يبدو واضحاً أنّ الحرب على سوريا وعناوينها العريضة، قد دخلت منعطفاً حاداً سيكون له التأثير الأكبر خلال الاشهر القادمة، ويوازي بتحدياته سنوات الحرب السياسية والعسكرية التي عايشها السوريين؛ هذا المنعطف يحمل عنواناً اقتصادياً له مستويات متعددة، بعضها داخلي والآخر خارجي إقليمي مُعادٍ للدولة السورية، والبعض الاخر مرتبط بشكل مباشر بحلفاء دمشق ومدى تجاوبهم مع المنعطف الاقتصادي الحاد الذي تمر به سوريا، ولا يُمكن لأحد أنّ ينكر أنّ حلفاء دمشق قدموا دعماً غير محدود، في السياسة والعسكرة والميدان، وبغية اكتمال عقد النصر، لابد من اقتران ما سبق بدعم اقتصادي دون سقف محدد، خاصة أنّ الجميع يُدرك بأنَّ سقوط دمشق وانهيارها اقتصادياً، يعني في العمق انهيار إيران وروسيا، على اعتبار أنّ الموقع الجيواستراتيجي للدولة السورية، إنما يُشكّل بُعداً ذا أهمية لا يُمكن الإحاطة بأهميته على الصعد كافة، وبطبيعة الحال فإن أعداء دمشق يتربصون انهيارها اقتصادياً، كي يتمكنوا من فرض اجندتهم السياسية، واجبار الدولة السورية على مقايضات سياسية، بعد تعرض المشروع السياسي وكذا العسكري، إلى ضربات قاضية بددت معها كل الأجندات التي جاءت من خلف الحدود.
في البعد الخارجي للأزمة الاقتصادية في سوريا، يُمكن القول بأنَّ الأزمة اللبنانية بجوانبها السياسية والاقتصادية، لا سيما التشديد على المصارف اللبنانية، وإغلاق الحدود اللبنانية مع سورية، كل ذلك أدى إلى تضييق الخناق على سوق الصرف السورية أكثر، ومنع تهريب العملات الصعبة ومواد المحروقات وسلع أساسية؛ ما فرض ضغوطًا متزايدة على الليرة السورية، وحصول نقص في بعض السلع في الأسواق السورية.
في جانب خارجي أخر، فإن كافة الوقائع والمعطيات تؤكد أنّ واشنطن ومحورها عملوا على تقييد تحركات الدول الساعية لمساعدة الدولة السورية ومساعدتها ماليًا، فقد بدأت عام 2019 بفرض عقوبات أوروبية على شركات إنشائية ورجال أعمال لهم علاقات بالدولة السورية، ليبلغ بهذا عدد الشخصيات السورية المشمولة بالعقوبات الأوروبية 270 شخصًا إضافة إلى 72 كيانًا. وتتالت العقوبات خلال 2019 من الولايات المتحدة وأوروبا ضد سوريا وإيران ولبنان، وجرى تحذير التجار والدول التي حاولت المشاركة في معرض دمشق الدولي عام 2019، وبات وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى الموانئ السورية أمرًا بالغ الصعوبة، من جراء العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والمساعدات الإيرانية المرسلة إلى سورية. كما تسببت العقوبات المفروضة على أذرع مالية تتبع لـ “حزب الله” في لبنان في التضييق على حركة السيولة المالية التي تصب في سورية في نهاية المطاف. وانتهى العام بقانون قيصر الأميركي الذي فتح فصلًا جديدًا في تضييق الخناق على الاقتصاد السوري والنظام، حاملًا عقوبات هي الأقسى على الإطلاق ضد كل فرد وكيان ودولة تساعد سوريا في إعادة الإعمار أو تعزيز قدرة اقتصادها.
في جانب أخر، من البديهي القول بأنَّ كل التحديات الخارجية لا يُمكن أنّ تجد لها أرضاً خصبة، إنّ لم تكن هناك مقومات ومعطيات تُحقق الشروط المطلوبة لنمو الاجندات الخارجية، وبالتالي لا يمكن أنّ يكون تأزم الوضع الاقتصادي في سوريا، نتيجة السياسات الخارجية التي تناهض دمشق فحسب، لكن حقيقة الأمر هناك بُعد داخلي في سوريا، يُعد مساراً خصباً للأجندات الخارجية، والذي يتمثل بالفساد والمحسوبيات وغياب القوانين التي تُجرم العبث بموارد الدولة أو أموالها، إضافة إلى ذلك، فإن غياب الآليات الاقتصادية التي يجب أنّ تُتبع فيما يعرف باقتصاد الحروب، فهي غائبة بالمطلق، ما يؤكد تلك المقاربة، أنّ الرئيس السوري بشار الأسد وخلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء السوري والفريق الإقتصادي، قد أكد صراحةً أنه يجب إعطاء الأولوية لفكرة الإنتاج لأن الموارد اليوم باتت محدودة، وهذا التوجيه يعد آلية اقتصادية علمية وممنهجة، وتمثل حجر الزاوية في إمكانية تخطي الوضع الاقتصادي الراهن في سوريا.
