يمكن طرح تساؤلٍ مشروعٍ الآن عن المسألة السورية، ذلك على خلفية جولات تفاوض ماراتونية، تدور رحاها، بين أستنة وجنيف، تزامناً مع حراك سياسي وديبلوماسي نشطٍ ومكثف منذ سنوات، يدور في الأروقة السياسية والديبلوماسية الدولية، إضافة إلى عواصم دول القرار الكبرى التي تمسك بخيوط الأزمة السورية.
كما أنه بصرف النظر عن عدد الجولات واختلاف أداء المبعوثين الدوليين الذين تناوبوا على هذه المهمة، فإن الأبرز في هذا الإطار، هو أن السياق العام للنتائج التي انتهت إليها جولات التفاوض، أو ما يدور في فلك الأزمة السورية من مبادرات ومداولات، كلّ ذلك بقي غامضاً ومبهماً حتى اللحظة، لا يمكن أن يُفسر إلا بواحد من سيناريوين: فإما أنَّ هناك اتفاقاً مضمراً بين عواصم الدول التي تمسك بخيوط المسألة السورية، حول طبيعة الحل، في الشكل والمضمون، ولم تأت اللحظة التاريخية للكشف عنه، وهذا ما لا تتوافر القرائن والدلائل التي تؤكده، وإما أن ظروف الحل النهائي ومتطلباته الحقيقية، لم تنضج بعد، وهو السيناريو الأقرب للواقع، ذلك انطلاقاً من ــ وتأسيساً على ــ الانخفاض الواضح، في منسوب الإنجازات النوعية، سواء أكان لجهة ما يتعلق بشروط الحل، أم لجهة ما يتعلق باستحقاقات الحل النهائي ومتطلباته، أقلّه حتى اللحظة الراهنة، إذ إنَّ جلّ ما تم إنجازه حتى الآن، لا يتعدى حدود إنشاء مناطق خفض التوتر، والوصول إلى توقفات هشة لإطلاق النار، وإنجاز مشاريع مصالحة في مناطق مختلفة، أسهمت إلى حدٍّ ما في حقن نزيف الدماء، وحققت في الوقت ذاته انفراجات معينة، مع الأخذ بالحسبان، أنه لا يمكن البناء عليها كخشبة خلاص، تساعد في تأمين العبور السلس والآمن إلى ضفاف الحل الاستراتيجي، الذي يمكن أن يوضح معالم سورية الغد، ويستأصل جذور الإرهاب المتعدد المشارب والانتماءات والدوافع الذي دمر سورية، وأجهز على قسم كبير جداً من مقدراتها وإنجازاتها.
بمعنى آخر، لم تنته جولات جنيف المتعددة، ولا لقاءات أستنة المتكررة، حتى اللحظة، إلى رؤية نهائية، حول واحدة على الأقل، من المسائل الجوهرية، التي يمكن أن تشكل موضوعاً للنزاع، كتلك المتعلقة بطبيعة نظام الحكم، والنظام الانتخابي، وعلمانية الدولة، والتموضع الجيوبولوتيكي للدولة السورية، وقضية الصراع مع "إسرائيل"، ومصير الأراضي السورية المحتلة، وماهية التوافقات السياسية التي يمكن أن تؤسس لخلق فضاء سياسي، محفّز و فعال، يساعد في تشكيل إطارٍ متوازن ومتكامل للعمل، يمكن أن يؤسس لبيئة مستقرة، تمتلك المقومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضرورية، لتوطيد دعائم السلام الاستراتيجي، الذي يمتلك شروط الاستدامة والاستمرار، ويضع حداً نهائياً لحربٍ ضروسٍ، حصدت أرواح مئات الألوف من السوريين، وشردت الملايين في الداخل والخارج، وخلفت نتائج وتداعيات دراماتيكية كارثية، تبرز معالمها بوضوح، في حجم الدمار الكبير الذي أصاب البنى الاقتصادية (الإنتاجية والخدمية)، وما يتصل بها على مستوى البنى التحتية، من كل ذلك إلى حجم الدمار الهائل الحاصل على المستوى الاجتماعي والثقافي، جراء ارتفاع منسوب الفقر والتهميش، وما يلازمه من أمية وجهل، وتزايد كبير في عدد الأطفال المتسربين من المدارس، وعمالة للأطفال، واستغلال جائر للنساء، وغير ذلك من الأمراض والمشكلات الاجتماعية التي تهدد نسيج المجتمع، من كل ذلك إلى الأخطر المتمثِّلِ في الانقسام الشاقولي الحاد الذي أصاب صميم البنية الاجتماعية والثقافية والفكرية، على خلفية انبعاث أو صحوة لهويات ومكونات ثقافية فرعية، أو موحدات صغرى، أطلت برأسها، وانتعشت بقوة في زمن الحرب، على حساب المكون الجمعي الوطني الأكبر، والهوية الوطنية السورية الجامعة، وهي بالمجمل تداعيات ومنعكسات، ستبقى مفاعيلها ملازمة لمسار تطور الدولة والمجتمع في سورية لعقود طوال من تاريخ سورية المعاصر.
