360 كيلومتراً هو طولُ الحدودِ السوريّةِ مع لُبنان، الحدودُ التي يستفيدُ أهلُها من التهريبِ منذِ عقود، عبرَ معابرَ جبليّةٍ وممرّاتٍ وَعِرَةٍ خَبِرَها المهرّبون وحَفِظوها جيّداً خلالَ سنواتٍ من امتهانِ التهريب، التهريبُ الذي لا يقتصرُ على السلاحِ والسلعِ الغذائيّة، بل يتخطّاها ليبلغَ تهريب الأشخاص، الفارِّين منهم من خدمةِ العلم، أو الطلبيّات الجنائيّة وحتّى أولئك المتورطوّنَ في الحرب.
يُعتبرُ التهريبُ مهنةً متوارثةً إلى حدٍّ ما، إلّا أنّها مُؤخّراً لمْ تَعُد تقتصرُ على سكّانِ الحدود، بل تخطّتهم لتشملَ عناصرَ جديدةٍ امتهنت الأمرَ وصارت خبيرةً به.
الحربُ السوريّةُ أفرزت مئاتِ المهرّبينَ الذينَ استغلّوا اندلاعَ المعاركِ في سورية، وبالتالي انخفاضَ الناتجُ المحلّيُّ وارتفاعُ أسعار السِّلع، بالتزامنِ مع انحسارِ الصادراتِ والوارداتِ الرسميّة بالنسبةِ لسورية، وفضلاً عن ذلكَ فإنَّ توسّعَ رُقعة المعاركِ والمخاطرِ الناتجةِ عنها، جعلَ التهريبَ ذا اتّجاهين، من سورية إلى لُبنان، وبالعكس.
يواجهُ المهرّبونَ صعوباتٍ موسميّة، ففي فصلِ الشتاءِ يُصبحُ التهريبُ أصعبَ بسببِ الثلوجِ التي تُغلقُ معظمَ المعابرِ الوَعِرة، إضافةً للألغامِ التي زرعها الجانبان السوريّ واللّبنانيّ قُرابة المعابر غير الشرعيّة بين البلدين.
ازدهرت تجارةُ تهريبِ الأشخاصِ بوتيرةٍ مرتفعةٍ مُؤخّراً بُعيدَ فرضِ الأمنِ العام اللّبنانيّ إجراءاتٍ مُشدَّدة على دخولِ السوريّين، ومنها شطبُ أيِّ مواطنٍ كانَ يكتسبُ صفةَ نازحٍ إذا ما سجّل لهُ أيّة زيارةٍ لسورية خلالَ فترةِ نزوحه.
وبحسب مصدرٍ مُطّلعٍ، فإنَّ حركةَ التهريبِ غير الشرعيّ تُحسبُ لصالحِ الخارجينَ من لُبنان قياساً بالداخلينَ إليه، واتّضحَ ذلك جليّاً في عامي 2016 و2017.
عبد الستار.ح هو مواطنٌ سوريٌّ قصدَ الخروجَ من لُبنان عبرَ مَهرَبٍ لا أحدَ يعرفُ اسمه، إنّما يُرمَزُ لهُ باسمِ “المقطع”، وفي تفاصيلِ رحلةِ العبورِ يروي عبد الستار لآسيا أنّه قصدَ الخروجَ من لُبنان إلى سوريةَ لملاقاةِ عائلتِهِ بعدَ سنينَ من الاغتراب، ولكونهِ دخلَ لُبنانَ سرّاً، فهو سيخرجُ منه بالطريقةِ ذاتها؛ لاستحالةِ خروجهِ بصفةٍ شرعيّة، والمذكورُ ليسَ نازحاً في لُبنان، إنّما عاملاً في مجالِ البناء، وخلالَ الحربِ في سورية لمْ يجد لهُ كفيلاً لُبنانيّاً لتأمينِ الإقامة، فدخلَ خِلسةً إلى البلد.
الرحلةُ الخَطِرَة :
بدأت قصّةُ عبد الستار من الجرودِ الجبليّةِ المُحاذيةِ لنقطةِ المصنع، وبرفقتِهِ مُهرّبٌ، و15 شخصاً سيغادرونَ بصورةٍ غير شرعيّة، قبلَ أنْ يُفاجَأ الجميعُ بدوريّةٍ للجيشِ اللّبنانيّ، ما استدعى هربَ المُهرّب، وتركهم لملاقاةِ مصيرِهم المجهول، بعدَ أنْ دفعَ كلّ منهم مبلغ 90$ للمُهرّب.
خلالَ رحلةِ هربِهم من الدوريّة دخلوا حقلَ ألغام، أُصيبَ شابٌ من المجموعةِ وبُتِرَت قدمُه وأُصيبَ ثلاثةٌ آخرون بجروحٍ بسيطة، لينسحبوا مُجدَّداً إلى الداخلِ اللّبنانيّ نحو أقربِ مشفى.
يستغلُّ المهرّبون فقرَ السوريّين وحاجتهم، ولا سيّما أنَّ كلّ داخلٍ غير شرعيّ سيحتاجُ مئاتِ الدولاراتِ لتسويةِ وضعه، فيبني المهرّبُ رزقهُ على حاجتِهم، ولا يتعهّد لهم بإكمالِ الطريقِ معهم، فإذا ما استشعرَ بالخطر، يترك هؤلاء ويهربُ وحيداً لعلمهِ بالممرّاتِ الأسرع والأقصر، ويعودُ السوريُّ أو اللّبنانيُّ إلى دائرةٍ جديدةٍ من البحثِ عن مُهرِّبٍ “شهم”.
انباء اسيا
سيريا ديلي نيوز
2018-01-28 21:07:56