الرئيس الأسد صاحب النظرة الإستراتيجية بعيدة المدى، قال أيضاً وربطاً بما سبق، أنه طالما لدينا نقص بالموارد لا بد من حُسن استخدام وتوزيع هذه الموارد، مشدداً أنه بالنسبة للدولة التوزيع الأول يكون باتجاه الإنتاج وهذا يعني أنّ نوزع جغرافياً أيضاً بحسب الإنتاج على مستوى المحافظة، وقد أكد الرئيس الأسد بما يشبه المنهج الاقتصادي والالية الاقتصادية الناحعة، للتغلب على تداعيات ونتائج الأزمة الاقتصادية، أن المحافظة التي لديها إنتاج أكثر يمكن أن تدعم بشكل أكبر، وأن المنطقة أو الفعالية أو النشاط الذي يحقق إنتاجاً أكبر يجب أن يأخذ الجزء الأكبر من الدعم، مشيرا إلى أن توزيع هذه الموارد واستخدامها بشكل رشيد وحكيم مهم جداً لدفع عجلة الإنتاج لأنه لا يمكن أن يحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سوى دورة عجلة الإنتاج، ودورة عجلة الإنتاج مرتبطة بحسن استخدام هذه الموارد.
كل ما سبق يمكن البناء عليه، ويمكن أيضا ووفق منهجية الرئيس الأسد، اتباع إجراءات متعددة تسمح بإعادة ترميم الاقتصاد؛ هذه الإجراءات يُمكن إيجازها بالآتي:
أولاً- من الضروري إعادة توصيف الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع ضرورة وضع مشهد موازٍ يشمل الاقتصاد السوري ما قبل الحرب وأثناءها وصولاً إلى اليوم، مع وضع توصيفات وحلول اقتصادية لما بعد الحرب.
ثانياً – تطويق الأزمة الاقتصادية في سوريا ومنع استمرارها أو تفاقمها، وذلك يأتي عبر وضع آليات اقتصادية علمية ومدرسة بدقة، تعتمد على تخفيض الأسعار وفرض مسار ذلك من قبل الدولة السورية، مع رفع يد التجار عن المواد الأساسية التي تعزز صمود المواطن السوري.
ثالثاً – السماح للتجار ورؤوس الأموال باستيراد السلع وبطرقهم الخاصة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تنافسية يتبعها تخفيض الأسعار، خاصة أن كل المستوردين يقومون بتمويل مستورداتهم بالدولار “المدعوم” من قبل الدولة، ليقوم بعد ذلك هؤلاء النجار ببيع بضاعتهم على أساس سعر الدولار في السوق السوداء، الأمر الذي يجب أن تراقبه الدولة وتفرض عقوبات صارمة وحازمة تُجاه كل الذين يتاجرون بقوت الشعب.
رابعًا- من الضروري أن يتم العمل على إنهاء معاناة السوريين الناجمة عن الواقع المعيشي الذي يعاني منه غالبية السوريين، يأتي ذلك من خلال الربط بين الأسواق ومراقبة التجار وعمليات الاستيراد وتسعير المواد الغذائية وغيرها، إذ يؤكد غالبية السوريين بأن لا ثقة لهم بالتجار، وعلى الدولة ان تضطلع بهذه المهام، بُغية ترميم الهوة في حياة السوريين المعيشية.
في المحصلة، يمكننا القول بأن الدولة السورية قد دخلت حقيقةً منعطفاً اقتصادياً غاية في الأهمية، وسوريا لن تكون بمفردها قادرة على تخطي هذه الأزمة، إذ لابد من توحيد الجهود لتخطي هذا الواقع، وعطفاً على توجيهات الأسد ستتمكن الدولة السورية من اقران انتصارها الاقتصادي بمفردات الانتصار العسكري والسياسي، وبذلك يكون الانتصار السوري ضربة في صميم المشروع الأمريكي لسورية وعموم المنطقة.
أخيرا، سنورد معلومة جديدة عن توجهات اقتصادية جديدة حيال سوريا، فقد علمنا من مصادر متعددة أن هناك الكثير من الاستثمارات الخليجية والبنوك المشتركة، تنتظر الدخول إلى السوق السوري، وبالتأكيد فإن هذا الدخول لن يكون الا بتوقيت دمشق، وتوافق مع حلفاؤها.
سيريا ديلي نيوز-الدكتور حسن مرهج
2021-04-05 07:02:17