إنَّ المتتبع لمسار المفاوضات، والراصد لوقائع جلسات الحوار، والمدقق في مكونات السلال التي شكلت موضوعاً للتفاوض أو النقاش، من جنيف إلى أستنة وبالعكس، لا يجد عناءً كبيراً في اكتشاف، مدى التباين الشديد في الرؤى، والاختلاف الحاد في التقديرات الاستراتيجية لجميع الأطراف، سواء أكانت داخليّة، أم خارجيّة حول مقاربات الحل ومداخله، علاوة على متطلباته وأولوياته، ويتقاطع هذا الأمر بقوة، مع تناقض صريح وواضح، في المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى التي تمسك بأطراف خيوط أزمات الشرق الأوسط، ومنها بالطبع الأزمة السورية.
ويبقى الأبرز في هذا الإطار أيضاً التجاهلُ المريبُ الذي يتعلق بدور "إسرائيل" الغائبة الحاضرة دون شك بقوة، أو بتقديرات مصالحها الاستراتيجية، سواء أكان ذلك في جنيف، أم أستنة، أو في مختلف الأروقة السياسية والديبلوماسية، ما يعّدُّ تجاهلاً أو قفزاً فوق مسألة جوهرية أو حقيقة أساسية، مؤثرة بقوة في حيثيات المسألة السورية وتفاصيلها، ونسفاً كلياً لإمكانيات الحل ووضع حدّ للمأساة السورية التي قارب عامها السابع على الانتهاء.
إنَّ الذهاب إلى مؤتمر سوتشي بسلال صغيرة، وسقوفٍ منخفضة، بعيداً عن إرادة جدية وصادقة تسعى لتقديم أجوبة جريئة وعقلانية، عن تساؤلات كبرى و جوهرية، كتلك التي تتعلق بحق الدولة السورية وكيفية استرجاع كامل أراضيها المحتلة، ومستقبل السلام والعلاقة مع "إسرائيل"، ذلك إلى الهوية الوطنية وعلمانية الدولة، ووحدة الأراضي السورية، والنظام الانتخابي والدستور، وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي، والتموضع الجيوبولتيكي المستقبلي للدولة السورية، وحق الدولة السورية المطلق وحدها في احتكار حيازة السلاح، وإذا لم تؤخذ هذه التساؤلات نفسها بالحسبان، فلن تتوافر إمكانيات ومتطلبات الحل النهائيّ للأزمة السورية، وسيؤول ذلك إلى أن أمد الأزمة السورية، سيكون ممتداً لأجل مفتوح، والجرح السوري سيبقى نازفاً.
وعليه، فإن الإطار العام للاستراتيجية الدولية حيال الأزمة السورية -وهو السيناريو الأقرب للواقع- سيبقى يدور في فلك إدارة الأزمة لا حلها، بواسطة سياسات تخاتلية ومواربة، غامضة ومتناقضة، قوامها الاستمرار في خلط الأوراق وإعادة ضبط التوازنات، والتحكم في مستوى التوتر، وإبقائه ضمن نطاق الاستهداف والسيطرة، والحيلولة دون توافر الشروط أو الإمكانيات التي يمكن أن تؤدي إلى انجرافٍ حاد، أو نوعي في مجرى الوقائع والأحداث، أو إلى تغيير دراماتيكي في موازين القوى الاستراتيجية على الأرض، يسمح بانهيار البنية أو المنظومة، طبعاً مع غض النظر أو التجاهل دولياً، لقيام "إسرائيل"، باستهدافها لمصالح حيوية، ومواقع استراتيجية على أراضي الدولة السورية. كل ذلك يجري في ظل استمرار رهان جميع الأطراف، والقوى المحلية والدولية على الأحداث المفاجئة، أو غير المتوقعة التي يمكن أن تؤدي إلى تغير نوعي في طبيعة الاصطفافات السياسية، وتغيّرٍ بنيوي في هيكل توزيع القوة إقليمياً ودولياً، ما يعني أن مسار المسألة السورية، سيبقى أسيراً لعاملي المفاجأة والزمن السياسي اللذين يمكن أن يغيرا وجهة مسيرة المسألة السورية ومسارها.
