صناعيون يشتكون: تراعى مصالح المصارف الخاصة فقط..

 

منذ إنشاء المحاكم المصرفية في عام 2014، بقيت محل ترحيب ومعارضة، فمنهم من وجدها بداية لعصر التخصص للمحاكم والقضاة على السواء، فحققت نقلة نوعية في التقاضي لصالح المصارف الخاصة، إلا أن صناعيين انتقدوا آلية عملها، واعتبروا أنها تعيق الاستثمار وتقسو على أصحاب القروض المتعثرة بغير إرادتهم، نتيجةً لدمار منشآتهم وعدم قدرتهم على إيفاء التزاماتهم، خاصة مع تضاعف الفوائد. كما يرى قانونيون أن قانون أصول المحاكمات كافٍ لتحصيل حقوق المصارف، فما المبرر من استمرار قانون المحاكم المصرفية؟

يؤكد المحامي محمود تركماني في تصريح لصحيفة «الأيام» أن التدابير التي أجاز المشرع اتخاذها ضماناً لحقوق المصارف العامة والخاصة معاً، ومنها إلقاء الحجز الاحتياطي ومنع السفر لا يجوز فرضها إلا بحق المقترض وكفلائه، وإن تعدّت غير هؤلاء تصبح غير دستورية، ومن قبيل التعدي وإساءة استعمال السلطة، وبالتالي تبرر طلب التعويض من قبل من تضرر منها.

ليس من حق وزير المالية…

ويرى تركماني أنه ليس من حق وزير المالية فرض تدبير منع السفر، بحق المقترض أو أقربائه، بحسبان أن المادة 38 من الدستور أناطت منع السفر بالقضاء المختص، أو النيابة العامة أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة. كما أناط القانون رقم 20 لعام 2018 بالمحكمة المصرفية وحدها من دون غيرها، اتخاذ الإجراءات والتدابير المستعجلة بما فيها منع السفر بقرار يتخذ قبل دعوة الأطراف أو بعد دعوتهم، إلا أن وزير المالية ما زال مستمراً بمنع سفر المقترضين وأقربائهم حتى الدرجة الرابعة، وكذلك الحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة، ضارباً عرض الحائط كل المبادئ التي أقرها الدستور وكرستها القوانين.

ويوضح تركماني أنه يجب التمييز أولاً بين المقترضين المتعثرين والمقترضين  المتعثرين بغير إرادتهم، ومن أمثال هؤلاء الصناعيون الذين تضررت وتهدمت منشآتهم كلياً أو جزئياً نتيجة الحرب، فضلاً عن أن أغلب منشآت الصناعيين في مدينة حلب مثلاً ما زالت في مناطق غير محررة، وبالتالي يتعذر على الصناعي الذي اقترض من المصرف أن يسدد التزاماته، ومن جهة أخرى فإن المادة 148 من القانون المدني نصت على أن «العقد شريعة المتعاقدين، لا يجوز نقضه ولا تعديله، إلا باتفاق الطرفين» حتى لا يجوز للقاضي ذلك، إلا أن الفقرة الثانية نصت على أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن متوقعة، مثل ظروف الحرب في سورية، وترتب عليها أن تنفيذ الالتزام  صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل ما يخالف ذلك.

قانون أصول المحاكمات كافٍ

ويشير تركماني إلى أن رئيس الجمهورية سبق وأن أصدر عدة مراسيم وقوانين، أجازت للمقترضين من المصارف العامة جدولة ديونهم مع إعفائهم من الفوائد في بعض الأحيان كلها، إلا أن هذا لا يطبق على المصارف الخاصة، لذلك يجب أن يصدر المشرع مرسوم أو تشريع يلزم المصارف الخاصة، بقبول التسوية على قروض المتعثرين بغير إرادتهم، أما قانون إحداث المحاكم المصرفية فأغلب رجال القانون يرون أن لا حاجة لإصداره أصلاً، لأن الأصول المطبقة في قانون أصول المحاكمات كافٍ لتحصيل حقوق المصارف.

ويضيف المحامي محمود تركماني «إن القانون 19 لعام 2014 أجاز للمصرف أن يتبع طريق قصير في سبيل تحصيل قروضه خلافاً لباقي الدائنين وهذا مخالف لأحكام الدستور، وهو يعمل به حتى الآن رغم إلغائه صراحةً بالقانون رقم 1 لعام 2016. من جهة أخرى فإن تشكيل لجنة خاصة من قبل رئاسة مجلس الوزراء لتحصيل القروض، فهذا ما لم ينص عليه لا عرف ولا قانون، لأن المحاكم المصرفية مختصة بذلك، فلا داعي لتدخل هذه اللجنة، وهو تعد على استقلالية القضاء والحريات العامة».

إجراءات قاسية جداً

بدوره يوضح رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس لـ «الأيام» أن إجراءات المحاكم المصرفية قاسية جداً بالنسبة للقروض المتعثرة، مع أن السياسة الاقتصادية اليوم هي لتشجيع الاستثمار وتحفيزه، في حين أن المستثمر سيشعر بخطر عليه من الحجوزات ومنع السفر والمحاكمات، كما أن الحجز الاحتياطي يتم حتى الدرجة الرابعة من الأقارب، ما أحدث مشكلة كبيرة. فعلى الرغم أنه من حق الحكومة ضمان حقوق المصارف وأموالها، لكن من جهة أخرى يجب أن يرأفوا بالمستثمر وألا يضعوا سيفاً مسلطاً عليه.

يروي الصناعي عبد الوهاب بوادقجي (صناعة ألبسة وأقمشة) قصة معاناته لـ «الأيام»، ففي 2009 رغب والده بتوسيع وتجديد آلات منشأته «منشأة (بوادقجي تكس) وهي من أكبر المنشآت في سورية»، ومقرها في منطقة الزربة في ريف حلب، وهي مازالت تحت سيطرة المسلحين حتى اللحظة.

 ولتجديد الآلات طلب والده قرضاً من ثلاثة بنوك خاصة مختلفة بمبلغ 360 مليون ل.س، لكن مع بداية الأزمة في 2011، تعرضت المنشأة للدمار، حيث بلغت الخسارة فيها نحو 7 مليون دولار، وفي الوقت ذاته فرضت المصارف الخاصة إجراءات منع سفر على أصحاب المنشأة من عائلة بوادقجي حتى الدرجة الثانية، فهم كما يقول بوادقجي: «منعوني من السفر رغم أن أبي هو من حصل على القرض»، ونفذوا حجزاً احتياطياً على كل الحسابات المالية في البنوك الخاصة، ولم يتركوا عقاراً بالمليارات إلا وحجزوا عليه، والآن بدؤوا بالحجز التنفيذي على بعض ممتلكات العائلة بغية بيعها.

يستكمل بوادقجي قوله «رغم أن الفائدة كانت بحسب الاتفاق نحو 7.5 إلى 8.5 % لكنها ارتفعت لتصل اليوم إلى 17 %، وفي كل شهر تزيد الفوائد بالملايين، فأرسلنا 9 كتب لـ 9 جهات حكومية لعرض معاناتنا مع المصارف الخاصة وايجاد حل لكن لم نحصل على رد.

ويختم الصناعي بالقول «دفعت من القرض الأساسي أكثر من النصف، وهم يطالبون بـ 950 مليون فكل الأموال التي دفعتها من عام 2011 حتى اليوم ضاعت بسبب الفوائد المتزايدة كل يوم.

الأيام

محمد الواوي

سيريا ديلي نيوز


التعليقات