جدل شديد شهدته الأوساط الحكومية حول مشروع قانون التقاعد المبكر الذي تقدمت به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فعلى حين ينتقد اتحاد العمال مشروع القانون ويسهب في الحديث عن سلبياته من نزيف في العمالة الخبيرة ذات الكفاءة وسواها، تؤكد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن مفاعيل القانون إيجابية، بالنظر إلى عوامل عدة، أهمها طلب العامل نفسه، مع الأخذ بالحسبان أن مشروع القانون لن يكون له التأثير الذي يتخوف منه اتحاد العمال في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من حيث السيولة وقدرتها على القيام بالأعباء المادية الملقاة على عاتقها من رواتب المتقاعدين وإصابات العمل وطبابتها. وفي هذا السياق علمت «الوطن» من مصادر مطلعة على شؤون مشروع قانون التقاعد المبكر، وصفت معلوماتها بالمؤكدة، أن مجلس الوزراء لم يقر مشروع القانون وأجَّل إقراره إلى أجل غير مسمى، في خطوة وصفتها المصادر برفض مشروع القانون لجملة من الأسباب يبرز منه عدم توافر المناخ والظروف الملائمة لهذا القانون بالنظر إلى أنه يعالج جزءاً محدداً من مشكلة عامة تتصل بالعمالة واليد العاملة في سورية، إضافة إلى أنه حل جزئي لمشكلة البطالة من ناحية، وسبب لبطالة تعادل فرص العمل التي يؤمنها من ناحية أخرى. وبحسب المصادر فإن من يُحل على التقاعد وفقاً لقانون التقاعد المبكر، فسيجد نفسه دون عمل في سن لا يتجاوز خمسة وخمسين عاماً، أي في سن لا يزال قادراً فيه على العمل والعطاء، وفي ظل الظروف الاقتصادية السائدة وما أفرزته الأزمة من ركود وارتفاع في الأسعار، فإن من يُحل إلى التقاعد فسيعاود الضغط على سوق العمل لتأمين دخل إضافي يمكنه مع راتبه التقاعدي من مواجهة أعباء الحياة، إضافة إلى أن القانون يعمل على حل جزئي لمشكلة عامة هي البطالة ومحدودية فرص العمل، في وقت يتدفق فيه إلى سوق العمل سنوياً عشرات الآلاف من الأيدي العاملة، ناهيك عن مشكلة تثبيت المؤقتين والمياومين ممن تنطبق عليهم الشروط الواردة في المرسوم المعني بهذه المسألة، الذين لم يتجاوز عدد المثبتين منهم حتى الآن 70 ألف شخص. المصادر قالت في حديثها لـ«الوطن»: إن عدم توفر السيولة لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، لعب دوراً في الموقف من مشروع قانون التقاعد المبكر، بالنظر إلى توظيف سيولة التأمينات في استثمارات مختلفة من شراء هيكل فندق في منطقة البحصة بدمشق، وشراء أسهم في بنك قطر الوطني واستثمارات أخرى استهلكت محفظة التأمينات الاجتماعية من السيولة بشكل شبه كامل، في الوقت الذي تستحق فيه ديون للتأمينات على جهات القطاعين العام والخاص تتجاوز 100 مليار ليرة سورية تتوزع بشكل تقريبي مناصفة بمعدل 50 مليار ليرة على القطاع الخاص، و50 مليار ليرة على القطاع العام، ما يجعل المؤسسة غير قادرة على القيام بأعباء رواتب تقاعدية جديدة بكتلة كبيرة واحدة نتيجة قانون التقاعد المبكر في حال إقراره. وتضيف المصادر: إن لاتحاد العمال هواجسه الخاصة التي تُضاف إلى ما سبق من أسباب، حيث يملك اتحاد العمال صناديق إعانة عديدة، يعتبر أنها ستكون مهددة بالإفلاس في حال إقرار القانون، بالتوازي مع ارتفاع التكاليف على عاتق هذه الصناديق من حيث تسديدها مبالغ جديدة وبكتلة كبيرة للمتقاعدين الجدد الذين يشكلون كتلة كبيرة، وفي الوقت نفسه ينتاب اتحاد العمال هاجس استنزاف العمالة الخبيرة من المؤسسات العامة ما يودي بالبقية الباقية المنتجة والرابحة من مؤسسات ومعامل القطاع العام، ما يشكل خسارة إضافية. مستشار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عبدو عساف وفي تصريح خاص لـ«الوطن» حول هذه المسألة أوضح أن الوزارة لم ترفع مشروع قانون التقاعد المبكر إلى مجلس الوزراء حتى هذه اللحظة مبدياً استغرابه من هذه التصريحات المغايرة للحقيقة فكيف تؤجله الحكومة ولم يرفع إليها بعد؟ عساف قال: إن المعلومات التي وردت غير صحيحة بتاتاً، مع الأخذ بالحسبان أن الوزارة أعدت مسودة المشروع بالتعاون مع اللجنة المختصة وأصبح جاهزاً للعرض، بالنظر إلى أن الوزارة تعمل حالياً على مشروع قانون الجمعيات المزمع عرضه على مجلس الوزراء في جلسة نوعية، وتالياً لذلك مباشرة سيرفع قانون التقاعد المبكر إلى مجلس الوزراء. وعن الهواجس التي أثارها اتحاد العمال قال عساف: إن الوزارة تحترم حرص اتحاد العمال على مصلحة العامل، مع الأخذ بالحسبان أن العامل الخارج من سوق العمل والآخر الداخل إليه سيحصل على استحقاقات كافية، ومن ثم فإن الهدف الذي يسعى إليه اتحاد العمال محقق، كما لحظ مشروع القانون السياسات والإجراءات والتفاصيل التي يطرحها اتحاد العمال. عساف وعما قاله المدير العام للتأمينات الاجتماعية من أن المؤسسة تؤيد تطبيقه لسنة واحدة قال: إن مشروع القانون في حال إقراره سيكون لسنة واحدة، مع الإشارة إلى أن مجلس إدارة التأمينات أيد مشروع القانون في جلساته، معتبراً أن هذا القانون فرصة ممتازة لتحسين وضع العمالة، متمنياً على كل الجهات التعامل معه بموضوعية بعيداً عن التشنج وعدم التفريط فيه، مع الأخذ بالحسبان أن الحديث عن آثار هذا القانون على العامل ومؤسسات الدولة وسوق العمل وتكاليفه على التأمينات الاجتماعية موضح بالأرقام التي أعدتها الجهة الدارسة وعلى مسؤوليتها بعد تكليفها، ومن غير المعقول الاعتقاد بأن هذه الجهة أعدت دراسة تتضمن آثاراً سلبية على الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته، ولاسيما أنها مسؤولة أمام الجهات الرسمية كافة.
شام لايف
syriadailynews
2012-06-03 13:18:35