إن إمكانيات هذا السيناريو، تجد لها الكثير من الحوافز السياسية والاقتصادية، والدوافع الاستراتيجية والتكتيكية التي يمكن أن تمهد لتحقيقها في الواقع، وتجعلها واردة ومنطقية من الناحية العملية، ويصبح التقدير لاحتمالية هذا السيناريو، أوضح وأسهل، إذا ما انطلقنا من تحليل المسار، الذي يحكم ويتحكم في الوقت ذاته بمجرى العلاقات الروسية-الأمريكية، والمعطيات التي تجري على أكثر من مستوى في الإطار نفسه، تحديداً لجهة ما يتعلق بالمسألة السورية. إذ إنه في الوقت الذي تدفع به موسكو، نحو مؤتمر سوتشي، لفتح الباب أمام نقاش واسعٍ وكبير، بين مختلف القوى والفعاليات السورية الموالية والمعارضة، ليشكل بما يمكن أن يتمخض عنه، و ينتهي إليه، مرجعية معينة، يسهل بواسطتها التأسيس لرؤية إطارية شاملة وشرعية، تمتلك المشروع، لجهة ما يتعلق بالكثير من المسائل الجوهرية والقضايا الخلافية المذكورة آنفاً؛ إلا أننا نجد الولايات المتحدة الأمريكية بالمقابل، تتجه نحو تنفيذ استراتيجية مخادعة وتخاتلية إلى حدٍّ كبير، تسعى بواسطتها إلى تعزيز وجودها العسكري على أراضي الدولة السورية، والمضي قدماً في تقديم كل أشكال الدعم والمؤازرة، ماديّاً ومعنويّاً، لإنشاء وتدريب قوةٍ عسكريةٍ كرديةٍ، يبلغ عددها نحو مئة ألف مقاتل في شمال شرق سورية، إضافة إلى رعايتها فصائل مسلحة أخرى متعددة المشارب والانتماءات، من كل ذلك إلى استمرارها في تنفيذ سياسة تقوم على خلط الأوراق، وإرسال الإشارات المتناقضة، والرسائل المتضاربة، وإنتاج الظروف والوقائع التي تجعل مؤتمر سوتشي، ينعقد في ظل حالة من التشويش والتشكيك، بفعالية الاستراتيجية الروسية ومضامينها، تحديداً لجهة ما يتعلق بماهية الحل الاستراتيجي، ومدى قدرة الدولة الروسية على صياغة التوازنات اللازمة لإنجاز الحل، ما يدفع بقوة من جديد، في ضوء عدم التعاون الأمريكي لطرح تساؤلات كثيرة، عن مغزى مؤتمر سوتشي سياسياً ومعناه عملياً، وحدود نجاحه، ومدى قدرته على إنتاج الوقائع والمعطيات، وتوليد المسارات والديناميات التي يمكن التأسيس عليها، لأجل صياغة رؤية إطارية، لمرجعية صلبة ومتينة، تساعد في اجتراح معالم الحل الاستراتيجي الذي يمكن أن يضع حدّاً للمأساة التي يعاني منها الشعب السوري، والكارثة التي حلت بحاضره، والملازمة لمستقبله والتي لم تبخل عليه إطلاقاً في تدمير قسمٍ كبيرٍ من إرثه و تراثه وتاريخه.
