اعتبر البعض دمج بعض المصارف الحكومية، مجرد فكرة تُطرح، وهناك بالمقابل من يراه مشروعاً بنيوياً يشقّ طريقه للعبور وسط ضجيج الأزمات المالية العالمية التي تعصف بالبنوك الكبرى، وهي خطوة حسب مراقبين وخبراء لها أوجه عدة من السلبية والإيجابية كون الدمج بالوضع الحالي دون إحداث إعادة هيكلة جديدة تحدّد فيه المسؤوليات والصلاحيات، سيكون دمجاً شكلياً لمشكلات المؤسسات دون مضمون، وإيجاد مشكلة أكبر وأكثر تعقيداً في ظل الوضع الاقتصادي والمالي المنهك، ليسود الكوادر المصرفية الريبة والخوف من الإقدام على هذه الخطوة غير معروفة النتائج والتبعات وتأثيرها لاحقاً على مسير العمل المصرفي بكل اتجاهاته وأبعاده.

مديرُ قسم إدارة المخاطر التشغيلية في أحد البنوك العامة أكد وجود دراسة لمشروع يعدّ ضمن الأروقة لإعادة هيكلة المصارف العامة ودمجها ببعضها، وخاصة ذات الوظائف والخدمات المتشابهة، ومنها خطة دمج مصرفي التسليف الشعبي والتوفير بمصرف واحد، ومصرفي العقاري والصناعي بكيان آخر، لكن حسب قوله فإن المشروع ما زال مجرد طرح إلى الآن، وليس بجديد، بل هو بالمناقشة والدراسة منذ سنوات، وأن هذا الدمج إن حدث فهو سيحرك من فعالية المصارف ويوحّد رؤيتها وسيولتها على عكس ما يعتقده البعض.

ليس بالسهل..!

بدوره اعتبر الخبير الاقتصادي عامر شهدا  أن اتخاذ قرار الدمج المصرفي ليس بالسهل، فهو ينطوي على مخاطر كبيرة محفوفة بالصعوبات والتحديات كون العملية يلزمها الخبرات المصرفية عالية المستوى في التشغيل وإدارة أموال المودعين، لأن الدمج هذا قد يؤدي إلى نشوء مصارف كبيره تحتكر القطاع المصرفي في ظل منظومة مصرفية تخلو من قوانين حمائية للمنافسة أو مانعة للاحتكار، ووفق –رأيه- هو قرار يتمّ اللجوء إليه في حال تعرض أحد البنوك لمشكلات مالية ذات أثر جوهري في مركزه المالي، كما أنه يأتي لإخفاء أخطاء حدثت في الخطط والسياسات المصرفية أو المالية التي تسبّبت بأزمة مالية اقتصادية ودفعت باتجاه خيار الدمج هذا.

وأوضح شهدا أن الدمج غير المدروس سيؤدي لا محالة إلى منع محاسبة من تسبّب بالضرر نتيجة سوء الإدارة المصرفية، لذلك يجب أن يكون هناك محاسبة لمن أخطأ، وذلك بسبب الوقع الأكبر الذي تحدثه عملية الدمج على الرأي العام، ومن زاوية أخرى قد يأتي الدمج مخففاً من وطأة الأزمات على المصارف، أي بمثابة إنقاذ للقطاع المصرفي بما يحفظ حقوق المودعين،على أن تفضي عملية الدمج لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتقليص حجمه تمهيداً لتمكينه من الخروج من الأزمة التي استوجبت دمجه، وفي بعض الأحيان يأتي الدمج -والكلام للخبير شهدا- بهدف تقليص التكاليف، على أن يكون هناك خطط معدودة تضمن زيادة حجم الإنتاج وتسرع من وتيرة العمل، على الرغم من أن هذه الخطط غير موجودة إلى الآن لدينا.

