هل التسامح والاعتدال نقيض مشروع الإصلاح الوطني في سورية ونقيض دعوة قيادتها السياسية إلى الحوار؟ وهل هذا ينسجم مع الضغط الرسمي العربي على هذه القيادة التي تسيّر أمور البلاد والعباد بما في ذلك من رواتب وأجور وخدمات اجتماعية... وهل تغذية رفض الحوار الداخلي، والإقرار بدعم مجموعات المعارضة المسلحة، والدفع بالتنظيمات الجهادية العالمية لارتكاب الجرائم في سورية بعيدةً عن أعمال القمة الإسلامية، وسائر اجتماعات النظام الرسمي العربي؟.. ونحن اليوم أمام اعترافات الإعلام الخليجي والغربي بتدفق الجهاديين والتكفيريين من سائر الأمصار إلى سورية اليوم، وبالصدام بين مجموعاتها ومجموعات المعارضة الإرهابية المسلحة.
إنها قمة سلطان سياسي متطرف وليست قمة إسلام وسطي متسامح ومعتدل.
ولذلك يتساءل المرء بمرارة كيف ستقرأ الأجيال العربية تاريخها المعاصر، وهل سيكون أمام الطلاب والباحثين مؤلفات ومؤلفين ومؤسسات صادقة وموضوعية علمياً وتاريخياً وواقعياً؟ وكذلك الحال في المؤسسات الأكاديمية والمعرفية في الشرق والغرب التي تُعنى بتاريخنا وواقعنا.
لا شك في أن وسائل الإعلام التحريضي الرخيصة، والتي تعمل على تزوير الحقائق بدعم مركزي غربي استعماري، ورجعي عربي ستكون من أهم المصادر التي ستضع الحقائق مشوّهة ومسيّسة، وهذا مما مزّق وسيمزّق الوعي والشعور الجمعي العربي والإسلامي، ويفتت الوحدة والتاريخ والمصير، ولاسيما أن المشروع القومي صار هباء منثوراً، وبدأ يتقدم مكانه الإسلام السياسي المدعوم نفطياً وأطلسياً.
أمام هذا الواقع يخفت الآن الصوت العربي والإسلامي الحر، ويضعف نشاط القوى الوطنية والعربية والإسلامية التقدمية. يضعف صوت الشارع العربي والمثقف العروبي واليساري والليبرالي تجاه هذا المد الكاسح لمشيخات البترودولار التي خرست لفترة طويلة حقق خلالها الوعي القومي منجزات ساطعة في تاريخنا المعاصر، ولاسيما في فترات نضال حركات الاستقلال والتحرر الوطني العربية ضد الرجعية والاستعمار الغربي.
هذا الضعف والخفوت مرحلي وسنلحظ ولا شك في وقت قريب حراكاً فكرياً وشعبياً مندّداً بالمنجز الرجعي الأطلسي، ولاسيما أن القوى الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في بعض البلدان العربية تجابه مجدداً ضغطاً جهادياً إسلامياً مقلقاً يجدّد التذرّر والصدام المجتمعي والسياسي والأخلاقي والديني في كل يوم وفي بقاع عديدة من مشرق الأمة ومغربها، ما سيجعل الاستقرار والديمقراطية وهماً يقض المضاجع باستمرار.
نحن اليوم أمام فصل جديد من مجالس آل سعود ومؤتمر مشيخات البترودولار في قمة إسلامية مخيّبة، ليس لسماحة الإسلام واعتداله مكانة فيها، إنه مؤتمر سلطات سياسية بامتياز كان الدين فيها مطيّة رخيصة. قمة تطرف حقيقية لا وسطية فيها ولا حوار ولا قبول للآخر، أُعدّت مسبقاً وفق تمدّد، بل طغيان وهابي معاصر سرعان ما ستلفظه وتندّد به القوى والتيارات الوطنية والإسلامية الحقيقية الملتزمة بمصالح الشعوب العربية والإسلامية، هذه المصالح التي يقوّضها الآن تحالف الرجعية العربية والإسلامية مع الغرب الاستعماري والأيدي الصهيونية الخفيّة والظاهرة بقوة في المرجعيات وفي الخلفية وعلى السطح. فما هي الضربة المسددة بقوة في هذه القمة إلى المشروع الصهيوني؟ أما الضربة الواضحة والتي أصابت مقتلاً من المشروع العربي المقاوم فهي حاضرة وواضحة الأثر.
في مواسم الكذب التي يرتادها بإقبال اليوم عدد كبير من الفعاليات الرسمية العربية والإسلامية لا يُنسى أثر التسويق الغربي الصهيوني الناجح والمفضوح، فمَن مِن هؤلاء وغيرهم يستطيع أن ينكر أن مؤتمرات "أصدقاء الشعب السوري" نهضت على أكتاف القوى الحقيقية الداعمة للمشروع الصهيوني من الغرب والرجعية والمعارضة الخارجية التي لا تملك إلا رعاية الارتزاق والتمويل والفنادق والمطارات الراقية وتتاجر بالدم، وتفتقد الشعور بالحاجة إلى الدولة الوطنية المستقلة، وإلى منجزات الحداثة والعقل المعاصر لأنها أسيرة مسبقاً؟!..
في هذه المواسم من لا يعرف أن حكام السعودية وقطر وتركيا يكذبون على أنفسهم وعلى شعوبهم، وعلى المغرّر بهم من أبناء شعبنا وأمتنا ليكونوا وقود فتنة في عدة بلدان عربية وإسلامية، حيث يندر أن نجد في عالم اليوم بؤرة توتر لا دعم لهم فيها، فتُشوَّه رسالة الإسلام، ويحلُّ الدم والجهاد والتكفير مكان الوسطية والاعتدال والتسامح والحوار، فمن أين يأتي دعم الجماعات المقاتلة في أرجاء العالم، وفي سورية اليوم؟.
لقد غاب عن هذه القمة ما تحتاجه بإلحاح الأمتان العربية والإسلامية من معالجة صريحة وواضحة لإشكالات عديدة حاضرة وخطرة معروفة، وبرز فيها ما خلُصت إليه من ضرر ومنعكسات سلبية ستتضح أكثر فيما بعد. وعلى الخُلَّص عرباً ومسلمين أن ينهضوا لتدارك آثار برنار ليفي وأوغلو وحمد وآل سعود.
2012-08-16 18:35:57