ذلك إلى أنه في إطار التحليل الاستراتيجي والتقييم، كثيراً ما نجد أن قسماً كبيراً من الباحثين والمحللين، يتجهون لتبني مقاربة تقوم على التوظيف والاستثمار إلى حدٍّ كبيرٍ، في الفشل الذي مُني به الأمريكان في العراق. إذ غالباً ما يخلصون في الكثير من تحليلاتهم حول مضمون الدور الأمريكي ومداه، إلى أطر نظرية ومعرفية، مبنية على منهجية، يكتنفها الكثير من الغموض والاختزال، وهذه مقاربة هامة، وتبقى صحيحة، لا يمكن تجاهلها أو إنكارها بمنظور التحليل المبني على قواعد، أو على مرتكزات الإيديولوجيا السياسية، والتحليل الرغبوي، لكنها بالتأكيد تصبح مرفوضة بمنطق التحليل العلمي، ومنظوره الذي يتأسس على القوانين العلمية في تحليل الظواهر والمعطيات والذي لا يجيز على الإطلاق، بل يرفض بشدة المنطق القائم على مضامين إيديولوجية غالباً ما تدفع بالتحليلات للانجراف الحاد، باتجاهات مخادعة ومضللة، بعيدة عن مجرى الأحداث ومفاعيلها الاستراتيجية.
يُعدُّ صحيحاً حسبان أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من خيبات أمل متعددة، على خلفية الدرس الكبير الذي تعلمته في العراق، دفعتها لإجراء مراجعة وتقييم استراتيجي حصيف، استخلصت منه الكثير من الدروس والعبر التي دفعتها بقوة، لإعادة النظر بجانبٍ كبيرٍ من استراتيجياتها الدولية، تحديداً لجهة ما يتعلق بآليات التدخل الأمريكي، وإدارة بؤر التوتر ومناطق النزاعات، وطرق الإمداد والتمويل، وكيفية الاستثمار في الحروب وتجييرها لخدمة المصالح الأمريكية، وآلية عسكرة الاقتصاد العالمي والأزمات الدولية، وسبل إشعال الفتن، وتسعير التناقضات، وتأجيج الاحتقانات ما جعلها تتجه نحو سيناريوهات مختلفة، ومقاربات بديلة ذات مردود أعلى وتكاليف أقل قوامها الاحتواء، وتجيير الخصوم، وإحراج الحلفاء، وحشرهم في الزوايا الضيقة، أمام خيارات أحادية، والرهان على الحروب بالوكالة، من كل ذلك إلى تعميم حالة الفوضى والتفكيك، وخلق حالة من الارتباك واللايقين، حول مستقبل الدول والأنظمة القلقة ذات البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الهشة أو الضعيفة، تحديداً في منطقة الشرق الأوسط.
لقد نجحت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة إلى حدٍّ كبير في الاستثمار في حالة الفوضى، واستغلال نقاط ضعف الحلفاء قبل الأعداء، وجيرتها بفاعلية وقوة لخدمة الاستراتيجية الأمريكية التي تستهدف السطو الاستراتيجي على مقدرات دول المنطقة، واستنزاف خيراتها، والتحكم بتوجهاتها ورهاناتها وخياراتها، بأبسط السبل، وأهون الطرق، ذلك بواسطة بيع السلاح والأمن، ومنح الشرعية، وتلزيم الحروب والصراعات، دون اللجوء إلى أي شكل من أشكال التدخل العسكري الكبير، والانخراط في عمليات قتالية مباشرة، كما جرى في التجربة العراقية. وقد أشارت السيدة "كريستين لاغارد" وزيرة الاقتصاد الفرنسي سابقاً، والمدير العام الحالي لصندوق النقد الدولي إلى ذلك بشجاعة ووضوح، إذ قالت إنَّ: "الحرب ليست على العراق أو على سورية، الحرب هي على اقتصادات الدول من أجل تفقيرها، وتجويع شعوبها، وتجريدها من قوتها المالية، ومن ثم العسكرية، وجعلها غير قادرة على شراء طلقة واحدة، وعاجزة عن تسديد رواتب موظفيها، ومنهم العسكريون وقوى الأمن، لتظهر قوى مسلحة خارج إطار الدولة تنتهك القانون وتسلب الناس وتثير الفوضى وتأخذ الاتاوات". وهذا ما تؤكده الوقائع والمعطيات ذات الصلة بنشاط الكثير من فصائل الجيوش المرتزقة، والشركات الأمنية المنتشرة حول العالم، التي تعدّ شركة "بلاك ووتر" الأمنية، نموذجاً استثمارياً أمريكياً لها، تقدم الخدمات الأمنية، وتوفر الدعم اللوجستي للجيش الأمريكي في العراق وسورية وليبيا واليمن ومصر، وفي العديد من الدول العربية وغير العربية، ويبقى الأبرز إلى جانب كل ما تقدم، على المستوى المتعلق بتحليل مضمون القوة ومداها، هو أن أمريكا هي الدولة الأولى في العالم التي تملك الريادة في ميدان التفوق العسكري والعلمي والتقدم التقني والتكنولوجي.