وتساءل شهدا: هل هناك أزمات تعاني منها مصارف القطاع العام؟ وما هي نوعية الأزمات؟ وبالتالي هل ستتضمن خيارات الدمج، إن حصلت بالفعل، منح المودعين أسهماً في المصارف مقابل المساهمة في أعباء الدمج على أن يستردوا مساهماتهم كأرباح عند استقامة وضع المصرف أو كوديعة بعد فترة من الزمن؟

ودعا شهدا الحكومة والمصرف المركزي قبل القيام بالدمج العمل إلى إعطاء مدة للمصارف لتقديم الحلول الجدية والجاهزة للتطبيق لإعادة رسملتها، وبعدها تأتي عملية دراسة الدمج بحيث تتضمن رؤية شاملة للاقتصاد ودور المصارف فيه، لأن عملية الدمج بالتأكيد ستكون حسّاسة ودقيقة، ويجب ألا تؤدي إلى تعميق المخاطر البنيوية في القطاع المصرفي والنظام الاقتصادي المالي، مؤكداً أن الحلول الأخرى غير الدمج لم تنتهِ بعد، هذا إن لم يكن هناك افتقار بالخبرات المصرفية التي تضع الخطط والدراسات للخروج من الأزمة المصرفية.

الدمج جيد لمواجهة الظروف

وبالمقابل، يرى الخبير الاقتصادي والمالي محمد شريفة أن الدمج المصرفي من المبكر الحديث عنه اليوم، لكن إن كانت عملية الدمج فعلاً قائمة، فهي تأتي في ظروف التضخم الكبيرة التي ما زالت سارية في أغلب بلدان العالم، بما يتضمنه الدمج المصرفي من إيجاد لكيانات مالية قوية قادرة على تحمّل الظروف التضخمية وأعباء التمويل للمشاريع الكبرى، ولاسيما أن أغلب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر باتت تتطلب مبالغ هائلة تتجاوز 100 مليون ليرة كحدّ أدنى، ووفق رأيه فإن الدمج جيد اليوم لمواجهة التحديات الاقتصادية المختلفة التي تعصف بالعالم، والتي أصبحت تهدّد الكثير من الاقتصاديات، خاصة وأن عملية الدمج تساعد على المنافسة، وتمكن من مواكبة التحديات الاقتصادية الراهنة مثل ما نجم عن تأثيرات سلبية في أزمة كورونا على العالم، عدا هذا كله تعدّ عملية الدمج أحد أبرز مظاهر الاستعداد والتحضير لعالم ما بعد العولمة والمنافسة والانفتاح على التجارة العربية والدولية والمنظمات الجديدة كدول بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، والأهم من ذلك كله مواجهة المشكلات الداخلية المتعلقة بانخفاض الربحية وضعف التنافسية بين البنوك، وخاصة البنوك السورية الخاصة ذات المرونة والديناميكية في الحركة والعمل، ولاسيما أن البلد تحت تأثير 12 عاماً من الحرب، غلبت عليه آثار المخاطر الناجمة عن التقلبات الفجائية لرأس المال وسعر الصرف وانخفاض قيمة الليرة السورية.

واعتبر شريفة أن التجربة الأوروبية كانت الأبرز في هذا المجال، ويأتي بعدها الدول العربية، ولكنها تبقى بشكل أقل، ويأتي لبنان أول المتصدّرين بالدمج عربياً، بعدد 23 حالة دمج بين مصارفه منذ أكثر من عقدين إلى الآن، وتليها مصر 17 حالة دمج، بينما كانت حالة واحدة بين بنكين في الإمارات العربية المتحدة عام 2007، أما بالنسبة لنا، فالتجربة إن حدثت، ستكون صعبة وحسّاسة بالفعل، وخاصة في ظل ضعف الاقتصاد وتقلبات الليرة، لكن قبل الخوض بالدمج يجب على الحكومة التمهيد لإيجاد أرضية ملائمة للقوانين والتشريعات المصرفية والمالية وإجراء التنسيق الفعّال بين وحدات البنوك المندمجة واللوائح والقوانين، ووضع تصور عملي لمراحل عمليات الاندماج.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات