابل تقوية صلات الأطراف الخارجية عربياً واقليمياً ودولياً مع الإرهابيين وتنظيماتهم مباشرة.‏ ندرك أن اليد الداعمة لأولئك لم تسحب غطاءها ولا تبنيها لخطابهم ودورهم ووظيفتهم، لكنها تمهد بالتأكيد للأمر في نهاية المطاف، بعد أن استخدمتهم حتى استنزفت آخر ما فيهم من دور عمالة وتآمر وبات أغلبهم عوامل ضاغطة وحوامل عبء، لم يعد من المفيد الاستمرار في تحمل تبعاتها بعد أن ثبت انتهاء فعاليتها.‏ على الضفة الأخرى، كانت نتائج البيدر تخالف حسابات الحقل إلى حد التناقض، وفيما كان المنهزمون سياسياً يراهنون على ورقتهم الأخيرة في استنفار المرتزقة والإرهابيين، جاءتهم الصدمة في حلب وسواها، لتعيد خلط الأوراق التالف منها والمحترق مع ما كانت تختزنه احتياطياً للشدائد.‏ في الشدائد، يفتح الباب على مصراعيه أمام احتشاد الأدوات العربية والاقليمية ومحرّكيها الغربيين للغوص إلى القاع الآسن بحثاً عن النتف المتبقية، حتى لو كانت نثرات من الأوراق المحترقة.‏ ووقت الشدة يدفع على الأغلب إلى المغامرات والمقامرات غير المحسوبة، ويصبح الاستبدال والتجريب والارتجال العنوان السائد لكل الخيارات المطروحة، فبعضها يسترجع ما ثبت بطلانه، وآخر يستعيد ما تأكد فشله، وثالث يستنجد بما عجز عن الاستنجاد به في وقت الرخاء، فكيف هو الحال في الأزمات؟!‏ ما طفا على السطح يؤكد أن حصاد الكذب في بدايته، لكن ما يموج في الأعماق ينذر بزلازل قادمة واهتزازات لن تقتصر على من مارس الكـذب وساق فيه، بل أيضاً ستطول من استخدمه ووظّفه.. من ارتضى أن يستقوي بالكَذَبةِ والمفترين والوصوليين والأجراء ومن موّلهم وقد خَبِرهم ومن استمر في توظيفهم وقد كشفهم.. من رَهَنَ عرشه، ومن قامر بمستقبله السياسي وعلاقات جواره ليكون جسراً لأولئك.. وأداة طيّعة بيد من شغّلهم!!‏ من الطبيعي أن يكون حصاد الكذب مراً.. لكنه في بداياته الأولى.. لم تختمر لسعاته ولم تكتمل حلقاته بعد.. وما يحاولونه لتخفيف مرارته اليوم لا يصلح للغد.. وما تمكنوا من مداراته في الماضي، سيعجزون عنه في المستقبل، وما اختبروه من مضاعفات لايزال متواضعاً.. والآتي سيكون المعيار.. والمسألة مسألة وقت فقط!!‏ في العواقب الوخيمة، أن حرق المراكب الذي استسهلوه، بات عسيراً في زمن البحث عن طوق نجاة، وما باعوه في زمن الرخاء، لن يجدوه وقت الحاجة.. وما بالغوا في دفعه، لن يستردوه بالتقسيط، وما عملوه حفاظاً على عروشهم سيكون عامل التهديد الأول.. ومن قامر بجواره وعلاقاته، عليه تحمّل تبعاتها!!.‏ لم يحن زمن الحساب.. هذا صحيح.. لكن عندما يبدأ حصاد الكذب بالظهور تباعاً، فإنه يؤذن لذلك الزمن.. وحينها، للحديث سمة أخرى.. وللتفاصيل موضع آخر، وللأسئلة المتراكمة وتفرعاتها إجابات منتظرة وتفصيلية!!‏ سيريا ديلي نيوز - صحيفة الثورة بقلم: علي قــاسم

التعليقات