إن التكثيف الذي نعرضه حول مضمون الدور الأمريكي الجديد، ومتغيرات الاستراتيجية الأمريكية، لجهة ما يتعلق بإدارتها للشؤون الدولية، ومنها بالطبع المسألة السورية، لا يستهدف، بل لا يجيز لنا على الإطلاق، التقليل من أهمية مضمون الدور الروسي، أو التقليل من مؤشرات التنامي الملحوظ، أو السريع الخطى والوتائر، في حدود القوة الروسية ومداها، ولا من الشجاعة والتضحية اللتين تبذلهما الدولة الروسية، في إطار الجهود المبذولة التي تستهدف التصدي لظاهرة الإرهاب الدولي، لكنه تكثيف يهدف في الواقع إلى تسليط الضوء على تحولات الاستراتيجية الأمريكية الموازية، الضالعة بقوة، حتى العمق في المأساة السورية، بغية تقديم مقاربة علمية لاستشرافٍ هادئ ورصين، يمكن أن يقدم إجابات على تساؤلات مدخلية كبرى، لا يمكن تجاهلها، كمفاتيح أو كمداخل استراتيجية في عملية صياغة الحل الاستراتيجي للمسألة السورية، ونحن على أعتاب مؤتمر سوتشي الذي من المتوقع أن ينعقد في أواخر كانون الثاني من عام 2018 . تساؤلات كثيرة من قبيل: هل فعلاً أصبحت ظروف حل الأزمة السورية ناضجة، وباتت شروط الحل منجزة؟ ثم إلى أي مدى تتوافر الشروط الموضوعية لنجاح مؤتمر سوتشي؟ ويبقى السؤال الأبرز والأهم في هذا الإطار، هو أنه: إذا كان الجانبُ التركي موجوداً والإيراني كذلك، فأين هو الأمريكي؟ وهل من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تمنح شهادة إنجاح سوتشي لروسيا؟ ما المقابل؟ ماذا ستقدم روسيا؟ ما الثمن؟ وهل تمتلك روسيا بالقيادة أو بالتفويض والنيابة، أو بالتفاهم والشراكة مفاتيح الحل للمسألة السورية؟ هل ثمة مُضمر في التفاهمات الروسية الأمريكية حول المسألة السورية ينتظر اللحظة التاريخية المناسبة؟ ثم يأتي السؤال الأبرز والأهم في هذا الإطار أين "إسرائيل" من كل ما يمكن أن يجري في هذا المؤتمر؟ وهل يمكن "لإسرائيل" أن تفوت الفرصة التاريخية وتسمح بحل استراتيجي للمسألة السورية، لا يأخذ بالحسبان هواجسها الأمنية ومصالحها الاستراتيجية، أم أنها غائبة حاضرة؟
تفيد التجارب الدولية والدروس المستفادة ذات الصلة بالحروب والنزاعات، بأن توافر الإرادة الوطنية للأطراف المحلية، شرط أساس ولازم لحل النزاعات، لكنه غير كافٍ، فالقضية تمتد إلى أبعد من ذلك، إلى حدود توافر إرادة دولية، وتطابق صريح وواضح في الرؤى والمصالح الدولية المتقاطعة. ويبقى هدفنا هو عدم المصادرة على مطلوب أو مرغوب، لكننا لا نعتقد بكل الأحوال أن ظروف الحل قد أصبحت ناضجة، وأن شروطه باتت مُنجزة وجاهزة، ذلك أنّ ما دون الحل النهائي محطات وجولات واستحقاقات سبقت الإشارة إليها، وهي متعددة وكثيرة وذات تأثير مباشر في مجرى الصراع، ولا ندري لماذا هي غائبة عن جدول النقاش، ونأمل ألا يبقى مسار المعاناة و الألم للشعب السوري مفتوحاً، وألا تستمر حالة اللا سلم واللا استقرار بصورةٍ تجعل من سورية ساحة مستباحة، لتصفية الحسابات، وإعادة تشكيل الموازين وبناء التوازنات، أقله في الأجل القصير والمتوسط.
رسائل مداد إلى سوتشي
سيريا ديلي نيوز
2018-01-03 17:18:59